منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 25 - 09 - 2021, 11:40 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

القديس يوحنا ذهبي الفم ومجمع السنديان





القديس يوحنا ذهبي الفم ومجمع السنديان







SYNODAD QUERCUM

أخطأ البطريرك السكندري في قبوله دعوى الإمبراطور لعقد مجمع عاجل لمحاكمة البطريرك القسطنطيني، فما كان يليق به أن ينتقم لنفسه بهذه الصورة المحزنة. لقد تسرع في ذلك، فجمع حوله الطاقات المضادة للبطريرك يوحنا، التي لا تعمل لأجل الحق، بل تحمل كل ضغينة وكراهية لهذا القديس.
ففي طريقه إلى القسطنطينية عرج على سيرينوس Cyrinus أسقف خلقدونية، ألد عدو للذهبي الفم، إذ يعتبره كافرًا ومتكبرًا ومستبدًا. ثم دخل البسفور حيث اُستقبل في القسطنطينية وسط تهليل العمال المصريين الذين وفدوا إليها مع القمح(49).
بالرغم من ترحيب البطريرك يوحنا به، لكنه رفض الالتقاء به، أو التفاهم معه، حاسبًا إياه كأنه قد أُقيل فعلًا. يقول المؤرخ بالاديوس(50) "جاء ثاوفيلس محملًا بأطايب مصر والهند أيضًا، محاولًا أن يعطى بالعطر رائحة جسده النتنة!"
حاول ثاوفيلس عقد المجمع بالقسطنطينية، لكن الإمبراطور اعتذر عن عقده بالعاصمة لسبب الشغب الذي بدأ يسري وسط الشعب، فعاد الأسقف يجر وراءه جماعة من الأساقفة المضادين ليوحنا إلى قرية السنديان أو البلوط (51)The Oak، حيث دُعي المجمع باسمها.

لقد تجمعت الطاقات المضادة مثل سيرينوس والأسقف سفريان الذي قام بدور لا يُستهان به في المجمع، والأساقفة الذين عزلهم القديس في زيارته لأفسس بسبب سيامتهم بالسيمونية.
بدأ المجمع أعماله في أوائل سبتمبر 403 م.، حيث عقد جلساته الثلاثة عشر يقودها ثاوفيلس.
استدعى يوحنا أربع مرات للمحاكمة ولم يحضر(52)، محتجًا بما جاء في رسالة ثاوفيلس نفسه أنه حسب قوانين نيقية لا يجوز لأسقف أن يتدخل في أمور خارج إيبارشيته. لكن لم يكن هذا هو السبب الحقيقي، فقد شعر يوحنا بالمؤامرة التي يحركها الإمبراطور لاستبعاده، فاختبأ وراء القوانين(53) لا نستطيع أن نتنبأ ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الإمبراطورة لم تتضايق من القديس يوحنا، وتمت محاكمة ثاوفيلس في مجمع يستصدر القديس يوحنا!




