خروج – الأصحاحان الحادى عشر والثانى عشر
الفصح
بين خروف الفصح وقيامة المسيا :
إن كان الفصح يعتبر نقطة تحول فى تاريخ الشعب القديم ، خلاله عبروا من أرض العبودية إلى البرية منطلقين نحو أرض الموعد ، لذا حمل خروف الفصح بكل طقوسه مفهوما خاصا ، يقام فى أول شهور السنة ( 12 : 2 ) ، يعيدونه كل عام فريضة أبدية ( 12 : 14 ) ، تلتزم به كل الجماعة ( 12 : 6 ) . حمل أيضا مفهوما روحيا يمس حياة الجماعة الكنسية فى علاقتها بالله ، فلم يكن خروف الفصح مجرد تذكار لقصة تاريخية حدثت فى الماضى ، لكنه يمثل عنلا حاضرا ودائما لله فى حياة شعبه .
عيد الفصح أيضا كان يعنى وجود علاقة شخصية بين كل عضو فى الجماعة والله نفسه . هذا فيما يخص خروف الفصح الرمزى ، أما وقد قدم السيد المسيح نفسه " فصحا " حقيقيا عن العالم كله ، صارت آلامه وصلبه ودفنه وقيامته فصحا دائما ومستمرا فى حياة الكنيسة ، تعيده الكنيسة ليس فقط مرة كل عام ، بل وفى كل قداس إلهى ، بل وتختبر قوته خلال حياتها اليومية . صار هذا العمل الفصحى الإلهى موضوع لهج كل مؤمن حقيقى ، خلاله يعبر من مجد إلى مجد ليدخل بالروح القدس إلى حضن الآب .
هذا ما جعل الأصحاحين الحادى عشر والثانى عشر من سفر الخروج مركزا للسفر كله ، بل وبغير مبالغة للعهد القديم كله ، كما أن صلب السيد المسيح وقيامته هما مركز الأنجيل . لذلك رأيت الضرورة ملحة إلى تقديم دراسة دقيقة ومختصرة قدر الإمكان لخروف الفصح على ضوء التقاليد المعروفة فى ذلك الحين ، وعلى ضوء التقليد اليهودى ، وخلال آلام السيد وصلبه وقيامته ، لنعرف أثره فى حياة الكنيسة الجامعة وفى حياة كل عضو فيها .
الفصح والتقاليد القديمة :
فى أيام آدم الأول ، قدم إبناه تقدمتين مختلفتين : قدم هابيل – كرجل صيد – ذبيحة دموية كفارة عن خطاياه تسلمها بلا شك عن والديه ، وقدم قايين من محصولات الأرض بكونه رجل زراعة . على أى الأحوال تسلمت البشرية هذين العملين وشوهت صورتهما خلال إنحراف البشرية عن الطريق الإلهى ، فصارت قبائل البدو فى العالم تلطخ خيامها بعلامة الدم إعتقادا منها أنها تطرد الأرواح الشريرة فلا تؤذيهم . أما القبائل العاملة فى الزراعة فصار لها تقليد مغاير ، يمتنعون عن أكل الخبز المختمر لبضعة أيام فى بداية المحصول الجديد حتى لا يدخل الخمير الخاص بالمحصول القديم مع دقيق المحصول الجديد .. بهذا يرون أنهم يبدأون عاما جديدا بطعام جديد وحياة جديدة .
ويلاحظ أن هذين الطقسين ( رش الدم والإمتناع عن الخمير ) لهما أصل إيمانى نقى ، لكن البشرية إنحرفت بهما عن مسارهما الإيمانى ، فجاء طقس الفصح يرد الطقسين إلى مسارهما السليم من جديد .
والعجيب أن الكنيسة فى احتفالها بعيد الفصح " القيامة " مارست منذ العصور الأولى طقسين متكاملين ومتلازمين ، هما طقس عماد الموعوظين وطقس الأفخارستيا . ففى ليلة العيد يقوم الأسقف بعماد الموعوظين ليحملوا علامة الدم على جباههم الداخلية وفى قلبهم ، ينعمون بالمصالحة مع الله فى إبنه يسوع المسيح بواسطة روحه القدوس . ويتنعمون بروح البنوة الذى يعينهم على العبور نحو الأمجاد الإلهية ، ثم يتقدمون مع بقية المؤمنون للأشتراك فى الطقس الآخر – أى الإفخارستيا – حيث تظهر الكنيسة المجاهدة على الأرض وكأنها وسط جهادها مستقرة حول مذبح الله الأبدى . فتأكل الفطير الجديد على الدوام ، تتمتع بالجسد والدم المقدسين اللذين لا يقدما ولا يشيخا .
هذا هو فصحنا الجديد الذى حمل الفصح القديم ظلا له ورمزا .
فصح شخصى :
أمر الله أن تقوم كل الجماعة بتقديم الفصح ، فهو فصح الكنيسة كلها المتحدة بعريسها ، واشترط فيما بعد أن يقدم فى أورشليم دون سواها ، الموضع الذى دعى اسمه فيه ، لأنه فصح الرب .
هذه الصورة الجماعية الحية لم تتجاهل الجانب الشخصى لكل عضو فى الجماعة ، بل ركزت عليها خلال إتحاد العضو بالجماعة . فلم يأمر الله أن يرش الدم على كل بيت فحسب ، وإنما ألزم كل رجل وإمرأة أن يأكلاه مشويا بالنار . والأكل علامة العلاقة الشخصية والإشتراك الشخصى فى ممارسة الطقس .
حقا لم يكن ممكنا للأطفال الصغار جدا والرضع أن يشتركا فى الأكل لكنهم كانوا يحضرون الطقس ويفرحون به ، بل وخلصوا من الهلاك خلال إيمان والديهم الذين يشتركون فى أكل خروف الفصح .
[ وهكذا المعمودية أيضا للأطفال ، بإيمان والديهم .. حتى لا يهلكوا ! ] .
من الناموس إلى المسيا :
كان عشاء الفصح عند اليهود له طقسه الخاص الذى سجله لنا الأصحاح الثانى عشر من سفر الخروج مع بعض التقاليد الأخرى التى حملت صلوات بركة وتسابيح ومزامير معينة سجلت فى المشنة ( التقليد اليهودى ) .
كان هذا العيد غنيا فى ذكرياته ووعوده التى حملت رعاية الله للإنسان خاصة خلال الخلاص المقدم بالمسيا . فكانوا يعرفون هذه الليلة أنها ذكرى سنوية لخلقة العالم ، ولختان إبراهيم وذبيحة إسحق وخروج يوسف من السجن والعتق المنتظر من السبى ، وظهور المسيا ، ومجىء موسى وإيليا وقيامة الآباء ونهاية العالم .. لهذا قدم السيد المسيح نفسه فصحا للعالم فى عيد الفصح ، ليعلن أن الحقيقة تبتلع الرمز وتدخل به إلى كمال هدفه .
+ يتحقق سر الفصح فى جسد الرب ...
فقد اقتيد كحمل ، وذبح كشاة ،
مخلصا إيانا من عبودية العالم ( مصر ) ،
ومحررنا من عبودية الشيطان كما من فرعون ،
خاتما نفوسنا بروحه ، وأعضاءنا الجسدية بدمه ..
إنه ذاك الواحد الذى خلصنا من العبودية إلى الحرية ،
ومن الظلمة إلى النور ، ومن الموت إلى الحياة ،
ومن الظلم إلى الملكوت الأبدى ...
إنه ذاك الذى هو ( فصح ) عبور خلاصنا ...
