رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في بناء الخادم دعوتان وبناءان : في الكنيسة دعوتان ، دعوة للرهبنة ودعوة للكهنوت والخدمة . والدعوتان بالرغم من أنهما شهادة واحدة للمسيح وتطبيق مباشر لوصايا الرب ، إلا أن لكل منهما منهجاً معيَّناً في الحياة والسلوك والصلاة وبقية الواجبات . فالمدعو للرهبنة عليه أن يبني قلبه وفكره وكل حياته على سيرة الآباء القديسين ، واضعاً أمام عينيه باستمرار وصيتهم الأولى والعظمى أن يبتعد عن العالم والرئاسات ، وأن لا تستهويه الخدمة بين الناس مهما كانت الإلحاحات ، وهكذا عليه أن يتمسك بتعاليمهم تمسكاً لا هوادة فيه ، وإلا فسوف يجد نفسه في النهاية راهباً بلا رهبنة يعيش تحت اسمها ولا يحمل نيرها ، يتكلم باسمها وهو غريب عن دعوتها . والمدعو للكهنوت والخدمة بين الناس يبني قلبه وفكره وكل حياته على سيرة القديسين ، واضعاً أمام عينيه باستمرار سيرتهم في الجهاد المتواصل لخدمة المؤمنين ليلاً ونهاراً ، في وقت مناسب وغير مناسب ، وما يلزم لذلك من قطع المشيئة والتنازل الكامل عن كل الحقوق الشخصية ، والأمنيات ، والأحلام التي تتعارض مع جهاد الخدمة ، حتى ما بدا منها صالحاً في حد ذاته ، كالاستغراق في الوحدة والبعد عن الناس والعزوف عن الكلام ، إلا إذا كان بالقدر الذي يزيد الخدمة قوة ونجاحاً ، أي أن يكون ذلك لا بدافع مجرد استرضاء النفس ، بل لإصلاح عجزها ، وبالنهاية لزيادة كفاءتها للخدمة . والذي ينبغي أن يتضح أمام أصحاب الدعوتين أنه كما يُحارَب الراهب بحب الخدمة ، يُحارَب الكاهن والخادم بحب الوحدة ، وكلا الحربين هما إلحاح من اللاشعور للهروب من الواقع ؛ وذلك إنما يكون بسبب إخفاقات عارضة لا ينبغي أن ينهزم الإنسان أمامها ؛ إذ بمجرد أن يتشدد الإنسان بالله ويقف أمامه مجدِّداً عهده متشجعاً بالأمثلة الحية التي سبقته ، فإنه يُقبِل على دعوته بغيرة ونشاط ويعود فيرى فيها كل راحته وسلامه وإكليله . غير أن نوع القراءة والتأمل والدراسة التي ينشغل بها أصحاب الدعوتين لها تأثير مباشر وقوي ، فهي إما تزيد الإنسان تمسكاً بدعوته كما تزيده كفاءة في تأدية واجباتها ، وإما تتسبب في خلخلتها وإضعاف قيمتها في نظره شيئاً فشيئاً ، ثم توحي إليه أخيراً بالاستهانة بواجباتها . فالراهب الذي يهمل القراءة والتأمل في سير الآباء ووصاياهم ، وينشغل فقط في بدراسة الإنجيل وحفظ الآيات ، تبتدئ روحه تفتر من جهة دعوته ووحدته ، ثم تُشاغله أحلام اليقظة بالخدمة فيتصور نفسه واعظاً ومخلِّصاً للناس . وقليلاً قليلاً لا يعود يطيق ديره أو وحدته ، وقليلاً قليلاً أيضاً يخترع لنفسه المعاذير للنزول إِلى العالم ، أو يخترع له اللاشعور من الأمرلض والتخاويف ما يقنعه للإسراع في النزول تاركاً دعوته وراء ظهره . أما الكاهن أو