لقد سقط الإنسان بإرادته، ولكي يعود إلى الأحضان الأبوية، إلى الفردوس الملوكي، يحتاج إلى عمل بطولي إلى انقلاب يحدث في أعماقه، في قلبه وإرادته وروحه، إلى انقلاب تتغير فيه الموازين والمقاييس ويصبح الهدف المنشود الاتصال مع الله عن طريق الإعطاء الذاتي الكامل والتجلي الروحي والفكري تجلياً يعيد إلى الصورة صفاءها وإشراقها الأولين، ولكي تتحقق هذه العودة ، لكي يتحقق هذا الانقلاب كان لا بد من يد تعمل مع الإنسان فتمسح الصدأ العالق بالنفس، وتزيح أكداس الظلمات الجاثمة في قرارة الروح، فكانت محبة الله هي هذه اليد المحركة لعالم الإنسان بما تحملته من امتهانات، واضطهادات، وتعييرات وبصاق، وما قامت به من عجائب، وما اجترحته من معجزات، وما سفكت من دم حبها حتى تغسل خطاياه المزمنة السوداء، فانتهت بالصليب، وجعلته قاعدة أساسية لكل خلاص روحي، ورحماً يولد القديسين وأبطال الروح في التاريخ.