رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث قوة المحبة قد تسقط المحبة بين الناس إذا اصطدمت مصالحهم فيما يتنافسون عليه. أما المحبة التي (لا تطلب ما لنفسها) (1كو5:13). فإنها لا تسقط أبدًا. كذلك قد تسقط المحبة بين اثنين إذا احتد أحدهما علي الآخر، أو سيرته أو ظن فيه السوء. أما المحبة التي لا تحتد ولا تقبح ولا تظن السوء (1كو13). فإنها لا تسقط أبدًا. المحبة الحقيقية التي وصفها الرسول هكذا، لا تسقط. وكما قيل في سفر النشيد: المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها) ( نش8: 6، 7). هي متقدة كالنار، ومياه كثيرة لا تطفئها، أي مهما حدث من تقصير، أو من إساءة، أو من إهمال، أو من عوائق.. لا يمكن لهذا المياه الكثيرة أن تطفئ المحبة.. فإن كانت المحبة قوية وثابتة، ولا يمكن أن تزعزعها الأسباب الخارجية أيًا كانت، كالبيت المبني علي الصخر. وينطبق هذا الكلام علي المحبة بين الله والإنسان. وكذلك علي المحبة بين الإنسان وأخيه الإنسان. محبة الله للبشر تأملوا محبة الرب الذي أمكره بطرس وسب ولعن وقال (لا اعرف هذا الرجل) (مت26: 69-74).. بقيت محبته له كما هي لم تتأثر. وبعد القيامة ثبته في الرسولية، وقال له (إرع غنمي، إرع خرافي) (يو21). وهكذا فعل الرب مع باقي تلاميذه الذين خافوا وهربوا وشكوا.. بل محبة الرب التي لم تتأثر بما فعله صالبوه، بل غفر لهم، وقال للآب(يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون) (لو23: 34). حتى قائد المائة التي أشرف علي صلبه، أنعم عليه بالإيمان، فمجد الله قائلًا (بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا) (لو47:23). (حقًا كان هذا ابن الله) (مت54:27). وكثير من الكهنة الذين سعوا لصلبه، أحبهم وجذبهم إلي الإيمان (أع7:6). لم يفقدوا محبته إذ أنكروه وجحدوه. بل قبلهم إليه مرة أخري، وهو يقول (هل مسرة أسر بموت الشرير - يقول السيد الرب؟! إلا برجوعه عن طرقه فيحيا) (مز23:18). وهكذا قبل كثيرًا من الخطاة، وفتح بابًا للتوبة، وجعل منهم قديسين.. وأعطاهم أكاليل. محبة الله لم تسقط من جهة شاول الطرسوسي الذي في بدء حياته اضطهد الكنيسة بكب عنف، وقال عن نفسه (أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا) (1تي13:1). ولكن محبة الرب اقتادته إلي التوبة، وجعله الرب رسولًا، ومنحه المواهب. وعملت النعمة فيه أكثر من الجميع (1كو10:15). واحتملت إلحادهم ونكرانهم له أكثر من سبعين عامًا، أقتادهم بعدها إلي الاعتراف بالإيمان، وأحب الرب الأمم العاقر لإيمانهم. وجعلها توسع خيامها، ويصير أبناؤها أكثر من كنيسة الختان ذات البنين (أش54: 1-3). ومحبة الله لم تسقط عن الذين عبدوا العجل الذهبي. حقيقي أنه أدبهم، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه (عب12: 6) (أم12:3). وظلت محبته لا تتخلي عنهم. وأرسل الأنبياء ليقودهم إلي التوبة. ثم أرسل يوحنا بن زكريا ليهيئهم له شعبًا مستعدًا، يدخلون في معمودية التوبة. وصاروا هم النواة الأولي لشجرة الإيمان التي امتدت شرقًا وغربًا.. حقًا ما أوسع قلب الله في محبته، التي لا تسقط، بل