الخادم الذي كرس حياته لخدمة الإنجيل ، إن هو أهمل التأدب بكلمة الإنجيل ولم يجلس لها كل يوم ساهراً فاتحاً كل قلبه وذهنه لإرشادها وتعليمها ، وانشغل عنها أكثر من اللازم بأخبار المتوحدين والرهبان ومعجزاتهم ووحدتهم وهدوئهم ، فإنه إزاء تعب الخدمة وشقائها يبتدئ يشتهي حياة المتوحدين فيبتدئ يتغنى بدعوتهم وسيرتهم ويغبط سلوكهم وحكمتهم ، وقليلاً قليلاً تغمرة موجات يائسة من حياة الخدمة . ثم يبتدئ يشك في دعوته كأنها غير مناسبة له ، أو كأن الله ظلمه بهذا النير الثقيل لأنه مخلوق لأن يكون راهباً – كما يصور له اللاشعور – فينطلق لسانه بالتذمر وتبتدئ رجلاه تسرعان إلى الأديرة فيزداد تمزقه وتزداد حيرته . وكل مرة يرجع فيها من الدير يتصور الخدمة أنها فخ سقط فيه أو سجن وشقاء ، والسبب أنه ابتدأ يبني برج حياته وفضائله وتقواه ليطل على الصحراء ، واحتفظ بظهره للكنيسة المسكينة . ليس هذا معناه أن لا يتثقف الراهب بكلمة الإنجيل كل يوم وبكل عمق وإخلاص ، ولا أن يمتنع الكاهن وخادم الإنجيل أن يتربى تحت أقدم الآباء وتعاليمهم وعفتهم وزهدهم ، ولكن على الراهب أن يجعل من الكلمة نوراً للسيرة الرهبانية الزاهدة المتعففة ؛ وعلى الكاهن أن يجعل من سيرة الآباء وزهدهم برهاناً لصدق الكلمة التي يخدمها ويبشر بها ، ومشجعاً له وللذين يجاهدون معه للشهادة في وسط العالم ضد العالم ! 2. نظرتان في الخدمة متلازمتان : الأولى : نظرة الخادم نحو الله الذي يمده بالقوة للخدمة . والثانية : نظرة الخادم نحو ضعفه الذي يكتشفه في نفسه كل يوم . هاتان النظرتان ولو أنهما متعارضتان شكلاً ، إلا أنهما منسجمتان انسجاماً كلياً ، ونقول "كلياً" لأن الانسجام هنا هو في الواقع بين قوة الله وضعف الإنسان ، فهو انسجام طبيعى ولاهوتى معاً ؛ حتى أن الله نفسه يتطلب تلازمهما "لأن قوتى في الضعف تُكمَل" (2كو 12 : 9) . والذي يكمل هنا هو قوة الله وليس ضعف الإنسان ، حيث يظل الضعف ضعفاً كما هو !! فالكاهن أو الخادم إن هو أكثر من النظر إلى ضعفه ، وتغاضى بنوع من الخداع النفساني عن النظر إلى قوة الله التي يخدم بها ويخدم تحت سلطانها وتدبيرها ، فإن توازنه يختل ويسقط تحت نفسه ! وهذا يأتي بسبب صغر النفس ، وذلك من عدم تجلى الإيمان في القلب على أساس عمل الدم الإلهى ، وعدم ازدهار الرجاء في النفس على أساس القيامة التي أخذناها حقاً أبدياً لنا . كذلك إذا أكثر الكاهن أو الخادم من النظر إلى قوة الله متغاضياً عن حقيقة ضعفه وخطاياه ، فإنه يتجبر ويتصلف ويدَّعي الألوهة ، حيث لا يعيده إلى موقعه الحقيقي إلا سقطة أو انكسار علنى يكشف له حقيقة ضعفه ! على أننا نود لو نوضح أكثر ، الفرق بين نظرة الخادم نحو الضعف الصحيح أو التواضع الصحى الذي لا يؤذي النفس ولا يسيء إلى الإيمان ، الذي يزيد الخدمة