هو الحمل الصامت ... الذى أخذ من القطيع ،
واقتيد للذبح فى المساء ، ودفن بالليل ...
من أجل هذا كان عيد الفطر مرا ، كما يقول كتابكم المقدس :
تأكلون فطيرا بأعشاب مرة ،
مرة لكم هى المسامير التى استخدمت ،
مر هو اللسان الذى جدف ،
مرة هى الشهادة الباطلة التى نطقتم بها ضده ..
هكذا .. ذبيحة الحملان وطقس الفصح وحرف الناموس ، هذه قد تحققت فى المسيح يسوع . عوض الناموس جاء اللوغوس ، فصار القديم جديدا ، وصارت الوصية نعمة ، والرمز حقيقة .
من الفصح الأرضىإلى الفصح السماوى :
تحدث القديس أثناسيوس فى رسائله الفصحية كثيرا :
+ والآن يا أحبائى قد ذبح الشيطان ( فرعون ) ، ذلك الطاغية الذى هو ضد العالم كله ، فنحن لا نقترب من عيد زمنى بل عيد دائم سمائى ....
الآن نأكل " كلمة الآب " وتمسح قلوبنا بدم العهد الجديد نعرف النعمة التى يهبنا إياها المخلص ، الذى قال " ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب ، وكل قوة العدو " ( لو 10 : 19 ) .
الذين يحفظون العيد فى نقاوة يكون الفصح طعامهم السماوى .
طقس الفصح : خر 11 : 4
الناموس كان مقدمة لعهد النعمة ، ليس فقط خلال الوصايا والكلمات ولكن أيضا خلال الرمز .. والآن نتحدث عن طقس الفصح كما ورد فى سفر الخروج وما يرمز إليه ، بالأستعانة بالنصوص الأنجيلية :
( 1 ) لماذا تم بالليل ؟
يقول الرب لموسى
" إنى نحو نصف الليل أخرج فى وسط مصر " 11 : 4 ،
تمت الضربة فى الليل فى الظلام ، لأنه فى ظل الليل بعيدا عن نور النهار الواضح يتحقق العدل فى الشياطين وجرائمهم القاتمة
" وأعطى عجائب فى السماء والأرض دما ونارا وأعمدة دخان . تتحول الشمس إلى ظلمة ، والقمر إلى دم قبل أن يجيىء يوم الرب العظيم المخوف " يوئيل 2 : 30 ، 31
كأنه بالليل حيث يسكن الشيطان فى الظلمة يقتله الرب فى عرينه ، بينما هو مطمئن ليس من يقاومه فيهلك وكل أعماله معه .
( 2 ) فى شهر أبيب أول الشهور :
كلم الرب موسى وهرون
قائلا " هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور ، هو لكم أول شهور السنة " ( 12 : 1 ) كأنه فى كل فصح يدخلون عاما جديدا ، ليعيشوا فى حالة تجديد قلبى مستمر فى المسيح يسوع الذبيح .
هذا يعنى أن ذبيحة الفصح الحقيقى بالنسبة لنا هى بدء الحياة الأبدية
ويلاحظ أن " أبيب" تعنى " سنبلة " ، وكأنه خلال الفصح تصير النفس سنبلة الرب أى حصاده .
( 3 ) الحفظ فى اليوم العاشر ع 3
كان إشارة إلى دخول السيد المسيح أورشليم ليبقى تحت الحفظ حتى يقدم نفسه فصحا من أجلنا . أما اختياره اليوم العاشر فإشارة إلى مجيئه بعد الناموس ( الوصايا ) يكمل الوصية التى كسرها الإنسان ، واهبا لنا إمكانية تنفيذها .
( 4 ) تقديمه فى اليوم الرابع عشر ع 6
فى اليوم الرابع عشر يكون القمر بدرا ، ولما كانت الشمس رمزا للسيد المسيح والقمر للكنيسة ، كأنه خلال
" المسيح فصحنا " 1 كو 5 : 7 ، تكتمل إستنارة الكنيسة ويعلن بهاؤها .
أما أيام الحفظ فهى خمسة ( 10 – 14 أبيب ) تمثل البدايات الخمس للعالم فى تاريخ الخلاص .
آدم به بدأ الجنس البشرى ، ونوح بدأ به العالم الجديد بعد الطوفان ، إبراهيم بدأ كأب للمؤمنين ومن صلبه خرج شعب الله ، وموسى بدأ العالم فى الناموس المكتوب وأخيرا جاء السيد المسيح فى اليوم الخامس ليبدأ عهد النعمة ، فيه قدم نفسه فصحا ، له فاعليته فى كل الحقبات الخمس .
( 5 ) دعوة الجار القريب ع 4
تشير هذه الدعوة إلى دعوة الأمم بكونهم " القريب " الذى ينعم أيضا بذبيحة الفصح الحقيقى .
( 6 ) شاة صحيحة ع 5
إشترط أن يكون إما خروفا ، رمز للوداعة كقول إشعياء النبى
" ظلم أما هو فتذلل ، ولم يفتح فاه ، كشاة تساق إلى الذبح " 53 : 7 ، أو من الماعز الذى يقدم فدية عن الخطية حسب الناموس ( عدد 7 : 16 ) .
نظره يوحنا المعمدان وقال
" هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم " يو 1 : 29 . وفى السماء رآه القديس يوحنا اللاهوتى :
" وفى وسط القسوس خروف قائم كأنه مذبوح " رؤيا 5 : 6
أما كونه صحيحا بلا عيب ، فلأن السيد المسيح قدوس بلا عيب يقدر أن يكفر عن خطايانا بدم نفسه ( عب 9 : 14 ) .
أما كونه ذكرا فإشارة إلى رئاسته ، لكونه عريس كل المؤمنين ( 2 كو 11 : 2 ) ، إذ :
" من له العروس فهو العريس " يو 3 : 29 .
" إبن حول " أى شاب ليس فيه ضعف الشيخوخة ولا يصيبه القدم ، يبقى جديدا فى حياتنا على الدوام ، مع أنه هو القديم الأيام الأزلى .
( 7 ) يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل ع 6
من جهة تحقق هذا الأمر فى شخص السيد المسيح الذى قيل عنه :
" اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذى مسحته هيرودس وبيلاطس البنطى مع أمم وشعوب إسرائيل " أع 4 : 27
( 8 ) ذبحه فى العشية ع 6
إشارة إلى تقديم السيد المسيح نفسه فصحا عن العالم فى ملء الأزمنة .
( 9 ) رش الدم على العتبة العليا والقائمتين ع 7
يتحدث عن فاعلية الدم قائلا
" فأرى الدم وأعبر عنكم " ، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " عب 9 : 22
إن رش الدم هكذا على العتبة العليا والقائمتين إنما يشير إلى تقديس النفس بجوانبها الثلاث :
العقلى والعاطفى والروحى ، أى تقديس الإنسان بكل طاقاته الفكرية واشتياقاته وأحاسيسه الداخلية .
ويلاحظ أن رش الدم لا يكون على العتبة السفلى حتى لا يداس بالأقدام ، إذ يقول الرسول
" كم عقابا أشر تظنون أنه يحسب مستحقا من داس إبن الله وحسب دم العهد الذى قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة " عب 10 : 29 .
( 10 ) إستخدام الزوفا ع 22
" خذوا باقة زوفا واغمسوها فى الدم الذى فى الطست ومسوا العتبة العليا والقائمتين بالدم "
الرأى التقليدى بين اليهود أن الزوفا هى نبات الزعتر واستخدم للتطهير من البرص ( لا 14 : 4 ، 6 ) ، واستخدم أيضا لرفع إسفنجة من الخل التى قدمت للسيد على الصليب ( يو 19 : 29 ) .
