منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 21 - 09 - 2021, 06:16 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,202

القديس يوحنا ذهبي الفم شموسيته وقسوسيته




شموسيته وقسوسيته



شموسيَّته

حوالي عام 381 م. عاد يوحنا إلى إنطاكية، فتلقفه أسقفها ميليتوس بفرح عظيم، ورسمه شماسًا رغم معارضته، فقام بعمل الشموسيَّة من توزيع الصدقات على المعوزين، وافتقاد المرضى والحزانى، والمحافظة على نظام الكنيسة وهدوئها، ومعاونة الأسقف في خدمة الأسرار الإلهية، وحمل التناول المقدس إلى المرضى.
يصف لناBaur (1) كيف اتسعت خدمة القديس يوحنا حين سُيم شماسًا، وصارت عليه التزامات ليتورجية وإدارية مع أعمال رحمة كثيرة. فمن جهة التزاماته الليتورجية، كان ملتزمًا بخدمة المذبح ليساعد بطريرك أنطاكية، وفى غياب الأخير يساعد الكاهن الخديم. كما يدبر موضوع التقدمات للفقراء.
هذا ويقدم الشماس صلاة تُدعى: إيكيتيني العظمىGreat Eketine ، أي الصلاة في توسل عن الأسقف وأعضاء الكنيسة الأحياء والأموات، وعن الموعوظين وعلى وجه الخصوص من أجل البشرية(2).
هكذا فإن على الشماس الأول هو صرخة قلبه مع الكاهن وكل الشعب، وحث الشعب على الصلاة من اجل الجميع: الكهنة والشعب وكل البشرية!
يقول الذهبي الفم:
[نحن نصلي من أجل الأسقف، (رجال الكهنوت والشعب)، لكي ما يعلن كلمة الحق بنقاوة، ومن أجل الحاضرين، كما من أجل الإخوة في العالم كله(3).]
[نحن نصلى من أجل الأموات، ومن أجل الذين يقدمون عنهم الذبيحة المقدسة(4).]
[إننا نصلي من أجل الموعوظين، لكي يسمع الله الكلى الرحمة والحنو صلواتهم، ويفتح أذان قلوبهم، ويعلمهم كلمة الحق، ويزرع مخافته في نفوسهم، ويقيم الإيمان في قلوبهم ويعلن لهم إنجيل البر، ويمنحهم عقلًا إلهيًا، وقلبًا نقيًا، وحياة فاضلة. فيفكرون دائمًا فيما هو له، ويهتمون بما له، ويوجهون كل ما لهم إلى ما يخصه، ويسيرون في نواميسه نهارًا وليلًا.
لنصلي بغيرة أن يحفظهم الله من كل الأعمال الدنيئة والشريرة، وكل خطية شيطانية، وكل شباك العدو الشرير. ويهبهم في يوم ميلادهم الجديد، غفران خطاياهم، وثياب الخلود. ويبارك دخولهم وخروجهم، وكل حياتهم. وأيضا يبارك بيوتهم ومساكنهم، ويكثر من نسلهم ويباركهم، ويقودهم إلى حياة الرجولة (النضوج) الكاملة. ويجعلهم حكماء، ويحول كال أعمالهم وسلوكهم لبنيانهم.(5)]
كان الشمامسة أيضًا يشتركون في تدريب الموعوظين(6).
كان الشماس أيضًا ملتزمًا بحفظ الهدوء والنظام في الكنيسة، وحرصه على إيجاد أماكن للشيوخ والفقراء ليجلسوا. وهم الذين يديرون ممتلكات الكنيسة، والاهتمام بالفقراء والمرضى والأرامل وصيانة الكنائس والمدافن(7).
كان يوحنا يقتنص كل فرصة للدراسة والكتابة، فإن كان ليس من حقه كشماس أن يعظ انشغل بالكتابة في نوعين: كتب دفاعية وأخرى لها مسحة نسكية. من واجب الشماس العمل التعليم، فإنه إذ لم يكن يسمح في ذلك الحين في أنطاكية والقسطنطينية للشماس أن يعظ، لكن الذهبي الفم قدم لنا وهو شماس بعض الأعمال الكتابية. يقول سقراط Socrates أن الذهبي الفم كتب وهو شماس: رسائل إلى ستاجيروسStagyrius ، عمله عن الكهنوت، مقالة عن Syneisaktai ، ومقاله عن عدم إمكانية إدراك الله incomprehensiblity .
مقالان دفاعيان

