رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
- مجالات التأمل في الكتاب المقدس البابا شنوده إن كلمات الوحي الإلهي، عبارة عن روح متجسدة في ألفاظ. وليس الجسد (أي اللفظ) هو الذي ينفعك، بل الروح الذي فيه هو الذي يُحيي (2 كو 3: 6). لهذا قال السيد الرب: "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63). الكلمات هي مجرد غلاف، يغلف معاني داخلها، كالصَّدَفَة التي تحوي داخلها اللؤلؤ. واللؤلؤ هو روح الكلمات. لا تكتفِ بالصَّدَف، بل اكشفه وخُذ ما يحويه من لآلئ. وهذا الأمر يحدث بتوسط الروح القدس، بالصلاة، إذ تقول مع المرتل: "اكشف يا رب عن عينيَّ، لأرى عجائب من ناموسك" (مز 199). أو كما صلّى إليشع النبي عن تلميذه جيحزي، لكي يفتح الرب عينيَّ الغلام ليرى (2 مل 6: 17). التأمل إذن هو استنارة العقل بالروح القدس. لكي نفهم معاني الكتب المقدسة، ونتعمَّق فيها، وننزع القشرة الخارجية للوصول إلى اللُّب. وهكذا يكون التأمل في الكتاب المقدس، هو محاولة اكتشاف الأسرار الإلهية الموجودة في الوحي الإلهي. أو كما قيل عن عمل السيد المسيح مع تلاميذه بعد القيامة "حينئذٍ فتح ذهنهم، ليفهموا الكتب" حقًا يا رب، بنورك نُعاين النور. نريد إذن نورًا من روحك القدوس، يُنير عقولنا وقلوبنا وأفهامنا، لندرك ما يقوله الروح للكنائس (رؤ2). أما المجهود الذي تقوم به أفكارنا وقلوبنا وأرواحنا. فأننا نحسبه كمجرد طلب نرجو به من النعمة أن تفتح عقولنا، لتستقبل ما يسكبه فيها الروح.. عملنا هو أن نقدم عقولنا إلى الله، ليملأها بالفهم الذي من عنده، وما أعمقه.. نفتح له الباب ليدخل ونتعشى معه (رؤ 3: 20). نعم نتعشى بخبز الحياة النازل من السماء (يو 6: 33، 35)، ونحيا به، بكل كلمة تخرج من فم الله (مت 4: 4). ت إذن الخطوة التي يقوم بها الذهن في التأمل، هي فتح الباب للروح. ومن هنا فإن بعض الآباء يجعلون التأمل في عمقه خارجًا عن المجهود البشرى. باعتباره هبة من الروح القدس. وكما يقول المرتل في المزمور "فتحت فمي واقتبلت لي روحًا" (مز 119). أو التأمل هو تلمذة على الروح القدس. هو تدرب كيف تأخذ من الروح ما يريد أن يعطيك. وليس هو مجرد كد للذهن ليفهم، ولا هو مجرد اعتماد على ذكائنا وقدراتنا، فقد قال الكتاب "وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). إن التفكير العقلي المحض، الخالي من عمل الروح، لا ينتج تأملًا.. إنه قد ينتج علمًا أو فلسفة، وليس تأملًا. وهنا نفرق بين العالم والعابد، بين الدارس والمتأمل، بين الباحث في الكتب والمستقبل من الروح إن التأمل ليس هو مجرد فكر، إنما هو خلط الفكر بالقلب، وترك العقل كمجرد أداة في يد الروح. ثم تبتهل الروح لتأخذ من روح الله. وما تأخذه، تعطيه للعقل عن طريق القلب. وحينئذ ندرك قوة الكلمة، لأنها تأخذ من الروح قوة.. فلا تقف يا أخي عند مستوى العقل، بل اتخذ العقل وسيلة توصلك إلى الروح. والروح توصلك إلى الله، الذي عنده كل كنوز المعرفة فيعطيك.. القارئ السطحي قد يقرأ كثيرًا ولا يتأمل. أما القارئ الروحي، فالقليل من قراءته يكون له نبع تأملات لا ينضب. أنه لا يركز على كثرة القراءة، إنما على ما فيها من تأملات.. وقد تستوقفه كلمة أو عبارة، فيغوص في أعماقها، ويظل سابحًا في