( 11 ) يأكلونه مشويا بالنار.. لا تأكلوا منه نيئا أو طبيخا مطبوخا بالماء ع 8، 9
يلتزم المؤمنون بأكل اللحم مشويا بالنار ، للأتحاد بالسيد المسيح الذى اجتاز من اجلنا العدل الإلهى قائلا
" قلبى كالشمع ذاب فى وسط أحشائى . قوتى نشفت كزق ولصق لسانى بحنكى " ..
( 12 ) مع فطير . . وعلى أعشاب مرة ع 8
يشير الخمير إلى الشر والخبث ( 1 كو 5 : 7 ، 8 ) وإلى الرياء ، يقول الرسول :
" إذا لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق " 1 كو 5 : 8 ..
ويلاحظ أن السيد المسيح فى سر الأفخارستيا إستخدم خبزا مختمرا ، لأنه حمل فى جسده خطايانا .
الأعشاب المرة تذكر الشعب مرارة عبودية الخطية التى يتحررون منها خلال خروف الفصح .
وتشير إلى مرارة نفس السيد المسيح من جزاء ما عاناه من إهانات واستهزاء عند محاكمته وصلبه ..
( 13 ) لا تبقوا منه إلى الصباح ع 10
إشارة إلى سر الفصح كسر " الحياة الجديدة " وقد حرصت كنيستنا على عدم إبقاء الأسرار الإلهية لليوم التالى .
( 14 ) عظما لا تكسروا منه ع 46
يشير إلى السيد المسيح الذى لما جاءوا ليكسروا ساقيه وجدوه قد مات سريعا ( يو 19 : 36 ) فلم يكسروهما ..
( 15 ) يأكلوه وهم على إستعداد للرحيل ع 11
إشترط أن يأكلوه هكذا
" أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم فى أرجلكم وعصيكم فى أيديكم ، وتأكلونه بعجلة . هو فصح للرب " ع 11
التفسير التاريخى لهذا الأمر حتى يتذكر اليهود أنهم راحلون ، لقد عرف هذا الشعب بكثرة النسيان فأعطاهم هذه الوصية حتى لا ينسوا غاية الفصح .
التفسير الرمزى : لكى نكون نحن أيضا مستعدين لخروجنا ورحيلنا ، إلى أورشليم السمائية ..
الأحقاء مشدودة تشير إلى ضبط الجسد والشهوات وملذاته ...
الحذاء الذى فى الرجل ، هو حذاء السيد المسيح
[ الذى قال عنه معلمنا يوحنا المعمدان : أنه غير مستحق أن ينحنى ويحل سيور حذائه ] حتى كما سلك ذاك نسلك نحن بحذائه لا نخاف أشواك هذه الحياة ..
أما العصا التى فى أيدينا فهى عصا الله ، الصليب ...
( 16 ) يعيدونه فريضة أبدية ع 14 ولا يأكل منه غريب ع 43 ، 48
إشترط ألا يشترك فيه أهل الغرلة ، إنما يشترك أهل الختان وحدهم ، هكذا لا يقدر أن يتمتع بالتناول من الأسرار المقدسة إلا الذى نال الختان الروحى ، أى المعمودية ، فصار إبنا لله له حق الأتحاد معه فى المسيح يسوع .
قتل الأبكار :
دفع المصريون ثمن ما فعلوه بقتلهم أولاد العبرانيين وإلقائهم فى النهر ، فأدبهم الرب بذات فعلهم . أما أولاد الله فحتى شعور رؤوسهم محصاة وتحت رعايته .
خروج الشعب :
إستدعى فرعون موسى وهرون وقال لهما :
" قوموا أخرجوا من بين شعبى ... واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم . خذوا غنمكم أيضا وبقركم كما تكلمتم واذهبوا . وباركونى أيضا " ع 31 ، 32 وكان المصريون يلحون عليهم بالخروج ...
لقد طلب الشعب من المصريين ذهبا وفضة وثيابا فأعطوهم ، كان ذلك بسماح إلهى كتعويض عن الأجرة التى سلبها إياها المصريون أيام السخرة وبناء البيوت لهم مجانا ...
عدد الخارجين :
الذين خرجوا ستمائة ألف ماشين من الرجال عدا الأولاد ع 37
دعوتهم
" ماش من الرجال " فتعنى أن الكنيسة فى حالة تحرك مستمر نحو السماء بروح الجهاد والمثابرة بلا يأس ، لا تعرف التوقف عند العبور .
خروج – الأصحاح الثالث عشر
تقديس البكر
أول وصية أمر بها موسى بعد الخروج مباشرة هى
" قدس لى كل بكر كل فاتح رحم من بنى إسرائيل من الناس ومن البهائم إنه لى " ع 2
إنها ليست أمرا أو وصية بقدر ما هى عطية ووعد ، فبخروج الشعب من دائرة العبودية والإنطلاق نحو أورشليم العليا يدخل المؤمن فى دائرة ملكية الله ، ويصير عضوا حيا فى هذا الملكوت الإلهى ، إذ يقول
" إنه لى " .
نظام البكورية : إن كانت البكورية قد عرفت قبل الشريعة الموسوية ، فإن الأخيرة جاءت لتنظمها بصورة دقيقة تفصيلية ، حملت رموزا لكنيسة الأبكار السماوية ، وإننا إذ نترك دراسة البكورية لمجال آخر إن شاء الرب وعشنا ، أود أن أضع بعض النقاط الهامة فى تنظيم الشريعة للبكورية :
أولا :
البكر له نصيب اثنين فى الميراث ( تث 21 : 17 ) ، إشارة إلى فيض نعم الله علينا فى الميراث الأبدى .
ثانيا :
يحسب الذكر المولود أولا هو البكر حتى وإن كانت والدته ليست محبوبة لدى زوجها ( تث 21 : 15 – 17 ) .
ثالثا :
غالبا ما يتبوأ البكر من أولاد الملوك العرش ( 2 مل 21 : 3 ) ، ونحن أيضا كأولاد ملك الملوك نحسب فيه ملوكا .
رابعا :
يقدم البكر لخدمة الرب ( خر 13 : 12 ، 34 : 19 ) ، علامة تقديم كل العائلة وتكريسها للرب . لكنه أستعيد باللاويين عوض الأبكار .
خامسا :
تكريس حتى بكور الحيوانات لخدمة الرب ، ولا يفك ولا يستبدل إلا إذا كان من الحيوانات النجسة ( خر 13 : 13 ، لا 27 : 27 ) .
( 2 ) تيهان الشعب :
إندهش الشعب إذ رأى نفسه يسير فى طريق غير طريق فلسطين ، فإنه إذ كان لم يتدرب بعد على الحرية أراد الله أن يتدرج به فى البرية حتى يبلغ به إلى أرض الحرية
" قال لئلا يندم إذا رأوا حربا ويرجعوا إلى مصر " ع 17
( 3 ) عظام يوسف :
يقول الكتاب :
" وأخذ موسى عظام يوسف معه ، لأنه كان قد استحلف بنى إسرائيل بحلف قائلا أن الله سيفتقدكم فتصعدون عظامى من هنا معكم " ع 19
كأن يوسف أدرك خلال الظلال أن شعبه سيخرج من أرض مصر ويستريح فى أرض الموعد ، فكان طلبه يحمل رمزا لشوق القيامة فيه ، إنه يود أن يستريح جسده أيضا فى أورشليم العليا حينما يحمل الطبيعة اللائقة بالسمويات .
