رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مفهوم العبادة الكنسية لا أقصد بالعبادة الكنسية مجرد الممارسات التي تتم داخل المبنى الكنسي بل كل تعبد يمارسه المؤمن كعضو حي في الكنيسة ويتم بالروح الكنسي، سواء داخل المبنى أو في مخدعه. العبادة عند القديس الذهبي الفم لا تستطيع الكنيسة أن تمارسها إلا من خلال مسيحها، إذ هو كاهن الكنيسة والذبيحة. "صار المسيح كاهنًا بروحه، وذبيحة بجسده. يخدم طقس الذبيحة التي هي جسده(1)". خلاله تقدم الكنيسة كل عبادتها من تسابيح وأصوام وتقشفات وصدقات وتداريب روحية... إلخ. منهجه التعبدي: 1. العبادة المسيحية أو الكنسية ليست نوعًا من التجارة، يساوم المتعبد الله في الملكوت الذي وعد به السيد المسيح(2)، كلها نوع من الحب، يربط الإنسان بالآب في شخص ابنه يسوع المسيح، لا يمارسها المؤمن خوفًا من عقاب ولا ابتغاء مكافأة. في هذا يقول القديس الذهبي الفم: "القديسون لا يحبون الله من أجل خيراته، إنما يحبون الخيرات من أجل الله(3). "ألا تعلم أن مكافأتك تكون أعظم وأجمل إن تممت عبادتك دون انتظار للمكافأة؟(4)". هذا ما يرجوه القديس في كل مؤمن، لكن من أجل الضعف يحفز المؤمنين على العبادة من أجل المكافأة، وأحيانًا يضطر إلى التهديد بالنار الأبدية. 2. العبادة وهي سرّ اتحادنا بالرأس "يسوع المسيح" السماوي، إذ يليق بها أن تحمل السمة الإسخاتولوجية (الأخروية). "لنعجب إلى أين رفع الكنيسة؟ لقد رفعها كما بوسيلة تعنيه وأقامها في الأعالي وأجلسها على عرش سام، لأنه حيث يكون الرأس هناك يوجد الجسد أيضًا. لا يوجد فاصل بينهما، وإلاَّ فلا يعود الجسد جسدًا ولا الرأس رأسًا(5). "في استطاعتنا إن أردنا إلا نكون في الجسد، ولا على الأرض بل نكون في الروح، في السماء. لندخل إلى نفوسنا... إلى السماء، في الروح. لنمكث في سلام مع الله ونعمته، ولنتحرر من الجسديات، فننعم بالصالحات في المسيح ربنا(6)". العبادة عنده هي دخول إلى الحياة السماوية، شركة مع السمائيين والامتثال بهم، ففي تعليقه على قول الرسول بولس "لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض(7)" يقول: "أقام الله رأسًا واحدًا للملائكة والناس. بتجسده جمع البشر أعضاء فيه، وبكونه كلمة الله جمع الملائكة خلال هذا الرأس الواحد... إذن لنمتثل بحياة الملائكة وفضائلهم ونهتدي بهم(8)". أما قمة هذه العبادة السماوية فهي الشركة في المائدة السماوية، أي ليتورجيَّا الإفخارستيا، إذ يقول: "أنه يدعونا للسماء، يدعونا إلى مائدة الملك العظيم والعجيب، فهل نتردد بدلًا من أن نسرع إليها ونجري نحوها؟. أي عذر لنا؟ فإننا لا نقدر أن نلوم ضعفنا ولا نشتكي طبيعتنا، بل بالحري إهمالنا وحده هو سرّ عدم استحقاقنا(9)". 3. واجه القديس خطرين متناقضين يهددان "العبادة الكنسية". الخطر الأول هو الفكر اليهودي المتزمت، وهو فكر حرفي مادي متطرف يندفع بالإنسان في عبادته نحو الأرضيات ويحبس نفسه عن الانطلاق نحو السماويات. والثاني على نقيضه، الفكر الغنوسي الذي يحتقر المادة والأرض ويعادي الجسد كعنصر ليس من عمل الله. لذا بقدر ما كان القديس حريصًا في إبراز الجانب السماوي من العبادة السماوية اهتم أيضًا بإبراز الواقع العملي لوجودنا على الأرض وعبادتنا خلال الجسد المقدس في الرب. في هذا يقول: "أرني نفسًا بغير جسد، أما تسمع الأطباء يقولون: هذا المرض الجسدي بسبب اضطرابات نفسية؟