للإنسان مهما أساء!! وتعطينا مثالًا حيًا لوصية: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم (مت44:5). لم تسقط محبته له علي الرغم من عصيانه وهروبه في سفينة إلي ترشيش، بل لأعد له حوتًا عظيمًا فابتلعه. واستجاب لصلاته في جوف الحوت، وأخرجه ليبشر نينوى ويقودها إلي التوبة. ولم تسقط محبة الله لما أغتاظ يونان بسبب قبول الله لتوبته نينوى، وقوله (أعطيت بالصواب حتى الموت) (يون9:4). ولاطفه حتى أقنعه.. وعن المحبة التي لا تسقط، أعطانا الرب مثل الابن الضال. فالآب لم تسقط محبته لابنه الذي ورثه في حياته وترك بيته وذهب إلي كورة بعيدة وأنفق ماله في عيش مسرف، بل قبله إليه وفرح به، وألبسه الحلة الأولي، وذبح له العجل المسمن. لذلك يسمح بالضيقات أحيانًا، ويرى موقف محبتنا له إزاءها. وهل نصمد أم نهتز.. ولعلني أذكر هنا مثل تلك الأم القديسة، التي احتملت في أيام الاستشهاد أن يذبحوا أولادها علي حجرها، وهي تشجعهم وتقويهم علي احتمال الموت. ولم تقل لماذا يا رب تسمح لي بهذه التجربة التي حسب الطبيعة لا يمكن أن يحتملها قلب أم.. مقول هذا لتبكيت الذين إن حلت بهم تجربة ولو بسيطة، يتذمرون، وقد يجدفون علي الله. ويقولون: ما عدنا نصلي. ما عدنا نذهب إلي الكنيسة!! خسارة أن تسقط محبتنا أمام الباب الضيق والطريق الكرب! إن محبتنا لله يمكن أن تختبر بالضيقات. ومحبتنا للناس تختبر باحتمالنا لمعاملاتهم أو جحودهم أو إساءاتهم، لتعرف هل هي محبة حقيقية ثابتة لا تسقط أبدًا، أم هي غير ذلك: أنظر إلي بولس الرسول وهو يقول (من سيفصلنا عن محبة المسيح: أشدة أم ضيق أم اضطهاد، أم جوع أم عري، أم خطر أم سيف؟.. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا..) (رو8: 35، 37). محبة البشر لله المحبة الحقيقية لله هي لم تسقط، حتى عندما قال له: (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق.. واصعده محرقة علي احد الجبال) (تك2:22). بل ظلت محبة إبراهيم لله كما هي، أكثر من محبته لابنه الوحيد. ومحبة يوحنا الرسول للمسيح بقيت كما هي، لم تتأثر ولم تشك، حتى حينما رآه معلقًا علي الصليب وسط جو من الاستهزاء والتحدي، وهو ينزف دمًا. علي الرغم من أن الانتساب للمسيح في ذلك الوقت، كان يعرض صاحبه للخطر. ولكن يوسف الرامي في محبته، لم يبال بالخطر، بل أكثر من هذا وهب قبره الخاص الجديد لكي يدفن فيه المسيح. وقام بتكفين المسيح ودفنه بالأطياب والحنوط، ولم يخف أن يقال عليه أنه من تلاميذه، في الوقت الذي خاف فيه بطرس الرسول! وفي ذلك الوقت، اشترك في تلك المحبة التي لا تسقط نيقوديموس الذي كان عضوًا في السنهدريم بينما اشتراكه في تكفين المسيح يعرضه لخطر من جهة أعضاء ذلك المجمع إلى حكم علي السيد المسيح بالموت. إنها المحبة التي لا تسقط بسبب العوائق.. ظلوا محتفظين للرب وثباتهم في الإيمان، منتصرين علي كل الصعوبات، من جهة الإغراءات الشديدة، والسجون والجلد والتعذيب والإهانات، والآلام التي لا تطاق، والإلقاء للوحوش الجائعة المفترسة. ولكن في كل ذلك، محبتهم لله لم تسقط أبدًا.. وكمثال للحب، ونذكر إلقاء دانيال في جب الأسود، والثلاثة فتية في أتون النار. كاتب سير الشهداء، الذي كان يهتم بأجساد الشهداء وتكفينها ودفنها وكتابة سيرتها، في وقت كان فيه الاعتراف بالإيمان يعرض صاحبه للسجن والتعذيب والموت. ولكن محبة يوليوس الأقفهصي للرب ولا بنائه الشهداء،؟ لم تسقط أبدًا أمام هذا الخطر، الذي تحول إلي حقيقة. فأخيرًا نال هذا القديس إكليل الشهادة. ومثال ذلل أيوب الصديق، الذي لم تهز محبته لله كل التجارب الشديدة التي تعرض لها، من جهة فقده لبنيه وبناته وكل ثروته، وفقده لصحته ومركزه وحتى احترام أصحابه له. وكان يقول (الرب أعطي الرب أخذ، ليكن اسم الرب مباركًا) (أي21:1). وحتى حينما كلمته امرأته، قال لها (تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟!) (أي10:2)، وفي كل ذلك محبته لله لم تسقط، إلي أن رفع الرب التجربة عنه. ووبخ أصحاب أيوب قائلًا: لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب) (أي7:42). فمن أجل أمانته لله ورفضه للخطية بقوله (كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله؟!) (تك 9:39).. احتمل السمعة السيئة والسجن والاستمرار في حبسه سنوات، وهو الأمين في كل شيء من نحو الله والناس. ولكن محبته لله لم تسقط أبدًا ولم يتذمر قائلًا: ما هذا؟! كيف أجازي عن الخير بالشر. إلي أن كافأه الله أخيرًا، وما كان ينتظر كل تلك المكافأة. كذلك محبته نحو إخوته لم تسقط، علي الرغم من كل الشرور التي فعلوها به فاهتم بهم في زمن المجاعة. وأسكنهم في أرض جاسان. وطمأنهم هلي مستقبلهم ولم ينتقم. بل بكي تأثرًا لما عرفهم بنفسه (تك2:45). محبتنا لبعضنا البعض ومن الأمثلة البارزة للمحبة التي لا تسقط: المحبة الطبيعية. كمحبة الأم والأب. والأم التي مهما فعل ابنها وأخطأ، تظل علي محبتها له،ومحبه الأب التي يمثلها بصورة رائعة محبة داود لابنه أبشالوم الذي ثار عليه، وقاد جيشًا ضده ليستولي علي مملكته، ودخل إلي قصره وأساء إلي سراريه (2صم15-18). ولكن داود بكي عليه بكل محبة (2صم33:18). وفي هذه الواقعة يمثل أبشالوم شذوذًا في المحبة الطبيعية. وفي ذلك نذكر سؤال الرسول للرب: (كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلي سبع مرات؟ فأجاب (لا أقول لك سبع مرات، بل إلي سبعين مرة سبع مرات) (مت18: 21، 22). هذه هي المحبة التي لا تسقط أبدًا، مهما كان عدد الإساءات التي تتعرض لها حتى إلي سبعين مرة سبع مرات..! إنها تدل علي القلب الواسع الذي يحتمل.. كذلك ماذا عن محبتنا لبعضنا البعض؟ هل تصرف معين، بسببه تفك خطوبة، أو به يصل زوجان إلي محاكم الأحوال الشخصية وإلي الطلاق! وتسقط المحبة التي عاشت في ظل الزوجية سنوات!! وهل بتصرف معين، يفقد الأصدقاء محبتهم القديمة، ولا تبقي أمامهم سوي الإساءة الحاضرة وليس غير؟! إلي هنا وأحب أن أنتهي من تأملاتنا في (1كو13). |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رفع العينين نحو الله ليتراءف علينا يبين ثقتنا به ومحبتنا له |
استخسار المحبة لبعضنا البعض |
إيماننا ومحبتنا للمسيح |
محبة الله لنا ومحبتنا للآخرين(2) |
+ محبة الله لنا ومحبتنا له وللناس + |