ويعلق القديس افراهات على تصرف موسى النبى قائلا :
[ كانت عظام الرجل البار أثمن وأفضل – فى عينيه – من الذهب والفضة التى أخذها بنو إسرائيل معهم من مصر وأفسدوها . لقد بقيت عظام يوسف أربعين عاما فى البرية وعندما رقد موسى أورثها ليشوع بن نون ... هذا الذى دفنها فى أرض الموعد ككنز ! ] .
( 4 ) النزول فى إيثام :
رحل العبرانيون من رعمسيس إلى سكوت ، والآن بلغوا إيثام ، التى فى رأى العلامة أوريجانوس تعنى
" علامة " وهى المحطة الثالثة ، وفى طرف البرية ( ع 20 ) . ليس ممكنا للمؤمن أن يدخل البرية بكل آلامها وتجاربها ما لم يبلغ المحطة الثالثة ، أى يختبر القيامة مع السيد المسيح ، فيعلن الرب ذاته له ، يسنده نهارا وينير له ليلا .
يقول العلامة أوريجانوس : [ يلزمنا ألا نتوقف هنا ( فى سكوت ) بل نكمل الطريق . يليق بنا أن نرفع الخيمة من سكوت ونسرع إلى إيثام . ويمكننا ترجمة إيثام إلى " علامة " وهو اسم أحسن اختياره ، لأنك تسمع بعد ذلك أن الله كان يسير أمامهم نهارا فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق وليلا فى عمود نار لينير لهم . هذه العلامة لا نجدها فى رعمسيس ولا فى سكوت ، وهما المرحلتان الأولى والثانية من الرحلة ، وإنما تأتى فى المرحلة الثالثة حيث تبدأ إعلانات الله . تذكر ما كتب قبلا أن موسى كان يقول لفرعون : " نذهب سفر ثلاثة أيام فى البرية ونذبح للرب إلهنا " خر 5 : 3 ... إذن لم يكن يريد فرعون أن يسمح لبنى إسرائيل بالذهاب إلى أماكن إعلانات الله ما لم يسمح لهم بالتقدم لينعموا بأسرار اليوم الثالث . إسمعوا ما يقوله النبى : " الرب يحيينا بعد يومين ، فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه " هو 6 : 2 .
اليوم الأول بالنسبة لنا يمثل آلام المخلص ..
واليوم الثانى يمثل نزوله إلى الجحيم ...
واليوم الثالث يمثل قيامته ...
كان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود السحاب ليهديهم فى الطريق ، وليلا فى عمود نار ليضىء لهم . إن أخذنا بقول الرسول أن هذه الكلمات يقصد بها المعمودية ( 1 كو 6 : 2 ) ، فإنه ينبغى على كل من يعتمد ليسوع المسيح إنما يعتمد لموته ، ويدفن معه بالمعمودية للموت ( رو 6 : 3 ) ، ويقوم معه فى اليوم الثالث . يتحدث الرسول عن مثل هذا الإنسان قائلا أن الله يقيمه ويجلسه معه فى السمويات ( أف 2 : 6 ) .
إذن عندما تقتنى سر اليوم الثالث يقودك الرب ويريك بداية طريق الخلاص ] .
إن كان الرسول يرى فى السحابة التى ظللت الشعب المعمودية ( 1 كو 6 : 2 ) التى خلالها ننال روح التبني بالروح القدس ، فإن القديس باسيليوس الكبير يرى فيها " ظل نعمة الروح القدس الذي يعطى برودة للهيب شهواتنا ، بإماتة أعضائنا ( كو 3 : 5 ) ، بهذا يكون عمود النور ظلا للإستنارة التي نلناها بالمعمودية لنسير في طريق الرب المخلص خلال ظلمة هذه الحياة .
خروج – الإصحاح الرابع عشر
عبور البحر الأحمر
يتحدث هذا الأصحاح عن :
( 1 ) النزول إلى فم الحيروث :
بأمر الهي رجع بنو إسرائيل ونزلوا أمام فم الحيروث ، وهى بين مجل والبحر أمام بعل صفون ( ع 2 ) . يرى العلامة أوريجانوس أن " فم الحيروث " تعنى الصعود القاسى أو الصعود القفر " ، و" مجدل " تعنى " برج " ، و " بعل صفون " تعنى " الصعود بخفة أو بسرعة " .
الطريق الذي ينبغي علينا أن نسيره هو طريق صاعد وضيق ، يتطلب السهر والإيمان . فالإيمان والأعمال يتطلبان مشقات ومجهودات ضخمة ، والذين يريدون السير حسب الله يواجهون تجارب وضيقات عديدة ...
فى هذا الطريق نجد برجا ... هذا الذى قال عنه الرب فى الإنجيل :
" من منكم وهو يريد أن يبنى برجا لا يجلس أولا ويحسب النفقة هل عنده ما يلزم لكماله ؟! " لو 14 : 28 . هذا البرج هو الأساس القوي الذى تقوم عليه الفضيلة مرتفعة .
( 2 ) ندم فرعون على إطلاقهم :
أوضح الرب سر إنزالهم إلى فم الحيروث قائلا :
" أشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم " ع 4 لقد سمح لهم بالخول فى الضيقة حتى يتمجد الرب فيهم وأيضا كما يقول " ويعرف المصريون إنى أنا الرب " ع 4
كيف شدد الرب قلب فرعون ؟
" أسلمه الله إلى شهوات قلبه " رو 1 : 24 ، تركه لقساوة قلبه ، فثار على الشعب وتشدد قلبه .
سعى فرعون ومعه ستة مائة مركبة ، رقم 6 يشير إلى كمال العمل البشرى ، والمائة تشير إلى كمال عدد الجماعة ، كأنه خرج بكل طاقاته البشرية وبكل رجاله لكنهم لم يحملوا الطبيعة السماوية ( رقم 1000 ) لذلك فشل وهلك .
( 3 ) تذمر الشعب :
اشتهى الشعب فى أول ضيقة تصادفه بعد الرحيل أن يعود إلى حياة العبودية عوضا عن حياة الحرية ومعها الجهاد ، مع أنه
" من الأفضل لنا أن نموت ونحن فى الطريق نبحث عن حياة الكمال عن أن نمتنع عن البحث عنها "
طلب موسى من الشعب أن يقفوا وينظروا خلاص الرب الذى يصنعه لهم .. قائلا لهم عبارته الخالدة:
" الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون" ع14
إنه لا يدفعهم للحرب مع فرعون كما فعل معهم فى حربهم مع عماليق وغيرهم فيما بعد ، لأنهم لم يختبروا بعد المن السماوى ولا الشراب الروحى ، خرجوا من مصر بلا خبرة للجهاد ... هكذا لا يطالب الإنسان بالجهاد إلا بالقدر الذى يناسب إمكانياته وقدراته !
( 4 ) صرخة موسى الصامتة :
يقول الرب لموسى : " مالك تصرخ إلى " ع 15 ، مع أن موسى لم يصرخ له علانية أمام الشعب ، بل كان يحدث الشعب المتذمر فى مرارة قلب يبعث فيهم روح الرجاء فى الخلاص قائلا : " الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون " .
بلا شك صرخ موسى فى قلبه صرخة مرارة هزت السماء ، سمعها الله وحده دون الشعب ، وجاءت الإستجابة سريعة ..