(10)". لنتعبد هكذا: نأتي إلى ملكنا ونسجد له لا بالجسد وحده بل وبالعقل أيضًا(11)". 4. ربط العبادة بالكرازة، بكونهما يمثلان حياة واحدة غير منقسمة. ففي حديث الكاهن يوحنا الذهبي الفم مع شعبه عن ضرورة مساندتهم لبطريركهم فلافيان في عمله الكرازي سألهم أن يعينوه بعبادتهم الصادقة، قائلًا: "تقدر جماعة الكنيسة أن تعمل الكثير إن كنا نقدم صلواتنا بنفس حزينة وروح منسحق(12)". 5. إن كان القديس قد فتح الكنيسة على مصراعيها أمام الجميع لسماع كلمة الله والوعظ، لكنه آمن بالأبواب المغلقة أثناء العبادة خاصة عند ممارسة المقدسات الإلهية، حتى تقدر الكنيسة أن ترفع أيدي طاهرة ومقدسة في المسيح يسوع بواسطة روحه القدوس. "لسنا نفعل هذا عن ضعف يلحق بطقوسنا، إنما لعدم استحقاق الكثيرين بالكمال لممارستها(13)". "خير لنا أن نقدم صلواتنا التي اعتدناها باثنين أو ثلاثة يحفظون نواميس الله عن أن نندفع معًا كجموع كثيرة من العصاة ومفسدي الآخرين(14)". ويحدث الشماس قائلًا: "إن اقترب أحد بغير استحقاق اِمنعه حتى وإن كان قائدًا أو حاكمًا، لا حتى وإن كان متوجًا بالإكليل الإمبراطوري، فإنك تحمل سلطانًا (روحيًا) أعظم منه... احذر لئلا تُغضب الرب وتثيره ضدك... فإنه إن اقترب يهوذا جديد امنعه. خف الله لا الإنسان، فإنك إن خشيت الإنسان يحتقرك الله، وإن خشيت الله يكرمك الناس(15)". 6. ربط القديس بين العبادة والكنيسة والجهاد الروحي، فيقول: "إن كنت تشترك في التسبيح بمزمورين أو ثلاثة مزامير وتتمم الصلوات المعتادة كيفما كان الحال ثم تنصرف، فهل تظن أن هذا يكفي لخلاصك؟. ألم تسمع ما يقوله النبي: هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عني(16)". يظهر ذلك بأكثر وضوح حينما تحدث القديس عن مساندة الكنيسة لعدوها "أثروبيوس"... قائلًا: "هذا هو زينة المذبح(17)". إذ تقبل الكنيسة أعداءها وتحمي مقاوميها وتُعلن حبها له... صار هذا العمل في اتحاده بالعبادة زينة المذبح. وفي وصفه لكنيسة الرسل ربط القديس بين العبادة السماوية والجهاد الروحي أو الحياة الفاضلة، قائلًا: "ألم تسمع أن الرجال والنساء كانوا مجتمعين في العلية، وكان الكل مستحقًا للسموات...؟ لأن النساء كن يمارسن إنكار الذات بشدة، وكان الرجال وقورين وأطهارًا(18)". شفاعة القديسين وصلواتهم عنا: ما دمنا نتحدث عن العبادة الكنسية لا نستطيع أن نتجاهل طلب صلوات القديسين معنا وعنا، فقد اعتاد القديس يوحنا أن يقيم احتفالات أسبوعية يذكر فيها أعمال الشهداء والقديسين، ويطلب صلواتهم. ومن عاداته الجميلة أنه كثيرًا ما كان يلجأ إلى مدافن الشهداء في ريف أنطاكية يستمد بركتهم ويطلب صلواتهم ويتعلم منهم دروس في الأمانة والشجاعة والهدوء، إذ يقول: "كثيرًا ما كنت أتوجه إلى كنائسهم ليس فقط في أيام الاجتماعات، بل في غيرها لكي أنعم بهدوء عميق، وترتفع نفسي للسكنى مع هؤلاء الراحلين الطوباويين، وأحلم بالسعادة التي يتمتعون بها(19)". وفي نهاية مقاله التذكاري عن القديسين Prosdoce، Bernic يحث سامعيه أن يسألوا صلواتهما ليس فقط في تذكار استشهادهما بل وفي كل وقت، قائلًا: "إذ لهما الدالة لدى الله ليس