رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القمص أثناسيوس فهمي جورج لماذا تبكين؟ وقفت المجدلية أمام القبر الذي أشرق لنا منه الغفران شاخصة إلى المسيح شمس القيامة، ولسان حالها: كنت بالأمس أتبعك واليوم أقوم معك، بالأمس حزنت من أجل صلبوك واليوم أتزين ببهاء نور قيامتك، لقد خبرتك وبسلطانك حررتني من عبودية مملكة الشيطان، واليوم في قيامتك تسحق الجحيم وتبيد الموت، فتتهلل أجناد الملائكة. (لماذا الطيب والنحيب، إن زمن البكاء قد انقضى لا تبكين، بل بشرن بالقيامة للرسل) (الإبصلمودية المقدسة). كانت مريم واقفة عند القبر خارجًا تبكى (يو20: 11)، وعندئذ توقف البكاء وتبدد الحزن المريع وانتهى الشك والخوف (لماذا تبكين؟)، لأنه اليوم الذي صنعه الرب، يوم فرح السمائيين، يوم أن تحرر آدم وعتقت حواء وارتخت قوة الموت، يوم امتد نبات القيامة في كل المسكونة لتصير فردوسًا، بعد أن بطل الموت وتقررت القيامة. (يا امرأة لماذا تبكين؟) إنه نداء استخدمه السيد المسيح في حديثه مع العذراء (يو2: 4)، وهو نداء مهذب شاع في فلسطين، لماذا تبكين؟، وهو ما توضحه التسبحة في كنيستنا (إن زمان البكاء قد انقضى) ويلاحظ أن السيد المسيح يسأل المجدلية عن (من تطلب؟) وع إنها تطلب شيئًا (ماذا) وليس (من) ليردها إلى موضوع طلبها الذي ينبغي أن يكون شخص المسيح وليس جسده. (من تطلبين؟) وهو ليس سؤال عن الجسد إنما هو سؤال عن الإيمان.. عندما كانت مريم تفتش عن الذي يفتش عليها وعن كل نفس جوعانة وعطشانة إليه لكي يشبعها ويسقيها من ماء الحياة مجانًا. وقصة المجدلية تعلمنا أن الدموع التي تسكب لأجل المسيح لا تضيع فاعليتها، فنعمته وغنى عطاياه تحيط بنا جدًا عندما نصر في طريق الألم.. ففيما كانت مريم تبكى منحها معرفة أسراره بواسطة الملائكة القديسين، لذلك رأت الملاكين بثياب بيضاء، وطلبوا منها أن لا تبكى لان هذا ليس زمان الموت ولا مناسبة القيامة ليست فهي مناسبة للحزن والتثقل بسلاسل الخوف. ويخبرنا يوحنا الحبيب أن مريم المجدلية كانت بدون منازع أكثر حرارة في حبها من سائر النسوة اللائي خدمن الرب، هؤلاء النسوة اللواتي رأين القبر فارغًا، وفيما هن حائرات، عاتبهن الملاكان في عتاب ملائكي رقيق، كيف تتوقعن وجود الحي الغالب الموت في القبر. نالت النسوة العطية الإلهية التي هي تمتعهن بالسلام (لا تخافا أنتما)، فلا محل للخوف ولا مجال للبكاء.. فالمسيح المصلوب المخلص الذي تطلبن عبر فوق كل حدود الزمان، إذ أنه مصلوب وقائم، (إنكما تطلبان يسوع المصلوب! ليس هو ههنا لأنه قام كما قال، هلما انظروا الموضع الذي كان الرب مضطجعًا فيه) (مت 28: 5).. لهذا عندما انطلقتا وتقابلتا مع يسوع وقال لهما: لا تخافا، سجدتا له، وكان سجودهما أول عبادة بالروح قدمت للمسيح على الأرض وللوقت انطلقت المجدلية تبشر آدم بالعودة إلى الفردوس، فرحة عقب معاينتها لآلامه وقيامته المقدسة. (آمين آمين آمين.. بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة.. ). دار حوار بين المجدلية والملاكين، وهذه إشارة معتمدة إلى مركز المسيح الإلهي، وهو ما كان يجب أن تفهمه، ثم بعد ذلك تحدثت مع يسوع الذي لم تعرفه وظنته البستاني.. فحديثها مع الملائكة يؤكد تغير العلاقة بين المرأة والقوات السمائية، والحديث عن المرأة هنا هو إعادة لنداء آدم لحواء بعد الخلق مباشرة (تك 2: 23)، وفيه إشارة واضحة إلى تجديد الخليقة. وفى هذا البستان بستان خلاص آدم الذي فيه مات موت الخطية، وعاد آدم وبنيه إلى الفردوس مرة أخرى، توهمت المجدلية أن المسيح القائم هو (البستاني)، ولم تعلم أن هذا البستاني كان يبذر في قلبها -كما في بستان خاص له- بذور حبة الخردل ودرسًا في الإيمان. لم تكن تعلم أنه البستاني الحقيقي، الذي فلح لنا الفردوس الجديد، عوض آدم الذي أفقدنا الفردوس الأول، ظنته البستاني وهو شجرة الحياة العديمة الموت، قابلته ولم تعرف فيه مجده وأنه آدم الثاني الرب من السماء. وهناك أيقنت أنه البستاني والفلاح والزارع الإلهي والباني، الذي يطرح الملوك تيجانهم ويحنو رؤوسهم في بستان قبره وموضع إعلان القيامة والحياة. وهى إن قدمت عملًا بسيطًا منم جهتها إلا أنه كل ما تملك وما أمكن لها فعله، لذا قدم لها الرب الحياة المقامة، عندما قالت (يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه) (يو20: 15). تبحث عن المخلص وتريده، تبحث عنه كما بحثت من قبل عن خلاصها وشفاءها، فتسمر قلبها ورجلها وامتلأت عيناها بالدموع، لذا استحقت أن ترى مجد الله، بعد أن كفت عن أن ترى أي قيمة لأية قيمة سوى أن تجده. (أخذوا سيدي) ربما ينفعنا قولها هذا عندما نأخذ الرب ونحجبه أو نضع ذواتنا عائقًا بيننا وبينه، ونقدم خبرة ميتة باهتة ونجعل ذواتنا هي المحور والبديل، مقدمين أنفسنا لا المسيح، فليكن هو السيد ونحن عبيده. لقد قالت في عواطفها (أنا آخذه) أي تحمله بنفسها، عندما دار حديث بينها وبين الرب وهي لا تدرك أنه الرب، الذي سوف يكشف لها عن ذاته عندما يدعوها باسمها، نادها يسوع (يا مريم) كما نادى لعازر، ونبه روحها فأبصرت نور القيامة وافتتح باسمها سجلات الخلود، ناداها باسمها، فعرفت فيه صوت الله، ولما أرادت أن تأخذ لنفسها أرسلها لتدعو آدم أولًا. ناداها الرب القائم باسمها فعرفته وانطلقت للبشارة بأنها رأت الرب، رأته فكان عليها أن تفرح لا أن تبكى وأن يدوم فرحها، تكلم نعها وسمعت صوته فقامت من موتها. فالذين يتبعونه بكل قلوبهم طائعين وصاياه يعطيهم ميراثه السمائي ويقدم لهم بركاته الروحية ويصير لهو مخزنًا لعطايا لا تنتهي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقديستنا مريم المجدلية أتت إلى حجر الزاوية الكريم والمختار في رقاده القليل خلف حجارة القبر لتتمتع برؤية شجرة الحياة التي زرعت في الأرض، ومعاينة قيامة المسيح البستاني الإلهي الذي قدم نفسه للآب باكورة من بين الراقدين، يجمع أول حصاده من المريمات والتلاميذ، ليرفعه على المذبح المقدس الناطق السمائي، رائحة بخور تدخل إلى عظمة الآب السمائي فهو قد تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات (رو1: 3). لكل هذا ناداها يا مريم وأظهر ذاته بندائه عليها لأنه يعرف خاصته المدعويين للحياة معه وتبعيته، ينادى كل من يريد ويسعى أن يأخذه، يقترب إلى كل من يفتش عن موضع يجده فيه.. إنه صوت الرب الذي ناداها به وهي تعرفه وتميزه جيدًا. وهذه هي خبرة القيامة لمريم المجدلية، أن ترى السيد وجهًا لوجه، أراد أن يكافئ محبتها له، فدعاها لان تتعرف عليه، عندما استنارت وحدقت فيه بغير مانع ولا عائق، وعلى الفور فهمت وطرحت كل شكوكها، فقدمت له كل الكرامة. خبرة عاشتها كل حياتها في حوار دائم -ديالوج dialogue- مع المخلص، حتى بعد موته، فكانت أول من أجرى معه حوار بعد قيامته، وناداها المعلم الإلهي الحقيقي باسمها، هذا الذي ثرنا في فكره وغرس فينا قيامته بعد أن ابتلع من أجلنا كل مرارة الألم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
زيارات مريم المجدلية الثلاثة إلى القبر |
مريم البتول لم تشاء أن تفارق حجر القبر |
مريم ومرافقة جسد ابنها إلى القبر |
مريم عند القبر |
وبكة بكاء مرا |