1. كتب مقاله عن "القديس بابيلاس وضد يوليانوس"On St. Babylas and Against Julian and the Gentiles - De S. Babylas & contra Julianum et Gentiles"، موجهًا للأمم:
في هذا المقال يمتدح الذهبي الفم القديس الشهيد بابيلاس أسقف إنطاكية الذي نقل جسده إلى دافينية Daphné بجوار إنطاكية. لقد حاول يوليانوس إقامة الوثنية بتقديم ذبائح للإله أبولون الذي رفض الكلام، آمرًا نقل رفات بابيلاس من جواره، ففشلت محاولاته وانتهى الأمر بحرق المعبد.
لقد قارن بين الوثنية المنهارة بغير اضطهاد، والمسيحية الممجدة وسط الضيق والآلام. كما وجه الحديث نحو التوبة، معلنًا قوتها وأنها أفضل من المعجزات.
2. المقال الثاني(8) "ضد اليهود والأمم مبرهنًا على لاهوت المسيحContr Judaeos et Géntiles quod Christian sit deus، كتبه في أواخر دياكونيَّته، ويشك البعض في أصالة نسبته لذهبي الفم. لجأ إلى البرهنة على لاهوت المسيح من نبوات العهد القديم وأقوال السيد المسيح ومعجزاته. لقد أوضح أن الصليب الذي كان علامة الموت المرعب قد صار بركة، يخلع الملوك أكاليلهم لكي يلبسوا الصليب، يوضع الصليب على ثيابهم الرسمية وعلى تيجانهم. يوجد حيث تقام صلواتهم، وعلى المائدة المقدسة، يشرق الصليب أكثر بهاءً من الشمس!
مقالات عن الحياة المسيحية بمسحة نسكية

بدأ يكتب أثناء دياكونيته عن الحياة المسيحية في اتجاه نسكي:

1. عن البتولية(9) جاء مقاله في جزئين: الجزء الأول يهاجم الهراطقة الذين يحتقرون الزواج، والجزء الثاني المفهوم المسيحي للبتولية، لا يمارسها غير "القادرين على الخوض في معاركها" من أجل الملكوت.
في مقارنته بين الزواج والبتولية ربما بالغ الذهبي الفم مفرطًا في وصف العراقيل التي تشغل الإنسان، كما تحدث عن الزواج أنه لم يوجد إلا بعد سقوط آدم وحواء كعاقبة من عواقبه. وهذه نظرية غير مقبولة.

2. عن الندامة(10) De Compunctione في كتابين، أحدهما موجه إلى الراهب ديمتريوس والثاني إلى الراهب ستلخيوس Stelechius، حيث يظهر الذهبي الفم طبيعة التوبة وأصالتها.
جاء فيه: [مرض (عدم الندامة) أصابنا جميعًا، ليس من هو ذو إيمان كامل السلامة. فإن إصابة البعض أثقل، والبعض أخف، لكن جميعهم مصابون!
إن جاءنا غريب وعرف وصايا المسيح، ولمس اختلال حياتنا، أما يظن أنه ليس للمسيح أعداء ألد منا، فإن الطريق التي نسلكها تجعله يسأل نفسه: أنريد أن نكون على عكس طريق وصاياه؟]

3. مقال "إلى أرملة شابة(11)" يعزيها في زوجها ترازيوس، ويبعث فيها روح الخدمة، إذ يليق بها أن تتطلع إلى عريسها السماوي يسوع، تخدمه!

4. الزواج الوحيد(12) دون استهجان للزواج المكرر -يعتبره أقل مقامًا من حالة الترمل- إذ هو دليل على الفهم في ملذات الجسد، وفيه عدم أمانة للزوج الأول كما للثاني، مع دخول الأرملة في مشاكل كثيرة إن كان لها أولاد من الزوج الأول.

5. المجد الباطل وتربية الأطفال(13) liberis De inani gloria et de educandis. فيعالج الرذيلة الأولى في حياة شعب إنطاكية وهي المجد الباطل الذي يدفع بهم إلى الفجور والتنعم، بينما العمل المسيحي هو الاهتمام بتربية الأولاد. فالانتقال من الحديث عن المجد الباطل إلى تربية الأطفال -في رأي القديس يوحنا- انتقال طبيعي مادام الفساد هو جذور كل نقص في تربية الجيل الجديد.
هذا الكتاب له أهميته كوثيقة تاريخية هامة عن التربية المسيحية في ذلك الحين.