خلال حياتهما على الأرض بل وبعد موتهما... نعم تكون دالتهما أكثر بعد الموت، إذ يحملا جراحات المسيح(20)، بهذا يطلبان من الملك ما يريدان". روى لنا أيضًا أنه في إحدى السنوات إذ كان المحصول في خطر بسبب تزايد المطر، اجتمع كل شعب القسطنطينية في كنيسة الرسل يطلبون شفاعة الرسل القديسين بطرس وأندراوس وبولس وتيموثاوس إلخ... مرة أخرى إذ يقارن بين مقابر القديسين وقصور الملك والأباطرة يقول: "مقابر خدام المسيح مجيدة، إذ ملكوا المدينة الملوكية العظيمة، وصارت أيامهم مشهورة، صارت أيامًا للعالم... مقابر خدام المصلوب أروع من قصور الملوك. لست أقول من جهة فخامة المباني وجمالها، إنما بالحري أتحدث عن غيرة المترددين عليها. فإنه حتى ذلك الذي يرتدي الأرجوان يذهب بنفسه ليقبل هذه المقابر. يلقي كبرياءه ويستجدي شفاعة القديسين عنه أمام الله "الذي يلبس التاج يتوسل إلى صانع الخيام والصياد(21) اللذين ماتا ليكونا نصيريه(22)". والقديس يوحنا كرجل كنسي واع خشي أن يفهم عامة الشعب صلوات القديسين تواكلًا وتراخيًا في الجهاد الروحي، لهذا نجده يؤكد: "ما أعظم بركات صلوات القديسين إن كنا نحن أيضًا نعمل(23) ". "حقًا إن صلوات القديسين لها قوتها العظيمة بشرط توبتنا وإصلاح حياتنا". "إن كنا مهملين لا نستطيع أن ننال خلاصًا حتى ولا بمساعدة الآخرين. وعلى العكس فإننا إن كنا ساهرين متيقظين نقدر أن نفعل ذلك بأنفسنا... لست أقول هذا لأنفي طلبات القديسين وإنما لكي أوقف إهمالكم واكتفائكم بالثقة في الآخرين وأنتم مطروحون على ظهوركم نائمين(24)". "حسنا، أننا ننتفع بصلوات القديسين إن كنا نحن أنفسنا متيقظين. قد تقول: وما حاجتي إلى صلوات القديسين ما دمت أنا نفسي متيقظ؟ إن كنا نفكر تفكيرًا صادقًا ندرك أننا في حاجة إليها على الدوام، فبولس لم يقل: ما حاجتي إلى صلوات (الآخرين) مع أن الذين كانوا يصلون عنه كانوا غير مستحقين للصلاة عنه ولا هم على قدم المساواة معه، وأنت تقول: ما حاجتي إلى الصلاة...؟ إنك محتاج بالأكثر إلى الصلوات بسبب شعورك بعدم احتياجك إليها. نعم فإنك وإن صرت كبولس، فأنت محتاج إليها لا تستكبر لئلا تسقط. أتريد أن تعرف فائدة الصلوات...؟ اسمع يعقوب وهو يقول للابان: "لولا أن إله أبي كان معي لكنتَ الآن صرت فارغًا" (تك 31: 42). اسمع أيضًا ما يقوله الله: "أُحامي عن هذه المدينة لأخلصها، من أجل داود عبدي" (2 مل 19: 34). متى قال هذا؟ في أيام حزقيا الذي كان بارًا. فلو أن الصلوات تفيد الأشرار المتمسكون بشرهم فلماذا لم يقل هذا أيام نبوخذ نصر بل أسلم المدينة؟ لأن الشر قد غلب... لكي تعرف هذا اسمع ما يقوله الله بالنبي: "إن وقف نوح ودانيال وأيوب لا يخلص أولادهم ولا بناتهم(25)"، لأن الشر قد غلب. مرة أخرى يقول: "وإن وقف موسى وصموئيل(26)...". إنه يتحدث عن نبيَّين قد سبق فصلَّيا عن الشعب ولم يغلبا... إذن يليق بنا إلا نحتقر صلوات القديسين، كما لا تلقي كل شيء عليهم. فمن ناحية لا نعيش متكاسلين ومهملين، ومن الناحية الأخرى لا نحرم أنفسنا من نفع عظيم. يليق بنا أن نطلب منهم الصلاة، رافعين أيديهم من أجلنا، وفي نفس الوقت نلتصق نحن بالفضيلة(27)". بركات القديسين: لا يتحدث القديس عن قوة صلوات القديسين فحسب، وإنما يشير إليهم كبركة ممتدة في