الأنبا أنجيلوس أسقف عام شبرا الشمالية
السيد المسيح لم يختر موت الصليب
ثم نأتي إلي نقطة في غاية الأهمية وهو أن السيد المسيح لم يختر موت الصليب، لأنه كان يجب أن يبرهن على إنه قاهر للموت في كل صوره وأشكاله، مثل المُصارِع القوي الذي يترك لمشرف المباراة أن يختار له الخصم الذي يحاربه، فيقول البابا أثناسيوس:-
"فقد يقول قائل ما يلي:-
لو كان لا بُد أن يحدث موته أمام أعين الجميع وبشهادة شهود، لكي يصدق خبر قيامته لكان من الأفضل على أي حال أن يخطط لنفسه موتًا مجيدًا، لكي يهرب على الأقل من عار الصليب.
ولكن حتى لو فعل هذا لأعطى فرصة للتشكك في شخصه، وكأنه لا يقوى على كل أشكال الموت بل فقط الموت الذي اختاره بنفسه، ولكان هذا حجةً لعدم الإيمان بالقيامة أيضًا.
وهكذا أتى الموت إلى جسده، ليس بتدبيره هو بل بمشورة أعدائه، حتى أن أي شكل من أشكال الموت يأتون به إلى المخلص يستطيع هو أن يبيده كليةً.
وكما أن المُصارِع النبيل، العظيم في المهارة والشجاعة، لا يختار خصومه بنفسه، لئلا يشك أنه يخشى مواجهة بعض منهم بل يترك الأمر لاختيار المشرفين علي المباراة لا سيما لو كانوا أعداء له، حتى إن أي مصارع يضعونه هم أمامه ينتصر هو عليه، وبهذا يؤمنون أنه فاق الجميع.
هكذا الحال أيضًا مع ربنا ومخلصنا المسيح، حياة الكل، فإنه لم يختر لجسده موتًا معينًا، لكي لا يبدو وكأنه يخشى شكلًا أخر للموت، فالموت الذي قبله واحتمله على الصليب قد أوقعه عليه آخرون، هم أعداؤه، ظانين أن هذا الموت مرعب ومهين ولا يمكن احتماله. لكن المسيح أباد هذا الموت، فآمن الجميع أنه هو الحياة، الذي به تتم إبادة سلطان الموت كليةً.
وهكذا حدث أمر عجيب ومذهل لأن الموت الذي أوقعوه عليه ظانين أنه موت مهين حوله هو إلى علامة للنصرة على الموت ذاته. (تجسد الكلمة 24: 2 - 4).
وأيضًا وضع سببًا تأمليًا لاهوتيًا في عدم موت المسيح بطريقة تتسبب في تمزيق جسده قائلًا:-
"ولهذا فإنه موت يوحنا بقطع الرأس، ولا مات موت إشعياء بِنَشْر الجسد، وذلك لكي يحفظ جسده غير منقسم وصحيحًا تمامًا حتى في موته، وحتى لا تكون هناك حجة لأولئك الذين يريدون أن يقسموا الكنيسة" (تجسد الكلمة 24: 4).