قوة وكرامة ومجداً لحساب المسيح ، وبين نظرة الضعف اليائس أو التواضع المريض الذي تشمله الكآبة وصغر النفس الذي يلغي عمل الإيمان ويضعضع الخدمة ، وينعكس على الرعية فيثبط من همتها ويحط من شجاعتها ! والفرق بين الاثنين هام وخطير ، فنظرة الضعف الحقيقي إلى أنفسنا لا تلغي الإحساس بقوة الله بل تزيدها فاعلية . أما نظرة الضعف اليائس النفساني ، فإنها تلغي الإحساس بقوة الله ولا تعطيها فرصة للعمل ! أى أن الضعف والتواضع الحقيقي يزكيان عمل قوة الله في الخادم وفي الخدمة ، وهذا يزيد الخدمة نجاحاً لحساب الله . أما الضعف والتواضع المريض فقد يزكي الإنسان أمام بعض الناس ، ولكنه يفقده قوة الله فتنحط الخدمة وتنحط الروح المعنوية للرعية . لذلك ، ليس من صالح الخدمة أن يُظهر الكاهن أو الخادم ضعفه للرعية ويتغنى بضعفاته بمناسبة وغير مناسبة . يكفي أن يكون الإنسان متضعاً بالعمل لا بالكلام ، فكل كاهن أو خادم يُظهر ضعفه لرعيته يخطئ خطأين : الأول بكونه يستجدي بذلك عطفهم أو مديحهم ، الثانى بأنه يُحزنهم ويحط من ثقتهم بالله ويحطم من مَثلهم الحي الذي يقتدون به . فالكاهن أو الخادم لا يكرز بنفسه حتى يكشف لهم ضعف نفسه ، بل هو يكرز بالمسيح ، فعليه بالضرورة أن يكشف لهم قوة المسيح التي بها يخدم والتي منها يستمدون إيمانهم وحياتهم وقوتهم !! 3. جيد أن تسقط تحت النير ، وليس جيداً أن تلقى النير عنك : ما أروع الجندى الذي يسقط في الميدان ، وجروحه تنزف ويده قابضة على السلاح ! إن جروحه تحكي قصة نضاله الشجاع ، ويده المستميتة على السلاح تشهد بأمانته وشرف جنديته ! ولكن ميدان الخدمة الروحية أعلى بلا قياس ؛ فالجندى لا يموت في الميدان إلا مرة واحدة ، أما إذا تجندنا للمسيح "فإننا من أجلك نُمات كل النهار" !! (مز 44 : 22 ، رو 8 : 36) "في الميتات مراراً كثيرة" (2كو 11 : 23) . الكاهن أو الخادم قد نصَّب نفسه ذبيحة يوم نصَّبوه خادماً "قد حُسبنا مثل غنم للذبح" (مز 44 : 22) . إذن فلا تستنكر السهام الحارقة المسمومة التي يرشقها العدو في جسدك وفكرك بلا هوادة ، فهى وإن كانت تعمل للموت إلا أنها ستثمَّن بالحياة "لأننا نحن الأحياء نُسلَّم دائماً للموت من أجل يسوع ، لكي تظهر حياة يسوع أيضاً في جسدنا المائت" (2كو 4 : 11) . فلا تفزع إيها الكاهن والخادم من جروحك ولا ترتعب من سطوة الحرب كمغلوب ، فطالما يدك ماسكة بالحياة الأبدية فلن تُغلب ! فقط لا ترخِ يدك عن الإمساك بالرب ، ولا يكفَّ فمك من الصراخ إليه ، ولا تنظر قط إلى الوراء . فهو قادم حتماً ، قادم لنجدتك . ولا تنسَ قط أن رحمة الله وإشفاقه عليك وأنت واقع تحت نيره تئن من جروحك ، لا تُقاس برحمته وأنت هارب من ثقل النير ! التعديل الأخير تم بواسطة walaa farouk ; 10 - 07 - 2021 الساعة 05:30 PM |
|