الإنسان منذ سقوطه صار متوحشًا لا يريد أن يري في الكون غيره وإن أحب أحدًا ففي أنانية يحب أولاده وزوجته ووالديه كامتداد لأنانيته ويحب الآخرين لنفعه الخاص إنه يشتاق إلى الاعتداء على الكل وامتلاك الكل ولو لم يظهر دوافعه هذه.
فالمدينة حدت من هذه الروح لكن من الخارج دون الداخل فالمتمدن ما يستطيع السرقة ولا الخطف أو القتل لكن في داخله وحشية فظيعة يتمي كثرا لو فشل الجميع ونجح هو يشتاق لو نال كل جديد دون غيره يحزن ويضطرب لو فقد منديلا قديما وهو يملك عشرات المناديل...!!
والكتاب المقدس يشهد بذلك فقايين قتل هابيل وإخوة يوسف تآمروا على أخيهم وشاول صوب السهام ضد منقذه داود كل هذا بلا ذنب ارتكبوه في حقهم. وقد كشف لنا أغسطينوس هذه الوحشية في اعترافاته في صورتين هما:-
1- الطفولة تشهد بذلك:-
+ وعن طوب الرب الصغار والرضع فليس بسبب قداستهم لأنه ليس أحد طاهرًا ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض بل لأجل بساطتهم أي لقلبهم البسيط غير المزدوج الذي خارجه صورة واقعية لداخله فالطفولة خير مرآة تفضح انحطاطنا وفجورنا.
+ استمع يا الله استمع وا أسفاه لمعصيتي وأنت ترحمني لأنك خلقتني ولكنك لم تخلق الإثم الذي في من ذا الذي يذكرني بخطايا طفولتي؟! لأنه لا يوجد أمام عينك إنسان طاهر ولو كان رضيعًا لم تتجاوز حياته يومًا واحدًا على الأرض..!
ما لم أتذكره عن نفسي وأنا طفل أتصوره في غيري من الأطفال فماذا كانت خطيتي إذن؟! إنه يصرخ متى شعر بما يؤلمه فهل من الصلاح أن يصرخ بقساوة لإغاظة الناس حتى يضجرون وبالأخص مربيه الأخِصَّاء.......... . إنه يستعمل كل ما من شأنه أن يخيف الناس ويؤذيهم عندما ترفض رغباته التي لو حققوها له أصابه ضررًا بليغًا.
إذن عجز أعضاء الطفل لا عجز إرادته هي سبب براءته!!!
لقد رأيت بنفس طفلا حسودًا لا يقدر أن يتكلم ومع ذلك بأنه عندما نظر إلى أخيه في الرضاعة أصفر لونه وظهرت نظرات الحقد في عينيه.
2- صار الإثم مصدر لذة:-
+ جميلة كانت تلك الكمثري (المسروقة) ومع ذلك فلم تكن نفسي الشقية تميل إليها بل كنت أسرق أفضل ما على الشجرة لمجرد السرقة وبعدما كنت اجمعه كنت ألقي به للخنازير وكانت لذتي الوحيدة في هذا كله هي إثمي الذي كنت في غاية السرور لأن أتلذذ به والذي لم أكن اشعر بعذوبته إلا عندما أضع الكمثرى في فمي.
+ لو كنت في ذلك الوقت أحب الكمثري التي أسرقها لأتلذذها لسرقتها بمفردي ولو كنت أسرق بدافع الحاجة لاكتفيت بسرقة ما يكفيني دون أن تكون هناك حاجة لأن ألهب شوق رغباتي بشغب رفقاء السوء ولكن الحقيقة أنن لذتي لم تكن في الكمثري بل في نفس الضرر الذي يسببه محفل رفقائي المجرمين.