رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مقارنة بين حواء والقديسة مريم ربما يعود أصل المقارنة بين حواء والقديسة مريم إلى بابياس أسقف هليوبوليس بآسيا الصغرى في أواخر القرن الأول الميلادي . ويعتبر القديس يوستين في القرن الثاني الميلادي هو الذي جذب الأنظار إلى هذه المقارنة في محادثاته مع تريفو Trypho، إذ يقول: ["صار "ابن الله" إنسانًا بواسطة العذراء، حتى يمكنه أن يمحو المعصية التي كانت بإيحاء الحيَّة، وذلك بنفس الطريقة التي نبعت منها هذه المخالفة.. فحواء التي كانت عذراء وغير دنسة، إذ حملت كلمة الحية داخلها أنجبت عصيانًا وموتًا، أما مريم العذراء إذ امتلأت بالإيمان والفرح بما أعلنه الملاك جبرائيل لها في البشارة، "بأن الروح القدس يحلّ عليها، وقوة العليّ تظللها، والقدوس المولود منها يُدعَى ابن الله، وأجابت: ليكن لي كقولك" (لو 1: 35)..] واضح في هذه المقارنة أن القديس يوستين ركَّز لا على القديسة مريم، بل على المسيح المولود منها. وقام القديس إيريناؤس حوالي عام 172 بتطوير هذه المقارنة، إذ صبَّها في قالب لاهوتي، قائلًا: [مع أن حواء كان لها زوج هو آدم، كانت لا تزال عذراء، بعصيانها صارت سبب الموت لنفسها ولكل الجنس البشري. هكذا مريم أيضًا وهي لها رجل مخطوبة وكانت عذراء، عندما قدَّمت الطاعة صارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشري.. هكذا انحلَّت العقدة التي سببها عدم طاعة حواء بطاعة مريم. ما قد ربطته العذراء حواء بشدة بعدم إيمانها، حلَّته العذراء مريم بالإيمان.] هكذا يُبرز القديس إيريناؤس ما للقديسة مريم من دورٍ في خطة الله لخلاصنا، إذ قدَّمت الخضوع الكامل لله بكامل حريتها، قدَّمت الطاعة النابعة عن الإيمان. هذا وقد دعاها القديس "شفيعة حواء" أو "المحامية عنها" إذ يقول: [بينما خالفت حواء الله، أطاعت مريم الله، لتصير العذراء مريم محامية أو شفيعة للبتول حواء.] وبنفس المنهج كتب ترتليان في كتابه "جسد المسيح": [زحفت كلمة الشيطان إلى العذراء حواء لكي تقيم شرخًا للموت، ودخل كلمة الله إلى العذراء ليقيم بناء الحياة. ما فقدناه بواسطة الجنس (المرأة)، أُعيد إلينا بواسطة ذات الجنس، وأنقذ الموقف. حواء صدَّقت الحيَّة، ومريم صدَّقت جبرائيل. ما أفسدته الواحدة بعدم الإيمان استردته الأخرى بالإيمان.. لهذا أرسل الله إلى أحشاء العذراء كلمته الذي هو أخانا البكر حتى يُمحَى تذكار الشر .] ويشير العلامة أوريجينوس إلى القديسة مريم بكونها قد أعادت الكرامة لجنس المرأة، هذه التي فقدتها حواء خلال خطية. في هذا وجدت المرأة خلاصها بولادة البنين (تي 2: 15). كما يقول أيضًا: [الفرح الذي بوَّق به جبرائيل لمريم نزع حكم الحزن الصادر من الله ضد حواء .] [كما بدأت الخطية بالمرأة، وبعد ذلك عبرت إلى الرجل، هكذا بدأت البشارة بالنسوة (مريم وأليصابات) .] وفي القرن الرابع يشير زينو أسقف فيرونا إلى هذه المقارنة بعرضٍ جديدٍ: [جرح الشيطان حواء وأفسدها، زاحفًا بخداعه إليها خلال أذنها، هكذا بدخول السيد المسيح إلى أذن مريم تخلصت من كل رذائل القلب. لقد شُفي جرح المرأة عندما وُلِد من العذراء .] أما القديس مار أفرآم السرياني الذي قال: [إن قيثارة الروح القدس هذه لن تبعث لحنًا أعذب مما تصدره حين تتغنَّى بمديح مريم .] فقد أعطي لهذه المقارنة بين حواء والقديسة مريم تطورًا جديدًا، إذ يقول: [استترت حواء في بتوليتها بأوراق العار. أما أمك "القديسة مريم" فلبست في بتوليتها ثوب المجد الذي يكفي الجميع. قدمت قطعة من الملابس -الجسد- لذاك الذي يكسو الجميع.] [بالعين رأت حواء جمال الشجرة، فتشكلَّت مشورة القاتل – الشيطان - في ذهنها.. أما مريم فبالأذن أدركت غير المنظور الذي جاءها خلال الموت. لقد حملت