قال العلامة أوريجانوس : [ إن الله يسمع صرخات القديسين الصامتة بالروح القدس ، موسى صرخ صرخة قوية ، قدمها كصلاة يسمعها الله وحده ! ] لهذا يقول داود : " بصوتى إلى الرب صرخت ، فاستجاب لى " مز 77 : 7
حنة أيضا لم يسمع صوتها ، نالت كل إشتياقها قدر ما صرخ قلبها ( 1 صم 1 : 13 ) .. هابيل أيضا لم يصل فقط بصمت ، وإنما صلى عندما مات ، إذ أصدر دمه صرخة أقوى من صوت البوق ( تك 4 : 10 ) ... أيضا " من الأعماق صرخت إليك يارب " ، من الأعماق أى من القلب يصدر الصوت وتكون صلاتك سرا .
الفكر الذى ارتفع من موسى نحو الله دعى صرخة ، ولو أنها تمت فى فكر القلب الداخلى دون صوت !
( 5 ) عبور البحر الأحمر :
سلك الشعب بالإيمان إذ رأوا البحر أمامهم فانفتح لهم طريق ونجوا ، أما الأعداء فرأوا الطريق بالعيان فساروا فيه ، فغرقوا وماتوا . يلاحظ فى هذا العبور :
أولا : عبور البحر الأحمر حمل رمز المعمودية .. حيث ينعم المؤمن بالخلاص خلال الدفن مع المسيح المتألم والتمتع بقوة قيامته .
ثانيا : يرى البابا أثناسيوس أن البحر انشق بأمر الهي وليس بسبب كلام موسى ، بخلاف ما قام به السيد المسيح الذى ينتهر البحر ويأمر الرياح فتطيعه بسلطانه الإلهى
ثالثا : ليتنا نتمثل بموسى النبى فنمسك بعصا الرب ، أى صليبه المقدس ، ونضرب بها أمواج الخطية الثائرة داخلنا فينفتح لنا طريق يهلك أعداءنا الروحيين .
رابعا : أعلن هذا العمل حب الله للإنسان وعمله الخلاصى ، إذ يقول العلامة أوريجانوس : [ المياة تصير جبالا ! المياة الراجعة تصير أسوارا .. ويظهر عمق البحر ، وإذ هو رمال فقط !
تظهر محبة الله أيضا فى انتقال عمود السحاب من أمامهم إلى الوراء ( ع 19 ) حتى يحجبهم عن أعين فرعون وجنوده ويكون حماية لهم .
خامسا : يرمز هذا الخلاص لعمل السيد المسيح الخلاصى من جوانب كثيرة منها :
- قسى فرعون قلبه لكى يهلك الشعب فغرق هو وجنوده ، وقسى إبليس أيضا قلبه فأراد أن يقتل السيد المسيح ويبيد إسمه من كورة الأحياء ، وإذا به هو يهلك مع كل جنوده .
- رأى فرعون البحر منشقا فاندفع وراء الشعب ليهلكه بلا من أن يخاف ويرتعب ، ورأى إبليس الطبيعة ثائرة فى لحظات الصليب ولم يبال بل اندفع ليكمل الصلب .
- ضرب موسى البحر بالعصا فغرق فرعون ، وضرب السيد المسيح إبليس بخشبة الصليب فأغرقه فى الجحيم .
- بعد العبور إجتاز الشعب البرية ، ونحن أيضا إذ تمتعنا بعمل الصليب فى المعمودية نجتاز برية هذا العالم مع قائدنا يسوع المسيح حتى نبلغ أورشليم السماوية .
- يعلق القديس غريغوريوس أسقف نيصص على العبارة : " فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى " ع 31 قائلا : [ من يعبر البحر ويرى المصريين ( الملذات الأرضية ) موتى داخله ، لا يعود ينظر موسى وحده كحامل عصا الفضيلة ، إنما يؤمن بالله ويكون مطيعا لموسى ( ع 31 ) . نحن أيضا نرى ذات الأمر يحدث مع الذين يعبرون المياة مكرسين حياتهم لله وفى طاعة وخضوع للذين يخدمونه فى الكهنوت ( عب 13 : 17 ) ]
خروج – الإصحاح الخامس عشر
تسبحـــة النصرة
يحوى هذا الإصحاح :
( 1 ) تسبحة النصرة :
ترمز هذه التسبحة لتسبحة المفديين فى السماء ، إذ خلصهم الله وعبر بهم من العالم إلى السماء ، تستخدم هناك مع السيد المسيح ( رؤ 15 : 3 ) . لهذا وضعتها الكنيسة فى التسبحة اليومية بكونها " الهوس الأول – وكلمة هوس تعنى تسبحة " لتؤكد لأولادها ضرورة التسبيح لله وتقديم الشكر المستمر من أجل عمله الخلاصى معنا ، إذ يهبنا غلبة يومية على إبليس وجنوده ، وليس بذراعنا البشرى ، وإنما خلال عمل نعمته فينا .
ويلاحظ أن موسى والشعب لم ينطقوا بالتسبيح إلا بعدما اعتمدوا ورأوا خلاص الله العجيب . هكذا بالمعمودية إذ ندفن مع مسيحنا المصلوب ونقوم معه فى جدة الحياة ينفتح لساننا الداخلى لنسبح للرب ونشكره .
وقد حملت هذه التسبحة تعبيرات ومعان جميلة تحتاج إلى كتاب مستقل ، لكننى أكتفى هنا بعرض بعض الفقرات منها :
" أرنم للرب فإنه قد تعظم . الفرس وراكبه طرحهما فى البحر " ( ع 1 ) :
بدأت التسبحة بتمجيد الرب الذى تمجد بالصليب حيث داس إبليس وكل قواته ، ليعتق الذين سبق فأسرهم ...
إنها تسبحة عذبة يترنم بها المسيحى كل يوم حين يرى الخطية تسقط بالصليب تحت قدميه ، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولى : [ لنغنى مع موسى ... ونسبح مرتلين ، إذ نرى الخطية التى فينا قد طرحت فى البحر ، أما نحن فنعبر إلى البرية ] .
" قد هبطوا إلى الأعماق كحجر " ( ع 5 )
الإنسان الشرير يكون ثقيلا يغطس فى المياة ، الفضيلة خفيفة تعوم على المياة والذين يسيرون فى طريقها يطيرون كالسحاب وكالحمام بأجنحتهم الصغيرة ( إ ش 9 : 8 ) ، أما الخطية فكالرصاص ثقيلة ( زك 5 : 7 ) .
لقد مشى ربنا ومخلصنا على المياة ( مت 14 : 25 ) ، هذا الذى بالحقيقة لا يعرف الخطية ، ومشى تلميذه بطرس مع أنه ارتعب قليلا إذ لم يكن قلبه طاهرا بالكلية إنما حمل فى داخله بعضا من الرصاص .. لهذا قال له الرب " يا قليل الإيمان لماذا شككت ؟ " فالذى يخلص إنما يخلص كما بنار ( 1 كو 3 : 15 ) حتى إن وجد فيه رصاص يصهره .
" يمينك يارب معتزة بالقدرة .. يمينك يارب تحطم العدو " ( ع 6 )
يرى القديس أمبروسيوس فى هذه التسبحة عمل الثالوث القدوس واضحا ، ففى هذه العبارة يعترف بالإبن الذى هو " يمين الرب " ، ليعود بعد قليل فيتحدث عن عمل الروح القدس " أرسلت روحك فغطاهم البحر " ع 10 ، هذا الذى يعمل فى سر المعمودية ، مهلكا الشر ومنقذا أولاد الله .
" قال العدو : أتبع أدرك أقسم غنيمة . تمتلىء منهم نفسى . أجرد سيفى . تفنيهم يدى " ع 9
هذا هو عمل إبليس : الإرهاب المستمر والإضطهاد ، لهذا عندما دافع البابا أثناسيوس عن هروبه من وجه الأريوسيين مضطهديه أورد هذا القول معلقا عليه : [ أمرنا الرب بالهروب ، والقديسون هربوا . أما الأضطهاد فهو شر من عمل الشيطان ، يريد أن يمارسه ضد الكل ] .
