رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جَدعَون Gideon الله يخلص بالقليل بكر جدعون ومعه الشعب إلى عين حرود بينما كان جيش المديانيين الذي قُدّرَ ﺒ135 ألفًا من رجال الحرب عند تل مورة في الوادي. "حرود" كلمة عبرية تعني (ارتعاد)، يبدو أنه دُعي هكذا بسبب ما حلّ بجيش المديانيين من رعدة واضطراب في هذه المعركة [19-22]. يُقال أنها "عين جلود" أو "عين جالوت" حُرفت من "حرود" خلال خطأ في السمع والنطق؛ تقع شمالي غرب جبل جلبوع أو جبل جلعاد، نحو ميل شرق جنوبي يزرعيل وبالقرب من بيسان. أما تل مورة فيبعد حوالي أربعة أميال من العين، ويسمى جبل الدوحى ارتفاعه 1815 قدمًا عن سطح البحر، وهو بين جبل تابور (الطور) شمالًا وجلبوع (جبل فرقوع أو فقوعة) جنوبًا. أما كلمة "مورة" فكنعانية تعني (معلم). كانت المعركة في الوادي حيث جاء جدعون من عين حرود والكنعانيون من تل مورة، ولعل مجيء جدعون إلى هذه العين لم يكن بلا معنى، فسرّ النصرة هي الإمكانيات الإلهية التي يتمتع بها المؤمن خلال ينبوع المعمودية التي دعيت بحرود (إرتعاد) لأنها تمثل رعبًا لإبليس. وقد جاءت جميع ليتورچيات الكنيسة الأولى تحمل خطين أساسيين هما جحد الشيطان بكل طاقاته والتمتع بإمكانيات الثالوث القدوس. يقول العلامة ترتليان: [في الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه وملائكته(85)]. ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [بعد ذلك تُمسحون على صدوركم لكي تلبسوا درع العدل وتثبتو ضد حيل الشيطان. وكما أن المسيح بعد المعمودية وحلول الروح القدس خرج وحارب المعاند، هكذا أنتم أيضًا بعد المعمودية المقدسة والمسحة السرية تثبتون ضد القوة المضادة، لابسين سلاح الروح القدس الكامل، وتحاربون قائلين مع الرسول: "إني أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13)(86)]. كان عدد الشعب الذي خرج مع جدعون حوالي 32 ألفًا، وقد اسكتثره الرب جدًا، قائلًا: "لئلا يفتخر عليّ إسرائيل قائلًا يدي خلصتني" [2]. مع أنه عدد قليل جدًا بالنسبة لجيش المديانيين، لكن الله أراد تأكيد النصرة لا بكثرة العدد وإنما بعمله الإلهي في القلوب النقية. وكما يقول القديس غريغوريوس النيسي: [الله لا يُسر بالعدد(87)]. أول عمل قام به هو المناداة في آذان الشعب: "من كان خائفًا ومرتعدًا فليرجع وينصرف من جبل جلعاد" [3]، وبالفعل رجع اثنان وعشرون ألفًا وبقى عشرة آلاف. للأسف كان الخائفون أكثر من ثلثي الجيش، هؤلاء يمثلون عددًا ليس بلا نفع فحسب وإنما بخوفهم ورعدتهم يفسدون القلة الشجاعة. وكما جاء في سفر التثنية: "من هو الرجل الخائف والضعيف القلب ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا تذوب قلوب إخوته مثل قلبه" (تث 20: 8). لم يكتفِ الرب بهذه التصفية، إذ يقول: "لم يزل الشعب كثيرًا" [4]، طالبًا منه أن ينزل بهم إلى الماء، ليفرز من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب عن الذين يجثون على ركبهم للشرب، فكان عدد الذين ولغوا بيدهم إلى فمهم فهم ثلاثمائة رجل، هؤلاء هم الذين استخدمهم في الحرب، أما بقية الشعب فرجع كل واحد إلى مكانه. يرى البعض في الذين أخذوا الماء في أيديهم ولغوا بفمهم أكثر ضبطًا لأنفسهم من الذين شربوا من العين مباشرة وكأن الله انتقى ضابطي أنفسهم للعمل بهم. وكأن الله يعمل بالقلة القليلة جدًا ليحارب بهم من كانوا كالجراد في الكثرة وجمالهم لا عدد لها كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة [12]. ويرى القديس أغسطينوس(88) أن رقم 300 يشير إلى الصليب، لأن حرف "T" الذي يحمل شكل الصليب يشير إلى رقم 300 في اليونانية. ويقدم لنا القديس أمبروسيوس ذات التفسير إذ يقول: [اختار جدعون 300 رجلًا للمعركة لكي يظهر أن العالم كان يجب أن يتحرر من هجمات العدو الخطيرة بسر الصليب، لا خلال الجماهير الغفيرة، فإن حرف "T" في اليونانية يستخدم لرقم 300 ويحمل شكل الصليب(89)]. ينطلق حاملوا الصليب (الثلاثمائة) للجهاد الروحي تحت قيادة جدعون الحقيقي، أما الجمهور الغفير فيرجع كل واحد إلى مكانه أو إلى "الأنا"، إذ لا يصلح للعمل الروحي. بمعنى آخر من لا يحمل سرّ الصليب في حياته إنما يتقوقع حول الذات، ليعمل لا لحساب الله بل لحساب ذاته. حمل هؤلاء الرجال في أيديهم زادًا مع أبواقهم، وجاء في الترجمة السبعينية أنهم أخذوا الزاد والأبواق من الشعب، أي من الباقين الراجعين إلى خيامهم... ولعل هذا الزاد يُشير إلى الإيمان، والأبواق تُشير إلى كلمة الله، فإننا لا نستطيع أن ننزل إلى المعركة الروحية ضد إبليس وكل أعماله إلاّ بالإيمان والتمسك بكلمة الله، وكما يقول المرتل: "أتكلم بشهادتك قدام ملوك ولا أخزى... لك أنا فخلصني لأني طلبت وصاياك" (مز 119: 46، 94). |
|