بركات مَنسية!
«مَرَاحِمَهُ لاَ تزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبـاحٍ»
( مراثي 3: 22 ، 23)
احتُجِزَ أحد المُرسَلين في بلد من البلدان طيلة ستة عشـر شهرًا. وفي أول مُقابلة صحفيَّة له بعد إطلاق سراحه، سُئِلَ عن كيفيَّة قضائه الوقت، ومواجهة الضجر والسأم، والخوف من انتظار ما قد يحدث له، فأذهل جوابُه المُراسلين، إذ قال في بساطة: ”كنت أعدُّ بركات الله عليَّ“.
فسأله أحدهم: ”أيَّة بركات؟!“ أجاب موضحًا: ”كان يُسمَح لي بالاستحمام بعض الأيام. وفي بعض الأحيان كان طعامي يتضمَّن بعض أنواع الخُضروات التي أُحبها. وكان في وِسعي دائمًا أن أشكر الله على محبة أُسرتي لي، ومن أجل الصلوات المرفوعة من أجلـي، وتوقعي استجابتها. وقبل كل هذا، وبعد كل هذا، كنت أفكر في كل البركات الروحية التي أتمتع بها نتيجة محبة المسيح، وموته الكفاري من أجلي على الصليب“.
وكان جلد وجهه الذي يلمع، والبريق الذي يشع من عينيه، والابتسامة الهادئة المطمئنة المُرتسمة على وجهه، تؤكد صِدق ما قاله. وبمقدورنا أن نفهم سبب ذهول المُراسلين. فمن الصعب على معظمنا أن نشكر الله دائمًا على البركات المألوفة التي تجعل الحياة هانئة ومُريحة، مثل إعالتنا يوميًا بتلبية حاجاتنا المُعتادة، وتدبير المأكل والمسكن، ورفقة الأصدقاء والعائلات. حتى إننا قد ننسى أحيانًا مراحـم الرب المُدهشة المُقترنة بنعمته الفادية. فمع أن ”بولس وسِيلاَ“ ضُربا وأُلقيا في السجن، وثُبِّتت أرجلُهما في المِقْطَرَةِ، ظلا «يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ» ( أعمال 16: 25 ). فليتنا نتعلّم منهما، ومن ذلك المُرسَل التقيّ، أن نعدَّ بركات الله علينا بغضِّ النظر عن ظروفنا. فحقًا إن لدينا أسبابًا عديدة للفرح والابتهاج! ومن المؤكد أن تسبيح الله يأتي تلقائيًا عندما نعدُّ بركات الله علينا.
فعوضًا عن التركيز على تجارب الحياة، ينبغي أن نصبَّ اهتمامنا على بركات الرب. ولنَقُل مع صاحب المزمور: «بَارِكِي يَا نَفْسـِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» ( مز 103: 2 ). وما أحسن أن يكون لسان حالنا ما قاله ناظمُ المراثي: «أُرَدِّدُ هَذَا فِي قَلْبِي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْجُو: إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ» ( مرا 3: 21 -23)! .