تلك الأعماق. وهو يقول مع المرتل "لكل كمال رأيت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز 119).. قد يفتح الله قلبه، فيرى في الكلمة الواحدة كنزًا عظيمًا مهما اغترف منه لا ينتهي، كما قال داود النبي في صلواته " فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة"... ليتكم كتدريب روحي، تأخذون كل يوم آية للتأمل. آية من الكتاب، تكون قد تركت في نفسك تأثيرًا أثناء القراءة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولكن لا تقف عند حد التأثير، إنما احفظ هذه الآية، وخذها مجالًا لتفكيرك وتأملك، ومعطيًا فرصة لروح الله أن يمنحك من خلالها شيئًا.. أو اتخذ قصة معينة من الكتاب مجالًا لتأملك. إن معاملات الله مع الناس مجال واسع جدًا للتأمل.. سواء معاملة الله لقديسيه الذين أحبهم أو أحبوه، وكانت بينه وبينهم دالة.. أو حتى معاملة الله للخطاة، الذين انتفعوا من طول أناة الله وغنى لطفه فتابوا، أو الذين عاندوا وتقسَّت قلوبهم.. شخصيات الكتاب أيضًا تصلح مجالًا للتأمل.. وما أكثر الكتب التي وضعت في هذا المجال.. يساعدك على التأمل أيضًا ما تكون قد حفطته من آيات كثيرة من الكتاب المقدس. تجد نفسك كلما بدأت التأمل، تأتيك تلك الآيات مرتبه متناسقة، يكمل بعضها بعضًا. وكل آية تقدم لك معنى خاصًا. وكلها معًا تقدم لك باقة جميلة من التأملات ونتذكر في تناسقها معًا قول الرسول: "قارنين الروحيات بالروحيات" (1كو 2: 13). وبهذا تشغل نفسك أثناء النهار بفكر روحي.. ويظل هذا الفكر يتعمق فيك. والفكر يلد فكرًا من نوعه، ويلد أيضًا الكثير من المشاعر والعواطف والتأملات. ويصبح قلبك نقيًا تعم فيه كلمة الله، تنتشر فيه التأملات الروحية.. كما تصحبك أيضا هذه التأملات أثناء الصلاة. بل تطرأ على ذهنك كذلك أثناء حديثك مع الناس. ويلمح المستمعون إليك عمقًا لا يقف عند المستوى السطحي في أي شيء. وهكذا ينفعك التأمل في تعميق حياتك الروحية. ولا يقتصر على مجرد الفكر أو الإحساس الروحي، أو الشعب الداخلي بكل ذلك، أو اللذة بالمعرفة.. إنما يتطور ليكون له تأثيره على الحياة العملية.. لذلك إن قرأت، لا تقف عند حدود القراءة والتأمل فيما تقرؤه في الكتاب من الوصايا أو سير الأنبياء والآباء، ما تقرؤه، اخلطه بفكرك وروحك وقلبك.. وطبق تأملاتك على حياتك، واستخرج منها منهجًا تسير عليه، ويدخل في علاقتك مع الله والناس.. ولتكن قراءتك مصحوبة بالصلاة.. كما قال داود النبي في المزمور الكبير "اكشف عن عيني لأرى عجائب من ناموسك".. وهناك نرى أن التأمل يحتاج إلى كشف إلهي.. وكثيرًا ما يقف الإنسان في حالة انبهار أمام ما يكشفه الله له.. وقد يقرأ فصلًا من الكتاب يكون قد قرأه من قبل. ولكن تنكشف له معان عديدة لم تخطر على ذهنه مطلقًا في قراءته السابقة.. وقد يحدث له هذا أيضًا، أثناء قراءة أو صلاة المزامير. فتنكشف له معاني جديدة. ويتكرر الأمر إذ يصلى نفس المزمور بعد أيام، فيدرك منه معاني أخرى لم يدركها من قبل.. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مجالات التأمل: التأمل في الكتاب المقدس البابا شنودة |
مجالات التأمل الروحي |
التأمل في الكتاب المقدس |
التأمل في الكتاب المقدس |
مجالات التأمل: التأمل في الكتاب المقدس |