" من مثلك يارب " ع 11
ليس لله شبيه فى قدرته وحبه وفى طبيعته بكونه غير المدرك ولا المنظور ولا متغير ، بلا بداية ولا نهاية . هذا الذى ليس له شبيه أعطانا بالتبنى أن نحسب أولادا له لكى نتشبه به ، كقول الرسول يوحنا " أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون ، ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو " 1 يو 3 : 2
" تمد يمينك فتبتلعهم الأرض " ع 12
يعلق العلامة أوريجانوس على هذه العبارة قائلا : [ اليوم تبتلع الأرض الأشرار ، ألا ترى أن الأرض تبتلع من ليس له إلا الأفكار والأعمال الأرضية ؟! ... فيشتهى الأرض ، ويضع فيها كل رجائه ، ولا يرفع نظره نحو السماء ، ولا يفكر فى الحياة العتيدة ، ولا يخشى دينونة الله ، ولا يبتغى مواعيده فى الأبدية ، إنما هو دائم التفكير فى الأمور الحاضرة ، راكضا نحو الأرضيات . إن رأيت إنسانا كهذا قل أن الأرض ابتلعته . إن رأيت إنسانا منسكبا على رغبات الجسد وشهواته ، ورأيت روحه بلا قوة لأن الجسد مسيطر على كل حياته فقل أن هذا الإنسان إبتلعته الأرض .... ] .
" حتى يعبر شعبك يارب .. حتى يعبر شعبك الذى إقتنيته " ع 16 :
كرر موسى النبى : " حتى يعبر شعبك " ليعلن أن غاية العمل هو الخلاص والعبور إلى الأبدية ، ولتأكيد أن العابرين هم شعب واحد من أصلين : يهودى وأممى .
" تجىء بهم وتغرسهم فى جبل ميراثك " ع 17
الله لا يريد أن يغرسنا فى مصر ( محبة العالم ) ولا فى أماكن فاسدة وشريرة ، لكنه يريد أن يقيمنا فى جبل ميراثه . لنفهم كيف يفعل هذا ؟ " كرمة من مصر نقلت ، طردت أمما وغرستها . هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض . غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله " مز 80 : 9 – 11 . إنه لا يغرسها فى الوديان بل على الجبال ، فى أماكن مرتفعة وعالية . لا يريد أن يترك الخارجين من مصر فى الحضيض إنما يقودهم من العالم إلى الإيمان ، يريد أن يقيمهم فى المرتفعات ، يريدنا أن نسكن فى الأعالى ، لا أن نزحف على الأرض .
" المقدس الذى هيأته يداك يارب " ع 17
يقول العلامة أوريجانوس : [ ما هو المقدس الذى لم يقمه إنسان بل هيأه الرب ؟
" الحكمة بنت بيتها " أم 9 : 3 . هذا الأمر إنما يخص تجسد الرب ، فإن الجسد الذى أخذه ليس من زرع إنسان ، إنما قام البناء فى العذراء كما تنبأ دانيال " قطع حجر بغير يدين ... أما الحجر فصار جبلا كبيرا " دا 2 : 34 ، 35 . هذا هو المقدس الذى ظهر فى الجسد ، الذى قطع بغير يدين ، أى ليس من صنع إنسان ] .
" مشوا على اليابسة فى وسط البحر " ع 19
يقول العلامة أوريجانوس : [ إن كنت أنت أيضا من بنى إسرائيل ( الجديد ) تستطيع أن تمشى على اليابسة وسط البحر . إن وجدت نفسك وسط جيل معوج وملتوى تضيىء بينهم كأنوار فى العالم متمسكا بكلمة الحياة لإفتخارى ( فى 2 : 15 ، 16 ) , من يتبع المسيح يسير مثله ( على المياة ) ، فتكون له المياة سورا عن يمينه ويساره ( ع 22 ) . يسير على اليابسة حتى يبلغ الحرية مترنما للرب بتسبحة النصرة ، قائلا
" أرنم للرب فإنه قد تعظم " ع 1 ] .
( 2 ) مريم المرنمة :
يرى القديس جيروم فى مريم أخت هرون كقائدة روحية للنساء فى ذلك الوقت صورة حية لعمل المرأة فى الكنيسة ، هذه التى تكرس حياتها لتسبيح الرب وتعلم الأخريات هذا العمل .
كما رأى فيها القديس أمبروسيوس صورة رمزية للكنيسة المترنمة للرب على الدوام ففى حديثه عن العذارى ، قال : [ ألم تكن رمزا للكنيسة البتول بروح بلا عيب تجمع الجماهير المتدينة لتنشد الأناشيد الإلهية ؟! إذ نسمع أنه كان يوجد عذارى مهتمات بذلك فى الهيكل بأورشليم ؟! ] .
( 3 ) من مارة إلى إيليم :
طريق البرية هو طريق الدخول فى ضيقات كثيرة ، بل بالحرى هو طريق خبرة العمل الإلهى فى حياتنا وسط الآلام ، وانفتاح القلب نحو السماويات .
ما أن عبر الشعب وفرح وتهلل ، حتى تحولت أفراحه إلى مرارة وضيق إذ شعروا بالعطش فتذمروا على موسى ( ع 24 ) ، إذ وجدوا ماء مرا لا يقدر أن يرويهم . ألقى موسى النبى بالشجرة فى المياة المرة فصارت حلوة .
ما هى هذه المياة المرة إلا وصايا الناموس ، التى أعطت مرارة للإنسان بسبب عجزه عن التنفيذ ، لكن دخل السيد المسيح ، شجرة الحياة فى الوصية ، فصير الناموس روحيا وجعله مرويا للنفس .
يرى كثير من الآباء فى الشجرة رمزا للصليب الذى يعمل فى مياة المعمودية فتتحول حياتنا من المرارة إلى العذوبة ، وعوض ما نحمله من أعمال الإنسان القديم نتمتع بالطبيعة الجديدة التى صارت لنا فى المسيح يسوع .
خروج – الإصحاح السادس عشر
تجربة الطعام
( 1 ) فى برية سين
فى سفر الخروج يقول : " ثم ارتحلوا من إيليم وأتى كل جماعة بنى إسرائيل إلى برية سين " ع 1 ، أما سفر العدد فيوضح بأكثر تفصيلا قائلا " ثم ارتحلوا من إيليم ونزلوا على بحر سوف ونزلوا فى برية سين " عدد 33 : 10 ، 11
يرى العلامة أوريجانوس أن إيليم تعنى " الأكباش " ، ولو أن البعض يرى أنها تعنى " الأشجار " . فى رأيه أن الأكباش تمثل قادة القطيع حيث الإثنا عشر تلميذا ( عين ماء ) والسبعون رسولا ( نخلة ) . هؤلاء قادوا بالمسيح يسوع الشعب إلى شاطىء بحر سوف ( عدد 33 : 10 ) ، لكنه من الجانب المملوء أمانا ، إذ عبروه مرة واحدة ، وفيه هلك إبليس وجنوده . الآن " يستطيعوا أن ينظروا البحر ويروا أمواجه لكنهم لا يخافون حركاته ولا عواصفه "
إرتحلت الجماعة المقدسة من بحر سوف ونزلت إلى برية سين ، وهى المدينة التى أنزل الله فيها المن للشعب للمرة الأولى ..