جلسات المجمع

في بداية الجلسة الأولى قرأ الشماس يوحنا، الذي أقاله البطريرك لاتهامه في جريمة قتل أو شروع في قتل - الاتهام، وكان يتلخص في 29 اتهامًا ينعته سقراط بالبله:
1. طرد الشماس يوحنا طردًا تعسفيًا، لأنه ضرب عبده الصغير.
2. ضرب راهبًا يدعى يوحنا، وقيده بالحديد بدعوى أنه به شيطان.
3. باع كثيرًا من ممتلكات الكنيسة الثمينة.
4. باع الرخام الذي خصصه البطريرك السابق نكتاريوس لكنيسة القديس أنسطاسية.
5. سب رجال الإكليروس ووصفهم بالخسة والفساد وأنهم غير مهذبين، لا يستحقون إلا ثلاثة شواقل.
6. اعتبر القديس أبيفانيوس مجنونًا وشيطانًا.
7. دبر مؤامرات ضد الأسقف سفريان.
8. كتب كتابًا يهين الإكليروس.
9. اِتهم ثلاثة شمامسة أمام الإكليروس بسرقة معطفه.
10. سام أنطونيوس أسقفًا مع تأكده أنه سارق.
11. في شغب عسكري سلم الكونت يوحنا بنفسه.
12. لم يصلِ قط عند دخوله الكنيسة أو خروجه منها.
13. سام قسوسًا وشمامسة خارج المذبح.
14. سام أربعة أساقفة دفعة واحدة.
15. استقبل نسوة وانفرد معهن بعد أن استبعد الجميع.
16. كلف Théodule أن يبيع ميراث تكلة Thécle.
17. لم يعرف أحد أين يذهب عند دخوله الكنيسة.
18. سام صرابيون بالرغم من أنه متهم.
19. سجن بعض الأشخاص، وعند موتهم بالسجن لم يأمر بإعطاء أجسادهم لأقربائهم.
20. سب القديس العظيم أكاكيوس ،Acacius ولم يسمح له أن يتكلم.
21. سلم الكاهن بورفيري إلى أتروبيوس لينفيه.
22. سلم الكاهن بيرونيوس Beronius بعد أن سبه كثيرًا.
23. كان يسخن الماء لنفسه وعند خروجه من الحمام يقوم صرابيون بغلقه كي لا يدخله أحد.
24. كان يأكل بمفرده ويعيش حياة ترف.
25. كان يتهم ويشهد ويقضي بمفرده، كما حدث في أمر رئيس الشمامسة مارتيريوس Proérése أسقف Lyae.
26. وجه ضربة قاسية إلى Memnon، فسال الدم من فمه، وبعد ذلك خدم القداس الإلهي.
27. كان يرتدي ملابس الخدمة ويخلعها وهو على كرسي الأسقف.
28. كان يرشي بالمال الأساقفة الذين يرسمهم حتى يخضع الإكليروس له.
29. قام بسيامات كثيرة بغير شهود.
اتهم أيضًا الراهب إسحق البطريرك يوحنا أنه تحدث بألفاظ نابية ضد الإمبراطورة، وكان هذا الاتهام عقوبته الإعدام. كما تقدم بعض الأساقفة المعزولين يشتكون ظلمه.
كما وجهت اتهامات أخرى لا يخرج في جوهرها عن السابقة، ووجهت اتهامات ضد المؤرخ بالاديوس وغيره بكونهم أوريجانيين... غير أن مشكلة "الأوريجانية" لم تثر في المجمع اللهم إلا بالتلميح.




مجمع السنديان والإخوة الطوال

لم تثر مشكلة الأوريجانيين في المجمع، فقد خدمت الأحداث -إن صح هذا التعبير- البطريرك ثاوفيلس، إذ تنيح الأسقف ديسقورس قبل انعقاد المجمع، ودفن في كنيسة الشهيد موشتيس(54)، كما تنيح الأب أمون (أمونيوس) قائد الحركة، بعد اصطحابه للجماعة ووصوله إلى السنديان، فبكاه ثاوفيلس ومدحه قائلًا إنه لا يجد راهبًا نظيره في زمانه(55)، وقد دفن في مقبرة تسمى روفينيانا Rufininanae حيث تمت معجزات شفاء كثيرة من مقبرته، وكان يحج إليه كثيرون.
بعد نياحة الأب أمونيوس اِنسحب الأب هيراكس إلى البرية الداخلية يقضي حياته في العبادة، إذ خشي أن يكون كمن وضع يده على المحراث في رهبنته ونظر إلى الوراء(56).
وفى نفس العام (403م) تنيح الأب إيسيذورس.
هكذا وجد رهبان نتريا أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، إذ يوحنا -ملجأهم- يحاكَم، وثاوفيلس صارت له كلمته في البلاط، وقادتهم قد تنيحوا... فتألموا معتقدين أن يوحنا قد تخلى عنهم، واشتاق أغلبهم، إن لم يكن جميعهم، أن يعودوا إلى برية مصر لا ينشغلون بشيء إلا بالحياة الديرية على أثر خطوات هيراكس(57).

أرسل إليهم البابا ثاوفليس يقول إنه يفتح ذراعيه لهم، وقد نسى الماضي، ولن يفكر في أذيتهم، وضغط عليهم الأساقفة المصريون أن يعتذروا حيث تظاهروا أنهم يشفعون لهم لديه. فجاء الآباء الرهبان إلى المجمع، وقد خجلوا من هيئة المجمع ولم يفكروا في إثارة أية ضجة، بل فتحوا قلبهم واعتذروا للبابا الذي قبل شركتهم وقال إن المشكلة قد انتهت(58).
لم يطلب منهم أن يعترفوا بالإيمان الأرثوذكسي، ولا أن يتخلوا عن قراءة كتب أوريجينوس. فقد ظهر حقًا أن المشكلة لم تكن "حول كتابات أوريجينوس"، ولكنها لدوافعٍ شخصيةٍ!
انتهت مشكلة "الإخوة الطوال" وعاد الرهبان مع البابا ثاوفيلس. لكن بعد أن لطخ البابا تاريخه بهذا المجمع الذي دعاه بالاديوس "مجمع المتوحشين(59)"، إذ صار ثاوفيلس أداة لتحقيق رغبات الإمبراطورة الشريرة، تجمع حولها طاقات معادية لروح الحق.