6. عن الكهنوت(14) Desacerdotio في ست كتب يأتي الحديث عنه فيما بعد إن شاء الرب وعشنا بشيء من التفصيل مع بقية كتابات القديس.
قسوسيته

دُعي الأسقف مليتيوس لحضور المجمع المسكوني بالقسطنطينية، فاصطحب معه الكاهن فلافيان Flavian، ووكل شئون الكنيسة بإنطاكية في يديّ شماسه القديس يوحنا، وفي أثناء انعقاد المجمع تنيح الأسقف مليتيوس فبكاه يوحنا بكونه أباه ومرشده.
أجمع آباء إنطاكية على رسامة فلافيان (فلابيانوس) خلفًا له، وهذا بدوره قام برسامة يوحنا كاهنًا.
يرىBaur أن القديس يوحنا سُيم كاهنًا في 26 فبراير سنة 386، حيث قال في أحدى عظاته على التماثيل، في منتصف مارس 378: [الآن هي السنة الثانية التي فيها أعظ لكم(15).] وقد سيم أسقفًا بعد 12 سنة من سيامته كاهنًا(16) سيم على يدي الأسقف فلافيان Flavian وليس أوغريس Evagruis كما ادعى سقراط(17)
في كنيسة القديس بولس عام 386م، بعد خمسة أعوام في الخدمة الدياكونيَّة المملوءة ثمارًا، أحنى القديس ركبتيه أمام المذبح لكي توضع اليد عليه، يحمل موهبة الكهنوت، ثم يقوم ليقبله الأسقف وإخوته الشمامسة قبلة السلام!
كان يومًا حافلًا اكتظت فيه الكنيسة بالمصلين، الكل تزاحم ليرى الكاهن الجديد الناسك المتعبد! لقد توقف بينهم لأول مرة يعظهم كأب يتحدث مع أولاده، فيطلب صلواتهم عنه، مقدمًا الشكر لله من أجل صنيعه معه، مادحًا الأسقف فلافيان، مذكرًا الحاضرين بالأسقف مليتيوس في غير إسهاب، خاتمًا حديثه بإعلانه عن الحاجة إلى صلواتهم حتى يبدأ خدمته الجديدة كما يليق في الرب.
يليق بنا أن نقف قليلًا لتفهم "الوعظ" في عينيّ الكنيسة الأولى، أنه ليس وظيفة يمتهنها من درس البلاغة، ولا من حفظ نصوصًا من الكتاب المقدس أو تعلم شرحه، لكنه تربية، تنبع عن روح الأبوة التي يتسلمها الراعي في سرّ الكهنوت، فيمارسها الأسقف كأب يتحدث مع أولاده، ليس فقط الذين قبلوا الإيمان، بل يتحدث مع الجميع.
عند الضرورة كان الكاهن يعظ، فالشماس يوحنا مع شهادة الكثيرين عن بلاغته وفصاحته وجاذبية شخصيته وقوة كتاباته، لم يعتل المنبر ليعظ إلا عند تقبله روح الأبوة برسامته كاهنًا.
سجل لنا القديس نظرته للكهنوت بقوله:

[عظمة الكهنوت وكرامته يرتفعان فوق كل ما هو أرضي وبشري. إنه خدمة الملائكة، ولذلك وجب على الكهنة أن يكونوا أطهارًا كالملائكة. الكهنوت في التدبير القديم كان نبيلا ً ومهيبًا، لكنه يُحسب تافهًا بلا معنى إن قورن بتدبير العهد الجديد. هنا الرب الإله نفسه يًقدم ذبيحة! يا لعجب محبة الله. ذاك الذي هو متوًج مع الآب في السماء، يسمح لنفسه في الذبيحة المقدسة أن تلمسه أيدي الجميع، وتراه أعينهم. عندما قدم إيليا ذبيحة، نزلت نار من السماء، أما هنا فعند صلاة الكاهن، الروح القدس نفسه ينزل ليشعل النفوس بالذبيحة(18).]
[يتسلم (الكهنة) سلطانًا لا يقتنيه الملائكة ولا رؤساء الملائكة. لديهم السلطان أن يربطوا ويحلوا، أن يحلوا الخطايا أو يربطوها. أي سلطان أرضي هو كهذا؟ الرب يطيع خادمه، والقرار الذي يأخذه الأخير على الأرض يثبته الأول في السماء(19).]
[أية طهارة تليق بذاك الذي يستدعي حلول الروح القدس على الذبيحة المقدسة، بينما تحوط الملائكة بالمذبح(20).]
يحذر القديس يوحنا الكهنة من إساءة استخدام كرامة الكهنوت:
[لا تسئ استخدام الكرامة الكهنوتية، ولا تصر متعاليًا ومتشامخًا، بل احسب نفسك صغيرًا ووضيعًا(21).]
كثيرًا ما أشار الذهبي الفم أن الله يسمح للكهنة والأساقفة أن يخضعوا لأهواء الحياة والضعف، حتى يتعلموا من ضعفاتهم أن يترفقوا بالخطاة، ويغفروا للآخرين. هذا ما حدث مع القديس بطرس في العهد الجديد وإيليا النبي في العهد القديم(22).
لكنه لا يقدم عذرًا لأخطاء الكهنة: ["إن أخطأ كاهن فخطأه أعظم من غيره، وعقوبته تكون أشد(23).]



أنطاكية في أيامه

رسم لنا القديس يوحنا في عظاته صورة واضحة عن حال إنطاكية وما اتسم به شعبها، فقد قدر عدد سكانها بمائتيّ ألف نسمة، نصفهم من المسيحيين، وقلة من اليهود الذين يحاولون خداع المسيحيين، وجذبهم للشعائر اليهودية، أما الوثنيون فمع ضخامة عددهم، لكنهم فقدوا قوتهم وجبروتهم. أما المسيحيون فقد كان الكثيرون منهم يترددون على المسارح والملاهي والأندية في هذه المدينة التي كانت مضرب الأمثال في ملاهيها وملذاتها، يقصدها الشعراء والقواد والملوك للإعجاب والتغزُّل في جمال معالمها.
هذا بجانب الانقسام الذي عاشت فيه كنيسة إنطاكية قرابة خمسة وثمانين عامًا (330-415 م.)، تنقسم إلى ثلاث جماعات، كل يسندها عدد من الأساقفة المتحمسين لها:
أ. جماعة الأرثوذكس المعتدلين تحت رئاسة الأسقف مليتيوس، يتمسكون بقانون الإيمان النيقوي.
ب. جماعة الأريوسيين برئاسة أودكسيوس، الذين سندهم الإمبراطور فالنز، وهم ينكرون لاهوت المسيح.
ج. جماعة الأستاسيون Eustathians، تحت قيادة الكاهن يولينوس Paulinus، وهم ليسوا أريوسيين. لكن لهم اتجاهات أريوسية، وقد استطاعوا أن يقيموا شركة مع روما (داماسيوس Damasus) ومع الإسكندرية (أثناسيوس).
للأسف اتهمت روما الأسقف مليتيوس بالهرطقة، وأيضًا الإسكندرية واستبعد عن كرسيه أكثر من مرة وأعيد إليه، لكن لما رُسم الذهبي الفم أسقفًا على القسطنطينية كان فلافيان هو خليفة مليتيوس، فقام بالعمل على إعادة الشركة بينه وبين روما والإسكندرية. كما استطاع الكسندر خليفة فلافيان أن يعيد الأستاسيين إلى الكنيسة الأرثوذكسية عام 415م، فعادت الوحدة إلى كنيسة إنطاكية.
هكذا كانت صورة إنطاكية عند رسامة يوحنا كاهنًا، آلام من الخارج (يهود ووثنيين) وضيق من الداخل (انقسامات وانحلال)، لكن القديس قد تدرب على عدم اليأس، إذ يقول عن نفسه إنه لا يكف عن أن يعظ مرة ومرتين وعشرة ومائة من أجل خلاص نفس واحدة، مشبهًا نفسه بحامل الفأس الذي لا ييأس من ضرب الشجرة مرة ومرات حتى يقطعها!
ظل القديس قرابة اثني عشرة عامًا، فكانت له قدرة فائقة على جذب الوثنيين والهراطقة للإيمان، كما جذب كثير من المسيحيين إلى الحياة المسيحية الحقيقية.
توافدت عليه الجموع، وكانوا يظهرون استحسانهم بتصفيقٍ حادٍ غير منقطع، الأمر الذي أزعج نفسه جدًا. فقد ذكر أنه أثناء وعظه اِشتد حماس المصفقين وفي ضعفه البشري تأثر بذلك، لكنه إذ عاد إلى بيته أدرك عدم استفادة المصفقين، بل أفسد تصفيقهم البركات التي نالوها، فوضع في قلبه أن يوقف هذه العادة(24). لقد عاد يقول لهم: "أن تصفيقكم يؤلمني، فأتوجه إلى بيتي بقلب حزين كئيب، تقودني أفكاري إلى البكاء والنحيب. أقول لنفسي: "ربما بفخرِك يا نفسي تتسببين في ضياع بعض النفوس، وتكونين قد أضعت أوقاتك عبثًا.]
افتتح القديس عظاته في الأسبوع الأول من الصوم الكبير بشرح سفر التكوين، وإذ اجتذب بعظاته بعض الهراطقة بدأ يظهر التساؤل عن طبيعة الله، إذ كان البعض يؤمن بأن الإنسان قادر على فهم جوهر الله بعقله، فاضطر بعد إلقاء ثمان عظات على سفر التكوين أن يلقي تسع مقالات عن "استحالة إدراك طبيعة الله" على مدار سنة كاملة، خلالها ألقى ثلاث عظات ضد اليهود، وميامر عن عيدي الميلاد والغطاس.