حياتهم وفي كل ما تمتد إليه أيديهم حتى ثيابهم تتبارك بهم. ففي حديثه عن ثوب إيليا الذي شق نهر الأردن يقول: "اسمع... فإن البار أكثر شجاعة من الأسد: هكذا كان إيليا، فقد وقف أمام الملك كالأسد... مع أن الملك كان يرتدي أرجوانًا والآخر يلبس ثوبًا من جلد الماعز، لكن أي الثوبين كان أكثر قوة؟. جلب الأرجوان مجاعة خطيرة، أما ثوب جلد الماعز فعالج الكارثة. شق الثوب الأردن وجعل في أليشع روحين من إيليا. يا لعظم فضيلة القديسين! ليس فقط في كلماتهم أو أجسادهم بل حتى في ثيابهم، غالبًا ما تحمل كرامة عظيمة بواسطة الخليقة كلها. ثوب جلد الماعز الذي لإيليا شق نهر الأردن. نعال الثلاث فتية وطأت النيران. كلمة أليشع غيرت المياه فجعلتها تحمل الحديد فوق السطح. عصا موسى شقت البحر الأحمر وصدعت الصخرة. ثياب بولس أخرجت الشياطين. ظِلّ بطرس نزع حروب. رفات الشهداء القديسين تطرد الشياطين(28)". المريمات: ما دمنا نتحدث عن القديسين وقوة صلواتهم عنا وبركتهم يليق بنا أن نشير إلى "المريمات Mariology" لدى القديس يوحنا الذهبي الفم، والذي تتلخص نظرته في النقاط التالية: 1. القديس يوحنا ذهبي كراعي وكارز أكثر منه لاهوتي لم يرد أن يدخل في مناقشات ومجادلات لاهوتية(29)، فلم يذكر قط لقب "qeotokoc ثيؤتوكوس Theotokos" الذي تبنَّته مدرسة الإسكندرية وعارضته أنطاكية في ذلك الحين، بل ولم يذكر لقب والدة المسيح "خريستوتوكوس Christotokos" الذي اعتاده الأنطاكيون، Anthropotokos الذي استخدمه معلمه ديؤدور الطرسوسي. 2. علم بوضوح عن دوام بتولية القديسة مريم، إذ يقول: "نحن نجهل الكثير: كيف يوجد غير المحدود، في رحم، كيف يحمل ذاك الذي يحمل كل شيء وتلده امرأة، كيف تلد البتول وتبقى بتولا؟(30). وفي تفسيره إنجيل القديس متى دافع عن بتوليتها عند تفسيره العبارة: "لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" ذاكرًا بعض العبارات الكتابية جاءت فيها كلمة "حتى" بطريقة لا تعني المحدودية(31)، نذكر على سبيل المثال "وأرسل الغراب فخرج مترددًا حتى نشفت المياه عن الأرض (تك 5: 7)، فإن كلمة "حتى" لا تعني أن الغراب عاد بعد أن نشفت المياه وجفت الأرض وأيضًا "قال الرب لربي اِجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك" (مز 11: 2)، لا يعني أن الجلوس عن يمين الآب ينتهي بوضع الأعداء موطئًا لقدميه، وأيضًا "يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام حتى يضمحل التمر" (مز 72: 7) لا يفي عدم إشراق الصديق أو نزع السلام بعد اضمحلال القمر، كما دلل القديس على بتوليتها وعدم إنجابها أولادًا آخرين من تسليم السيد لها في أيدي القديس يوحنا الحبيب حين كان معلقًا على الصليب. فلو كان لها أولادًا لما سلمها إليه. 3. إذ يصعب على البشرية قبول الولادة من العذراء، لهذا لم يترك الله البشرية تتخبط، إنما هيأ الأذهان لهذا العمل الفريد بتقديم بعض أعمال رمزية تعين البشرية في قبول هذا الحدث(32). أ. إخراج الله فردوسًا من أرض عدن البكر كرمز لعذراوية القديسة مريم (33). ب. سماح الله لبعض النساء العاقرات أن ينجِبن مثل سارة ورفقة وراحيل وحنة أم صموئيل هؤلاء كن يعلن قدرة الله كتهيئة لعمل أعظم، إذ يقول: "إنجاب العاقر اليصابات يقع في منتصف الطريق بين ولادتنا نحن وولادة السيد. فهي ولادة أقل من ولادة السيد من العذراء، لكنها أسمى من ميلادنا نحن حسب الطبيعة. بهذا الطريق قاد فكر العذراء من الولادة الطبيعية إلى ما يتعداها(34). 