قرارات المجمع

ذكر المؤرخ بالاديوس النص الذي وجهه المجمع إلى إكليروس القسطنطينية والبلاط الإمبراطوري: [إذ اتهم يوحنا بجرائم كثيرة، وقد رفض الحضور، فإن القوانين تأمر بحرمانه، هذا ما فعلناه. لكنه أيضًا أساء إلى جلالة الإمبراطور، لذا نطلب عزله عن كرسيه، ولو تم الأمر قسرًا. أما بخصوص إساءته للإمبراطور فإن عقوبته عنها ليس من شأننا(60).]
أجاب الإمبراطور بالموافقة على عزله واستبعاده، دون أن يشير إلى الإهانة التي وجهت ضده، فكان أركاديوس أقل قسوة من الأساقفة.
عرف البطريرك قرار المجمع، وفي هدوء قال إن الذي لم يغتصب الأسقفية يستطيع أن يعيش حرًا، لا يخاف الاستبعاد. لقد تحدث كثيرًا عن الاضطهاد والضيق، وقد جاء وقت الكرازة بالعمل.
ففي كتابه عن الكهنوت(61) أشار إلى قول السيد: "طوبى لكم إذا اضطهدوكم..." (مت 5:11-12)، معلقًا عليها أن ذلك يتحقق عندما يطرد الأساقفة شريكهم في الأسقفية حسدًا، أو إرضاء للناس، أو حقد لسبب أو لآخر، وكأنه كان يتنبأ عن نفسه الذي تحقق في شخصه هذا كله.
كان عليه كقبطانٍ ماهرٍ أن يطوي شراعه، لأن ساعة هبوب الريح قد جاءت، كما سبق فقال لشعبه(62). ليخرج في هدوء حتى لا يتسبب في حدوث ثورة شعبية في العاصمة!




وداعًا!

لقد عرف القديس يوحنا حب شعبه له، فقد حدثهم مرة قائلًا: [إن رأيتموني في خطر إلا تعطوني -إن أمكن- أجسادكم مبذولة!(63)] لكنه لم يشأ أن يموت واحد بسببه أو يتألم، فمع اعترافه بعدم قانونية المجمع، مطالبًا بعمل مجمع مسكوني يعيد النظر في القضية، وجد نفسه ملتزمًا أن يخرج إلى المنفى. فقد التفَّ الشعب حوله، وحاصر دار الأسقفية محاولًا أن يمنع البوليس الإمبراطوري من القبض عليه، فخرج إليهم الذهبي الفم يتحدث معهم كلمة وداع مملوءة إيمانًا، تهدئ نفوسهم. لقد قال: ["المسيح معي، ممن أخاف! إن أمواج البحر، الرؤساء في غضبهم، هذا كله لا يزيد عن خيوط عنكبوت!(64)] ثم أوصى شعبه بالثبات في الإيمان، مطالبًا إياهم أن يعودوا إليه في اليوم التالي ليصلي معهم.
وقف وسط شعبه يحدثهم بشجاعة نادرة بحديثٍ عذبٍ رائعٍ، يقول: [هوذا الأمواج تشتد، والعاصفة تزداد عنفًا، لكنني لا أخاف الغرق، فإني أقف على صخرة! إن هاج البحر لا يستطيع أن يطويها! لترتفع الأمواج فإنها لا تقدر أن تبتلع سفينة يسوع!
قل لي: ماذا أخاف؟ أأخاف الموت؟ "لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح" (في 1: 21).
أأخاف النفي؟ "للرب الأرض وملؤها" (مز 23: 1).
أمصادرة الأموال؟ "لم ندخل هذا العالم بشيء ولن نخرج منه بشيء" (1 تى 6: 7).
إن ما يبدو في هذا العالم قاسيًا لا يستحق مني سوى الازدراء، إني أهزأ بممتلكاته، لا أخاف الفقر ولا اشتهي الغنى! لا أخاف الموت ولا أرغب الحياة إلا لكي أنمو في القامة الروحية!(65)]
لقد أدرك القديس يوحنا إنها ليست حربًا بينه وبين الإمبراطورة، ولا بينه وبين ثاوفيلس أو سفريان أو أكاسيوس أو غيرهم. لكنها حرب بين الله والشيطان. الله يحفظ كنيسته وقوة الظلمة تعمل على تحطيمها. لهذا يقول لهم تلك العبارات الروحية الرائعة:
[حقًا، ليس أقوى من الكنيسة، من يحاربها يحكم قوته، إذ لا يمكن محاربة السماء!]
[هل أتى بي إنسان إلى هنا، حتى يقدر إنسان أن يحطمني؟]
[إنك (محدثًا الشيطان) لا تستطيع الانتصار على عذراء واحدة، فكيف تفكر في الغلبة على هذا الشعب الكبير؟[
أخيرًا أسلم الراعي نفسه في يديّ الجند من وراء شعبه وخرج مودعًا مذبحه وشعبه.
انطلق الأسقف سفريان إلى الكنيسة، حاسبًا إنها فرصة مناسبة لانتقاد يوحنا، قائلًا: ["إن كان يوحنا قد أدين بدون سبب، فإنه يكفي تعاليه جريمة تبرر استبعاده!(66)]
يمكن للناس أن يغفروا كل الخطايا، لكن "الله يقاوم المستكبرين(67)" كما تعلمنا الكتب المقدسة.
لقد ألهب سفريان غضب الشعب وزاد من ثورته، فقد أخذ الهياج كل مأخذ حتى خشي الإمبراطور من حدوث مذابح في القسطنطينية، فأمر بعودته، خاصة وأن زلزلة حدثت في تلك الليلة أرعبت الإمبراطورة، اعتبرتها كقول بالاديوس(68) علامة غضب الله يحل عليها بسبب ظلمها للراعي الأمين.
أسرعت الإمبراطورة إلى زوجها تطلب سرعة عودة الراعي، وفي نفس الوقت كتبت بيدها رسالة تعتذر له هما حدث، أرسلتها مع أحد خصيانها يدعى Briso ترجوه العودة.
عبر القديس البسفور، لكنه رفض دخول القسطنطينية إلى كرسيه ما لم تثبت براءته بحكم مجمعي يبطل حكم مجمع السنديان، لكن الشعب خرج إليه متهللًا يحملون المشاعل ويترنمون بالمزامير(69)، فالتزم أمام محبتهم، ولأجل سلام المدينة وهدوئها أن يدخل "كنيسة الرسل" يشكر الله ويبارك اسمه القدوس.




