كنت ميتاً (رؤ1: 18)
أشار السيد المسيح كثيراً إلى موته، حتى بعد قيامته من الأموات، وأيضاً بعد صعوده إلى السماوات.. وهذا هو منتهى الاتضاع إذ لم يستحِ من موت الصليب.
فبعد القيامة قالت عنه الملائكة للمريمات: “أنتن تطلبن يسوع الناصرى المصلوب. قد قام ليس هو ههنا” (مر16: 6)، “أنكما تطلبان يسوع المصلوب” (مت28: 5). وفى لقب “المصلوب” إشارة واضحة إلى موته.
هكذا أيضاً قال السيد المسيح للتلاميذ من بعد قيامته: “هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات فى اليوم الثالث” (لو24: 46).
وفى السماء من بعد الصعود، رآه القديس يوحنا الإنجيلى، وقال عنه: “من يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات” (رؤ1: 5)، “أنا هو.. الحى وكنت ميتاً” (رؤ1: 17، 18)، “هذا يقوله الأول والآخر الذى كان ميتاً فعاش” (رؤ2: 8).
إلى جوار ذلك احتفظ فى جسد القيامة الممجد بآثار جراح المسامير والحربة فى جنبه. وأيضاً رآه القديس يوحنا فى السماء فى وسط العرش فى شكل “خروف قائم كأنه مذبوح” (رؤ5: 6)، وسمع طغمات الملائكة يصرخون مسبحين: “مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة” (رؤ5: 12).
وبهذا نرى أنه حتى فى السماء، بعد الصعود لا تزال ذكرى موت السيد المسيح هى موضوع شكر الملائكة عنا وتسبيحهم “وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة” (رؤ5: 9).
لم يرغب السيد المسيح -بسبب تواضعه- أن يمحو ذكريات الموت البشع على الصليب، بعد أن قام أو بعد أن صعد. بل صار يحلو له -بسبب محبته لنا- أن يتردد الحديث عنها مُظهراً جراحات محبته على الدوام لخيرنا وخلاصنا.
بل أكثر من ذلك، ترك لنا ذكرى موته المحيى فى سر الإفخارستيا، وأوصى تلاميذه قائلاً: “اصنعوا هذا لذكرى” (لو22: 19)، لنتذكر محبته على الدوام.