عظات التماثيل

لعله بدأ انطلاق شهرة الذهبي الفم بمجموعة من العظات التي ألقاها في إنطاكية، سميت "عظات التماثيل"، لها قصة في حياة كنيسة إنطاكية.
ففي عام 387 م. شرعت الحكومة المركزية أن تتهيأ للاحتفال بمرور عشرة سنوات على حكم الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير وخمس سنوات على اشتراك ابنه الشاب أركاديوس معه في السلطة. ولما كانت مثل هذه الاحتفالات تحتاج إلى بعض المال، صدر أمر إمبراطوري بفرض ضريبة جديدة إضافية، الأمر الذي استاءت منه كل المملكة، لكن لم يستطع أحد أن يعترض. أما في إنطاكية فقد حدث أثناء قراءة القرار في الميدان، أن عبَّر بعض الحاضرين عن شعورهم بالاستياء، لكن الوالي أبى أن يصدر أمره للجنود بالهجوم على شعب أعزل. وقد انتهز بعض دعاة الفتنة هذه الفرصة، فأخذوا يصرخون مطالبين الأسقف فلافيان بالتدخل لوقف القرار، وغالبًا كان هؤلاء من أتباع بولينوس أي من جماعة الإستاسيين، يريدون إثارة خلاف بين الإمبراطور والحكام مع الأسقف!
وسط جموع شعبية تضم من كل صنف سرعان ما سرت هذه الصرخات لتثمر بينهم هياجًا فثورة. في لمح البصر، دون أي تفكير وبغير أي ضابطٍ، انطلق البعض يحطم تماثيل الإمبراطور والإمبراطورة وابنهما، ورموها في الأوحال والقاذورات.
كل هذا تم في لحظات مملوءة ثورة حماسية، تبعها هدوء حيث أفاقوا من سكرتهم، وأحسوا ببشاعة جريمتهم، وباتوا خائفين يتوقعون مصيرهم ومصير مدينتهم من عقابٍ شديدٍ. فقد ارتبكت المدينة بأسرها، كبيرها مع صغيرها، ولم يعرف أحد ماذا يكون العمل.
وجد الأب الأسقف فلافيان نفسه ملتزمًا أن يتدخل لدى الإمبراطور، يهدئ من غضبه تجاه المدينة، أما عظماء الوثنيين ووجهائهم، فقد خافوا على أنفسهم، ولم يجسروا أن يفعلوا شيئًا، الأمر الذي أساء إلى نفوس الوثنيين.