مبارك هو الله في كل شيء!

وقف الراعي بين رعيته المملوءين فرحًا، يشكر الله ويسبحه!
ذكر المؤرخ سوزومين(70) أن البطريرك ألقى خطابًا على شعبه، فيه شبه اعتداء الأسقف ثاوفيلس بفرعون مصر الذي اغتصب سارة امرأة إبراهيم، كما مدح الإمبراطور والرؤساء الذين أرسلوا إليه أن يرجع إلى كنيسته، فصفق له الحاضرون حتى اضطر من شدة التصفيق أن يختم حديثه.
توجد عظة للقديس يوحنا(71) تحمل هذا التشبيه الذي تحدث عنه المؤرخ سوزومين، وفيها يمتدح الإمبراطورة مدحًا فائقًا. لكنها لا تحمل أحداث تلك الفترة.
لقد أورد منى Migne العظة التي ألقاها القديس، فيها يقدم لله ذبيحة شكر، معلنًا محبة الله وعنايته في كل الأحداث، في الاستبعاد كما في الرجوع، في الفرح. كما في الضيق، إذ يقول:
[ماذا أقول؟ وبماذا أنطق؟ مبارك هو الله! هذا ما قلته عند رحيلي، وهذا ما أردده الآن أيضًا...

أتذكرون إني تحدثت عن أيوب القائل: ليكن اسم الرب مباركًا إلى الأبد! إني أكرر نفس العبارة: مبارك هو الله! لقد دارت الأحداث، فليتبارك الله! فإن الشتاء والصيف يتلاحقان من أجل أثمار الأرض، أي يعملان بهدفٍ واحدٍ. هكذا فليبارَك الله الذي تركني أرحل، وليبارَك أيضًا لأنه أرجعني! ليتبارك الله الذي سمح بالعاصفة، وليتبارك الرب الذي نزعها وهدأها!(72)]
مبارك هو الرب! فقد شعر يوحنا بيد الله الخفية التي حولت الضيقة إلى بركة لكثيرين، فإنه إذ يتألم الراعي تزداد الرعية حبًا له، حتى الذين كانوا لا يستريحون له أحبوه وجاءوا يسمعون له. قبلًا، كانت الكنيسة وحدها مملوءة شعبًا، أما الآن فقد تحولت الأجور(73) إلى كنيسة.
[إني أتطلع من أول الموضع حتى نهايته كأني أرى رأسًا واحدة (من كثرة الازدحام)! هوذا الكل في صمت يتعبدون! البعض يترنم والآخر يبارك الله!
هوذا اليوم تقام ألعاب السيرك، لكن ليس من يذهب إليها، فقد ركضتهم جميعًا إلى الكنيسة كالسيل. صارت الجموع كفيضان، وأصواتكم ترتفع كالأنهار، تنساب نحو السماء، وهى تلهج بحبكم للأب...
أنظروا حقيقة ما أقول لكم: إن احتمال الألم بشكرٍ نافع! هوذا قد جمعكم الألم بجوار الرسل(74). لقد عدت أنا الذي طُردت لكي أكون بجوار من طُردوا قبلي!
لقد واجهتني مصاعب، وهم أيضًا احتملوا اضطهادات...!]
هنا تظهر حكمة القديس يوحنا، فلا يتحدث عن نفسه كإنسان قبِل الآلام بشكرٍ، فكافأه الله بعودته إلى شعبه بجوار رفات الرسل. لكنه يبرز فضيلة شعبه. لقد تعلقوا به جميعًا، ليس بينهم خائن ولا إنسان غاش، بل الكل قد تجمل بالحب.
