رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بعث أيضًا رسالة رائعة للمراسلين المضطهدين يقول: [إلى الكهنة الرهبان بفينيقية، الذين يعلمون الوثنيين. لا يترك القباطنة السفينة وهي تغرق، ولا الأطباء المرضى وهم في خطر. لماذا أقول لكم ذلك حتى لا تنسحبوا من فينيقية بسبب الاضطرابات التي قامت فيها! فإنه كلما ازدادت الاضطرابات وكثرت المشاكل ارتفعت الأمواج بقسوة، التزمتم بالاستمرار ومضاعفة مجهوداتكم مع ثباتكم وسهركم وغيرتكم، لكي لا يهدم أحد بناءكم الجميل ويفسد زرعكم. اذكروا التعب الذي تحتملونه والألم الذي تتعرضون له والصلاح الذي تكمِّلونه، وغلبتكم على الكثير من العادات الوثنية التي نلتموها بنعمة الله، وتحسن الموقف في فينيقية، فإن هذا كله يُزيد من مكافآتكم وأكاليلكم. في القريب العاجل يحل الله كل المشاكل ويكافئكم على صبركم. اثبتوا إذن، وتمموا عملكم. لا ينقصكم شيء، فقد أعطيت الأوامر أن يقدموا لكم الملابس اللازمة والأحذية والمئونات وكل ما يحتاجه إخوتكم. إن كنت وأنا وسط برية كوكوزة أرى نفسي غارقًا في هذه التجربة المُرة، أهتم بإرساليتكم إلى هذه الدرجة، فكم بالأحرى يكون اهتمامكم أنتم وقد أخذتم كل ما تحتاجون إليه بوفرة، فإنه يليق بكم أن تبذلوا كل ما في وسعكم. استحلفكم إلا تجعلوا أحدًا يبث فيكم الخوف. فإن الأسباب كثيرة التي تجعلنا نترجى موقفًا أفضل، كما ستعرفكم رسائل سيدي الكاهن الكلي التقوى قنسطس... أرسلت إليكم يوحنا ليسند روحكم. لقد قمت بواجبي وشجعتكم بكلمتي ونصائحي، وسهرت لكي لا ينقصكم شيء... فإنه لم يعد شيء ما يوبخني إن كنتم تتركون أنفسكم للكذابين والمنافقين عوض الإنصات إليَّ(45).] في اختصار كتب القديس الكثير، وكانت كتاباته تحمل فيضًا من الحب مع التزام بالمسئولية تجاه الكنيسة وخدامها وأولادها، حكام وأساقفة وكهنة وشمامسة وشماسات ورهبان وعلمانيين، لأجل الدخول بكل أحدٍ إلى حياة "الشركة العملية العميقة مع المسيح يسوع". أخيرًا، فإن رسالته إلى البيدوس تكشف لنا المجهود الشاق الذي تحمله القديس في كتابة كل رسالة، إذ يعتذر له عن عدم رده على رسائله لوجوده في مكان أشبه بسجنَ، بل أكثر منه قسوة، مع ندرة الأشخاص الموثوق فيهم لحمل رسائله، هذا بجانب مرضه الذي يهدده، فقد كان ملقيًا على الفراش طول الشتاء... إنه يقول له: [هذا هو سر سكوت قلمي لا قلبي... فإني وإن كنت في برية بعيدة أكثر من هذه التي أنا أعيش فيها، فإن ذكراكم تظل محفورة في ذهني(46).] ولكي نتلمس ذلك نتعرض -ولو قليلًا- لما احتمله القديس من آلام في كوكوزة، كما توحيه إلينا رسائله. |
|