حديث الذهبي الفم مع البطريرك

أسرع الأب البطريرك إلى القسطنطينية، لكن الخبر كان أسبق منه، بلغ إلى الإمبراطور فأرسل قائدين من عنده هما الليبكوس Allebichus وقيصاريوس، اللذين وصلا إنطاكية، وأعلنا سقوط امتيازات المدينة، ونقل العاصمة إلى اللاذقية، كما أغلقا الأندية والمسارح، وألقيا القبض على بعض وجهاء المدينة الذين حامت الشبهات حولهم، فصودرت ممتلكاتهم، وطردت نساؤهم من بيوتهن. كما أعلن القائدان إصدار الأمر بحرق المدينة وقتل كل شعبها لولا تدخل بعض النساك والرهبان، ومن بينهم الناسك مقدونيوس. فقد نزلوا من الجبال والأديرة والتقوا بالقائدين، وطلبوا منهما الانتظار حتى يمكن تقديم شفاعة لدى الإمبراطور.
في ذلك الوقت بينما كان الأب البطريرك (الأسقف) في طريقه إلى القسطنطينية رغم كبر سنه وإرهاقه بالصوم إذ كان الوقت الأربعين المقدسة وكان الرهبان والنساك يتضرعون لدى القائدين بإنطاكية، كان الناس مذعورين، يسمعون من يومٍ إلى يومٍ إشاعات متعارضة، تارة يتوقعون العفو وأخرى يهددهم الموت. فهرعوا إلى الكنيسة ليقتنصهم الكاهن يوحنا بعظاته، فينثر من درر قلبه وفمه أحاديث فياضة تنعش قلوبهم المنكسرة وتشدد عزائمهم الواهية، تدفعهم إلى التوبة والرجوع إلى الله، ليس خوفًا من موت الجسد أو خسارة ممتلكات أرضية، وإنما شوقًا إلى نور الأبدية خلال مراحم الله غير المتناهية.
لقد ألقى الأب في بداية خدمته الوعظية هذه السلسلة من العظات الخالدة (21 عظة) التي وجهت أنظار إنطاكية بل وخارج إنطاكية إليه. فقد استطاع أن يبعث من الظروف العصيبة فرصة للكرازة والتبشير، وعوض الخوف الذي ملأ قلوب الأنطاكيين اهتدى كثير من الوثنيين إلى المسيحية، وتذوق كثير من المسيحيين محبة الله وسلامه بالتوبة الصادقة، فتحولت الكارثة إلى بركة لكثيرين(25).
في ذلك الوقت كان البطريرك أو أسقف إنطاكية قد بلغ القسطنطينية فأسرع إلى البلاط الملكي رغم شدة تعبه، والتقى الإمبراطور ليقول له:
[إني لست رسولًا لشعب إنطاكية، بل أيضًا سفير الله. جئت إليك باسمه أنبئك: إن غفرت للناس سيئاتهم وهفواتهم، يغفر لك أبوك السماوي سيئاتك وزلاتك...
أذكر ذلك اليوم الرهيب، حين نلتزم جميعًا بتقديم حساب عن أعمالنا...
يمْثُل كل السفراء بين يديك ببهاء الذهب وكثرة الهدايا ووفرة المال، أما أنا فلا أقدم لك غير شريعة يسوع المسيح المقدسة، والمثال الذي أعطانا إياه على الصليب لكي نستحق غفران خطايانا...]
امتلأ قلب الإمبراطور من مخافة الله عند سماعه هذا الخطاب فقال: "إن كان ربنا وسيدنا يسوع المسيح قد صار لأجلنا عبدًا، وأسلم ذاته للصليب، وإن كان قد سأل أباه المغفرة لصالبيه، فكيف أتجاسر مترددًا في المغفرة لأعدائي؟"
بهذا عاد الأب البطريرك يحمل بشائر العفو، فخرجت الجماهير تستقبله بفرحٍ وتهليلٍ. واحتفل مع شعبه بعيد الفصح المجيد. بدأ الأب يوحنا يردد آيات الشكر والتسبيح، لأن شعب إنطاكية كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد26)، مسجلًا لنا ذلك في عظته الحادية والعشرين حيث لا ينسى أن يبرز الأسقف فلافيان كبطلٍ مسيحيٍ احتمل المشقات والأتعاب من أجل راحة أولاده. لكن الحقيقة أن الأحداث نُسبت ليوحنا وبقي أمر واحد شد أنظار الشعب بل والعالم المسيحي في ذلك الوقت، هو شخصية الكاهن يوحنا التي أُعجب بها المسيحيون والوثنيون خلال عظاته التي سميت "عظات التماثيل".



رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
نفي القديس يوحنا ذهبي الفم
القديس يوحنا ذهبى الفم
القديس يوحنا ذهبى الفم
القديس يوحنا ذهبي الفم
كتب القديس يوحنا ذهبى الفم


الساعة الآن 02:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024