[كان جميعهم حملانًا، ليس بينهم ذئب واحد!
كلهم سنابل، ليس بينهم أشواك!
كلهم كرمة، ليس بينهم ثعلب!
لقد هلكت الحيوانات المفترسة وهربت الذئاب...
أنتم رعية، يا لعظمة الحملان! ففي غياب الراعي طردت الذئاب...!
يا لجمال العروس! أو بالحري يا لعفة العروس(75)!
في غياب العريس طرد الزناة(76)!
يا لجمال العروس وعفتها!
لقد كشفت عن جمالها ونقاوتها: كيف طردت الزناة؟
بحبك لعريسك، كيف طردت الزناة؟ لم تحملي سلاحًا، ولا سيفًا، ولا عصًا، لكن بعظم عفتك قد كشفتِ عن جمالكِ فلم يحتملوا ضياءه!
أين هم الآن؟ إنهم في خزي!
أين نحن؟ في فرح! لقد اتحد معنا البلاط الإمبراطوري وأصحاب السلطان أيضًا.
ولكن ماذا نقول: ليكن الله معكم ومع أولادكم، وليجمع الله في شباكه عطفكم!
لنختم هذه العظة! ولنشكر الله الرحوم على كل حال، الذي له المجد إلى الأبد آمين.]




البابا ثاوفيلس يغادر القسطنطينية

لم يكن للبابا ثاوفيلس أن يبقى في القسطنطينية، فغادرها إلى الإسكندرية، حاملًا معه جريمته في حق البطريرك يوحنا الذهبي الفم التي لم يغفرها له المؤرخون. مع أنه قد أعلن في أواخر حياته ندمه على ما فرط منه بخصوص الذهبي الفم، بل كان هذا الأمر هو الذي يشغل فكره في لحظات انتقاله، وقد وجد نص قبطي منقول عن البابا كيرلس الكبير (ابن أخته وخليفته) يتضمن ما قاله البابا ثاوفيلس في لحظات انتقاله إلى الفردوس، الأمر الذي دفع البابا كيرلس أن يعقد مجمعًا يلغي به الحرْم السابق، ويعد الذهبي الفم قديسًا تطلب الكنيسة صلواته أثناء الذبيحة المقدسة(77).
أما عن موقفه - بالنسبة لكتابات أوريجينوس، فقد عاد الآباء الرهبان إلى أديرتهم يتعبدون لله لا يشغلون أنفسهم بمناقشات أو مجادلات، أما هو فقد جاءت الرسالة الفصحية لعام 404م تحمل أيضًا هجومًا ضد "الأوريجانية" وإن كان المؤرخ سقراط يقول(78) إنه وُجد يقرأ في كتب أوريجينوس فسُئل: لماذا تقرأ في أوريجينوس؟ أجاب: [كتب أوريجينوس تشبه مُروجًا تتزين بزهور من كل نوع. إن وجدتُ فيها زهرة جميلة قطفتها، وأما ما تبدو لي مملوءة أشواكًا فإني أعبر عليها كي لا أُضرّ بها!]
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
القديس يوحنا ذهبي الفم ومجمع بالقسطنطينية
القديس يوحنا ذهبي الفم وقرارات مجمع السنديان
القديس يوحنا ذهبي الفم ومجمع السنديان والإخوة الطوال
القديس يوحنا ذهبي الفم وجلسات مجمع السنديان
قرارات مجمع السنديان ونفى القديس يوحنا ذهبى الفم


الساعة الآن 07:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024