في أحشائها القوة التي جاءت إلى جسدها.] كما يقول أيضًا: [لتصغي حواء أمنا الأولى، ولتقترب إليّ. لترفع رأسها التي انحنت بالعار الذي لحق بها وهي في الجنة. لتكشف عن وجهها وتشكرك، لأنك نزعت عنها ارتباكها! لتحمل صوت السلام الكامل فإن ابنتها دفعت الدين عنها.] [الحيَّة وحواء حفرا قبرًا وألقيا بآدم المخطئ في الجحيم، أما جبرائيل فجاء وتكلم مع مريم، وهكذا فتح السرّ الذي به يقوم الأموات من جديد .] [مريم هي جنة عدن التي من الله، ففيها لا توجد حيَّة تؤذي.. ولا حواء التي تقتل.. إنما غُرست فيها شجرة الحياة التي أعادت المنفيين إلى عدن .] أخيرًا تكررت نظرة هؤلاء الآباء في كتابات القديسين أمبروسيوس وجيروم وأغسطينوس وأبيفانيوس أسقف سلاميس وغيرهم، نقتبس منها العبارات التالية: * دُعِيَت حواء أم الجنس البشري، أما مريم فهي أم الخلاص. القدّيس أمبروسيوس * بعد أن حملت العذراء وولدته لنا.. انحلَّت اللعنة. جاء الموت خلال حواء، والحياة خلال مريم[113]. القديس جيروم * مريم اُشتملت في حواء، لكننا عرفنا حقيقة حواء فقط، عندما جاءت مريم[114]. القديس أغسطينوس * تطلعت مريم إلى حواء وإلى اسمها ذاته "أم كل حيّ"، كإشارة سرِّية عن المستقبل، لأن "الحياة" نفسه وُلِد من مريم، وهكذا صارت "أم كل حيّ". لا نستطيع أن نطبق العبارة "أضع عداوة بينك وبين المرأة" (تك 3: 15) على حواء وحدها، إنما بالحقيقة تحققت عندما وُلِد القدوس الفريد من مريم بغير زرع بشر. القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس * وَجدت المرأة شفيعتها في امرأة. القديس غريغوريوس النيسي مريم تستفسر من الملاك عن حَبَلِها، وحواء لم تستفهم من الحية كيف تصير إلهة؟ (تكوين 3: 1-6؛ لوقا 1: 26-38)خلال الحوار بين القديسة مريم والملاك تمتَّعنا بشرح سماوي لسرّ التجسد الإلهي. * قالت له: "كيف يكون لي هذا وأنا عذراء، والعذارى لا تعطين ثمرًا؟" في هذه اللحظة كان مُهمًا جدًا أن تسأل، حتى يشرح لها سرّ الابن الذي سكن في داخلها. سألت مريم حتى نتعلَّم نحن من الملاك بخصوص هذا الحبل الذي يفوق الفهم. انظروا، كيف أن من ينظر إلى مريم يراها المملوءة جمالًا، وكيف هي محبوبة في هذه الأمور الخاصة بها لمن لهم البصيرة. لقد طلبت أن تتعلَّم منه عن حملها، لأنه كان يخصّها، وفيه منفعة لمن يستمع إليها. لم تسأل حواء الحية حين قادتها للضلال. بإرادتها ظلت صامتة، وصدقت بقوة الخديعة. الفتاة الأخيرة سمعت الحقيقة من الملاك الصادق، وبالرغم من ذلك، فقد سعت لتفهم شرح الأمر. الأولى سمعت أنها ستصبح مثل الله، ولكنها لم تقل: "كيف يُمكن أن يكون هذا"؟ أخبر الساهر (الملاك) هذه أنها ستحبل بابن الله، ولكنها لم تقبل ذلك حتى استوضحت الأمر تمامًا. الزوجة العذراء التي لآدم لم تشك في كلام الكذَّاب، أنها ستصعد بشخصها إلى درجة اللاهوت. لهذه قيل (للعذراء) إنها ستحبل بابن الله، لكنها سألت، وتقصت، وتحرت وتعلمت، ثم صمتت. انظروا الآن كيف أن الأخيرة جميلة أكثر من الأولى، ولجمالها اختارها الرب لتكون أمًا له. كان سهلًا عليها أن تبقى صامتة، وسهلًا أيضًا أن تسأل أسئلة. بسبب حسن التمييز تعلمت الحقيقة من الملاك. كما كان عمل حواء مستحقًا للتوبيخ، هكذا كانت مريم مُمجدة، وبحسب العمل الأحمق الذي لحواء ظهرت حكمة مريم. كما أن الأولى جديرة باللوم بسبب هذا الأمر، هكذا لا حاجة للأخيرة أن تخجل بسبب موضوع الابن. كما أن الأولى جاهلة، فالأخيرة حكيمة لمن له الفهم، فكل ديون الأولى أوفتها الأخيرة. بسبب الأولى حدث السقوط، وبالأخيرة قيامة لكل جنسنا! حدثت خطية بسبب حواء، ولكن نشأ برّ من داخل مريم. بسبب صمت حواء، حدث ذنب وتلوث للاسم، وبسبب حديث مريم، حدث حياة ونور مع نصرة. القديس مار يعقوب السروجي |
|