4. هل عرفت السيدة العذراء أسرار المسيح. يجيب القديس: "العذراء التي كانت تحمل المسيح على صدرها لم تكن تعرف خبايا السر. إخوته لم يؤمنوا به، والذي تبناه لم يقدر قيمته (كما هي) (35)"، لكنه عاد ليقول "إن الوسيلة التي حبل بها والظروف التي أحاطت بولادته قدمت لها فكرة عظيمة بخصوصه(36)". 5. كتاباته عن السيدة العذراء لا تقبل مطلقًا فكرة "الحبل بها بلا دنس"، بل بالعكس، بالرغم من إحساسه بقداستها ونقاوتها تحدث عن حاجتها للخلاص والتعلم من السيد المسيح، بل وأحيانًا ليست لها بعض الضعفات، وكما سبق أن أشرنا في كتابنا "القديسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي" أنه مع بعض الآباء مثل القديس إيريناؤس وأوريجينوس نسب لها بعض الأخطاء، وأن هذا الرأي لا يمثل تقليد الكنيسة الأولى في المريمات(37)"... أما الضعفات التي نسبها للقديسة فهي: أ. تساءل: لماذا لم يبشر يوسف قبل أن تبشر العذراء بالحبل بالسيد المسيح؟ وجاءت الإجابة أنه ربما خشيَ من أن تأخير البشارة يجعلها تشعر بالحمل فتخاف وتتصرف مع نفسها تصرفًا خاطئًا(38). ب. مرة أخرى لماذا تحدث السيد مع القديسة مريم بجفاء في عرس قانا الجليل، قائلًا له(39): "مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد؟"، ويجيب "لأنها كانت تطلب أمرًا مظهريًا(40)". كما يعلق على هذه العبارة، قائلًا: "هذا هو سبب انتهاره لها في هذه المناسبة: أنه يعلمها إلا تفعل هذا الأمر مستقبلًا، فقد كان حريصًا أن يكرم أمه، لكنه كان يهتم بخلاص نفسها وصنع الخير للكثيرين الذين من أجلهم أخذ جسدًا. هذه كلمات تصدر لا عمن يحتقر أمه، بل عن من يتصرف بحكمة(41)". ج. في تعليقه على قول السيد: "بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" ردًا على قول المرأة: "طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما(42)... قال(43): "لم يكن جوابه هذا تحقيرًا لأمه، وإنما أراد أن يظهر إنها ما كانت تستفيد من ولادته له لو لم تكن هي إنسانة صالحة مؤمنة. فلو استبعدنا سمو نفسها لما استفادت مريم من ولادتها للمسيح...". د. يقول أيضًا: "لكي نؤكد احترامه لأمه احترامًا عظيمًا اسمع ما يرويه لوقا أنه كان "خاضعًا" لأبويه(44) ، كما يعلن الإنجيلي (يوحنا) أنه كان يفكر فيها في نفس لحظات الصلب... أما قوله: "من هي أمي ومن هم إخوتي(45)"، فذلك لأنهم لم يفكروا فيه كما يليق. إذ هي ولدته واعتنت به فإنها كعادة الأمهات الأخريات أرادت توجيهه في كل شيء في الوقت الذي كان يلزمها أن تكرمه وتتعبد له... إنه لم يرد بذلك إهانة من حملت به، حاشا لنا أن نفكر هذا، إنما أراد أن يقودها إلى منافع عظيمة فلا تفكر فيه فكرًا عاديًا. إن كان هو يهتم بالآخرين ويستخدم كل وسيلة لكي تزرع فيهم أفكارًا تليق به كم بالأكثر يفعل هذا مع أمه؟(46)". أخيرًا، فإن القديس قد أدرك أهمية دور القديسة مريم في حياة الكنيسة ويعلن بتوليتها وقداستها، فمن أقواله(47): "قديمًا بعذراء أهلك الشيطان آدم، أما فيما بعد فبعذراء غلب السيد المسيح الشيطان". |
|