( 2 ) تذمر الشعب :
إذ مضى شهر على خروجهم من أرض العبودية قدموا لله تذمرا عوض تسبحة الشكر والحمد له ، إذ قالوا لموسى وهرون : " ليتنا متنا بيد الرب فى أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزا للشبع ، فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكى تميتا كل هذا الجمهور بالجوع " ع 3
يقول الكتاب " رجعوا بقلوبهم إلى مصر " ، حقا لقد ذاقوا مرارة العبودية والذل واختبروا عربون أرض الموعد ومارسوا حياة الغلبة والنصرة ومع هذا كانوا فى كثير من الأوقات يشتاقون إلى رائحة قدور اللحم ، إلى " شهوة العين وشهوة الجسد وتعظم المعيشة " أمام لذة الخطية الدنيئة ينسى الإنسان بركات الله ونعمه ، مشتهيا الذل عن الحرية !
لم يكن الجوع هو السبب فى التذمر بل كان ذلك طبعهم ، فإنهم حتى بعد أن قدم لهم هذا الطعام اليومى الطازج الذى لا يتعبون فيه لم يكفوا عن التذمر ، بل عادوا يبكون قائلين : " من يطعمنا لحما ؟ قد تذكرنا السمك الذى كنا نأكله فى مصر مجانا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم . والآن قد يبست أنفسنا ، ليس شىء غير أن أعيننا إلى هذا المن ؟! عدد 11 : 4 – 6
وكما يقول القديس جيروم : [ إحتقروا طعام الملائكة وتنهدوا على لحم مصر ، صام موسى أربعين يوما وأربعين ليلة على جبل سيناء مظهرا أن الإنسان لا يعيش على الخبز وحده بل على كل كلمة الله . يقول الرب إن الشعب شبع فصنع أوثانا . كان موسى يتسلم الشريعة المكتوبة بأصبع الله بمعدته الخاوية ، أما الشعب فأكل وشرب وقام لبلعب أمام العجل الذهبى ، مفضلين العجل المصرى عن جلالة الرب . حقا لقد ضاع تعب أيام كثية كهذه خلال الشبع لساعة واحدة !] .
( 3 ) المن والسلوى :
تذمر الشعب ولم يكن لدى موسى خزائن مادية لتشبع جوعهم لكنه إذ قبل عار المسيح حاسبا إياه غنى أعظم من خزائن مصر ( عب 11 : 26 ) لم يتركه الرب هو وشعبه معتازين إلى شىء .
هذا المن يشير إلى السيد المسيح الذى قدم جسده المقدس غذاء للنفس ، إذ قال :
" الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقى من السماء ، لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم .. آباؤكم أكلوا المن فى البرية وماتوا ، هذا هو الخبز النازل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ، والخبز الذى أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم " يو 6
بعد العبور كان يلزم للشعب أن يأكل طعاما جديدا غير طعام أرض العبودية ، يشبع كل واحد منهم . ونحن أيضا إذ دخلنا عهدا جديدا قدم لنا السيد طعاما روحيا حقيقيا يقدر أن يشبع النفس ويهبها حياة أبدية .
والعجيب أن المن بدأ ينزل على الشعب يوم الأحد كما هو واضح من قول الرب لموسى " وفى اليوم السادس إنهم يهيئون ما يجيئون به فيكون ضعف ما يلتقطونه يوما فيوما " ع 5 . وكان يوم الإستعداد للسبت ( الجمعة ) هو سادس يوم ينزل فيه المن ، فيكون قد بدأ النزول بالأحد . وبقيامة السيد المسيح من الأموات فجر الأحد قدم لنا جسده القائم من الأموات سر قيامة لنفوسنا وأجسادنا ، وصار الأحد العيد الكنسى الأسبوعى حيث نتمتع فيه بالمن السماوى .
قال موسى النبى " الرب يعطيكم فى المساء لحما لتأكلوا ، وفى الصباح خبزا لتشبعوا " ع 8 ما هو هذا المساء إلا آخر الأزمنة أو ملء الزمان الذى فيه حمل كلمة الله جسدا ، مقدما ذاته لنأكل ونشبع ! وبمجيئه فى ملء الزمان ، وسط الظلمة فى المساء ، أشرق بنوره علينا فتحول مساؤنا نهارا ، ودخلنا فى صباح جديد ، مقدما لنا خبزا جديدا تبع به البشرية المؤمنة .
طعم المن كرقاق بعسل ، والسيد المسيح " حلقه حلاوة وكله مشتهيات " نش 5 : 6 ، كان الشعب يلتقط المن صباحا فصباحا ... وشركتنا مع ربنا يسوع المسيح متجددة كل يوم ، ولقاؤنا معه مبكر جدا " الذين يبكرون إلي يجدونني " أم 8 : 17
إذ احتقر الشعب المن ضربهم الله ضربة عظيمة جدا ، ومن يأكل جسد الرب بدون استحقاق ينال دينونة لنفسه ( 1 كو 11 : 27 – 33 ) .
( 4 ) شريعة السبت
من جمع لنفسه منا فائضا لليوم التالى جمع دودا ونتانة ، وصار موضع سخط الله وغضب موسى النبى ، لكنه إذ جاء يوم الإستعداد للسبت إلتزم الجميع بجمع ضعفين ، وكان ذلك إشارة إلى الجمع والحفظ ليوم الراحة العظيم .
هذا اليوم ( السابق ) إنما هو الحياة الحاضرة التى فيها نعد أنفسنا للأشياء العتيدة
( 5 ) قسط المن
أمر موسى هرون أن يأخذ قسطا واحدا ويجعل فيه ملء العمر منا ويضعه أمام الرب ، يوضع فيما بعد فى تابوت العهد . بقى هذا تذكارا لعمل الله معهم ، ويحمل شهادة رمزية لمجىء السيد المسيح المن الحقيقى النازل من السماء ، [ وقد رأت الكنيسة فى القسط رمزا للقديسة مريم الحاملة للسيد المسيح فى أحشائها ] .
خروج الإصحاح السابع عشر
تجربة الشراب
( 1 ) فى رفيديم
يقول الكتاب : " ثم ارتحل كل جماعة بنى اسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم على موجب أمر الرب ونزلوا فى رفيديم ، ولم يكن ماء للشرب " ع 1 وبأكثر تفصيل يتحدث فى سفر العدد ( 33 : 12 – 15 ) أنهم ارتحلوا من برية سين إلى دفقة ومن دفقة إلى ألوش ومنها إلى رفيديم .
فى سفر الخروج أراد أن يتحدث عن رفيديم مباشرة بعد برية سين لكى يربط بين تجربة الشراب ( الصخرة المتفجرة ) وتجربة الطعام ( المن والسلوى ) . أما سفر العدد فتحدث بأكثر تفصيل حيث يرى العلامة أوريجانوس أن الجماعة خرجت :
" بحسب مراحلهم " ع 1 ، أى خرجت مقسمة إلى أربع مراحل بنظام وترتيب حسن ، خرجت من سين حتىبلغت رفيديم ، أى خرجت من التجربة بتدبير حسن حتى بلغت " التمييز الحسن " والحكم السليم ! أو على حد تعبيره [ من يخرج من التجربة بتدبير حسن يظهر فى يوم الدين سليما ( ذا حكم سديد ) ، أو بصحة بغير جراحات التجربة ، كما هو مكتوب فى سفر الرؤيا : " من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التى فى وسط فردوس الله " ( رؤ 2 : 7 ) . من يدبر أموره بالحق ( مز 162 : 5 ) يبلغ الحكم السليم ] .
( 2 ) تذمر الشعب :
وفى رفيديم أيضا تذمر الشعب على موسى قائلين : " لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش " ع 3 .
فى هذه المرة صرخ موسى بقلبه كما بلسانه قائلا : " ماذا أفعل بهذا الشعب ؟ بعد قليل يرجموننى ؟! " ع 4 .
فى البرية قد تثور فيك أفكار التذمر حينما تشتد بك الضيقة ، لكن ليكن لك قلب موسى ولسانه ، فتصرخ إلى الله الذى يخرج من الصخرة ماء !
صرخ موسى لله مؤمنا أن النعمة الإلهية تفوق كل إمكانيات الطبيعة ، إذ يستطيع الله بطريقة أو بأخرى أن يروى ظمأ هذا الشعب . وقد صارت حياة موسى بما احتوته من أعمال إلهية خارقة تمثل عمل النعمة فى الكنيسة .
( 3 ) الصخرة المتفجرة ماء :
أولا : تشير الصخرة إلى السيد المسيح كقول الرسول بولس : " وجميعهم أكلوا طعاما واحدا روحيا ، وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا ، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح " 1 كو 10 : 3 ، أما الماء المتفجر فهو الروح القدس الذى قدمه لنا السيد المسيح سر تعزيتنا وتقديسنا وشركتنا مع الآب فى إبنه .
ماكان للشعب أن يرتوى من هذا الينبوع ما لم يضرب بالعصا ، وهكذا ما كنا نعرف أن نرتوى من ينابيع محبة الله اللانهائية وننال الروح القدس فينا ، ما لم يضرب السيد المسيح محتملا خلال العدل الإلهى ثمن خطايانا على الصليب ..
قال الرب لموسى : " مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ اسرائيل ، وعصاك التى ضربت بها النهر خذها فى يدك واذهب . ها أنا أقف أمامك هناك . على الصخرة فى حوريب ... " ع 5 ، 6
دعوة الشيوخ لمرافقة موسى أثناء ضرب الصخرة وتفجير المياة إنما يحمل رمزا أن الناموس ( موسى ) ليس وحده الذى شهد للصليب ولكن أيضا الآباء البطاركة وكل الأنبياء اشتركوا مع الناموس فى الشهادة لعمل الفداء خلال الصليب .
ثانيا : يقول المرتل : " شق صخورا فى البرية وسقاهم كما من لجج عظيمة " مز 78 : 15 . هنا لم يقل " الصخرة " بل صخورا ، لعله يشير إلى رمز آخر ، هو أن المؤمنين الذين كانت قلوبهم قبلا قد تحجرت وجفت تفجرت فيها ينابيع حياة خلال الصليب لا لترتوى فقط وإنما لكى تفيض على الآخرين .
فى اليوم الأخير من العيد ( يو 7 : 37 ) إذ وقف رئيس الكهنة يسكب ماء أمام الشعب ليعلن عن عمل الله فى حياتهم ، وقف يسوع ونادى قائلا : "إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب ، من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى " .
( 4 ) حرب مع عماليق :
هذه هى المرة الأولى التى يدخل فيها الشعب فى حرب علانية مع شعب آخر ، قبلا حين أراد فرعون وجيشه أن يحاربوا الشعب كانت الأوامر الصادرة " قفوا وانظروا خلاص الرب ... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون " 4 : 14 – أما الآن بعدما تمتع الشعب بعبور البحر الأحمر ونالوا من الله كل شبعهم : المن والسلوى والصخرة المتفجرة التزموا أن يحاربوا ، لكن ليس بقوتهم البشرية إنما خلال عمل الله فيهم . وكانت هذه الحرب رمزا للحرب الروحية بين ملكوت الله وملكوت إبليس حيث تتم الغلبة لأولاد الله خلال الصليب ، ففى هذه الحرب نلاحظ الآتى :
أ- كنا نتوقع من موسى فى أول حرب علانية أن يصرخ راكعا أو منبطحا على الأرض ... لكننا نراه يبسط يداه على شكل صليب رمزا لغلبة الصليب .. [ غلب يسوع عماليق بهذه العلامة التى للصليب خلال موسى ] .
ب- كان موسى على رأس التل يرمز للسيد المسيح الذى صلب على جبل الجلجثة ، وكان يشوع مع رجال الحرب يجاهدون ضد عماليق رمزا لجهاد الكنيسة المستمر ضد الخطية .
جـ - لم يكن حور فى عظمة موسى النبى ، لكنه ما كان يمكن لموسى أن يبقى رافعا يديه بدون هرون وحور ... بهذا يدرك كل مؤمن موقعه فى العمل الإلهى ، ولا يستهن أحد بمواهبه مهما ظهرت أنها بلا قيمة .
د – رفع يدى موسى يشير أيضا إلى حياة المثابرة حتى النهاية .. يرفع يداه ذاك الذى يقول : " لتكن رفع يدى كذبيحة مسائية " مز 140 : 2 ، بهذا ينهزم عماليق .. لكن الرسول يوصينا أن نرفع " أيادى طاهرة بلا غضب ولا جدال " 1 تى 2 : 8 ، كما يقول : " قوموا الأيادى المسترخية والركب المخلعة ، وسيروا فى الطريق المستقيم " .
إن أردت أن تغلب إرفع يداك ، وارفع أعمالك ، ولا تمض حياتك على الأرض ..
هـ - إذ غلب الشعب عماليق صعد موسى إلى الجبل ليتسلم الشريعة بعد عمل إستعدادات ضخمة من جانب الشعب والكهنة ، وكأن المؤمن بعد كل نصرة على الخطية أى عماليق المحارب له ، يدعوه الرب للأرتفاع على جبل معرفة الله ليتسلم من يديه فهما أعمق ومعرفة لأسرار الوصية الإلهية .
خروج – الإصحاح الثامن عشر
مقابلة يثرون لموسى
( 1 ) يثرون يلتقى بموسى
" سمع يثرون كاهن مديان حمو موسى كل ما صنع الله إلى موسى وإلى اسرائيل شعبه " ع 1 ، ولعله سمع من إبنته صفورة التى رافقت موسى كل الطريق وعبرت معه البحر الأحمر ، وعندما اقتربت من سكن أبيها ذهبت إليه تكرز له بأعمال الله العجيبة ، وتأتى بأبيها الكاهن الوثنى ليسمع ويرى عمل الله فيقدم " محرقة وذبائح لله " ع 12 .
إن كان يثرون قد جاء بقلبه يمجد الله على أعماله الخلاصية ، فإن موسى أيضا العظيم فى الأنبياء ، الذى وهبه كل هذه العجائب لاقى حماه بكل اتضاع ... " خرج موسى لأستقبال حميه وسجد وقبله " ع 7 . النبوة لم تعلمه التشامخ على الآخرين بل الإتضاع أمام حميه الكاهن الوثنى . ولعله باتضاع كسبه أيضا للتعرف على أعمال الله
( 2 ) حديث فى الله :
إمتاز هذا اللقاء بأنه كان فى الرب ، لم يخرج عن تمجيد إسمه ، كما امتاز بالفرح الروحى ، إذ يقول الكتاب :
" ففرح يثرون بجميع الخير الذى صنعه إلى اسرائيل " ع 9 ، وبارك يثرون الرب ( ع 10 ) ، وشهد له أنه " أعظم من جميع الآلهة " ع 11 وقدم محرقة وذبائح لله ( ع 12 ) .
ما أجمل اللقاءات التى تسير كلها فى دائرة الرب وأعماله الخلاصية العجيبة ، فإنها تملأ القلب فرحا وتطلق اللسان للتسبيح وتكسب حتى غير المؤمنين للأيمان .
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل يقول الكتاب : " وجاء هرون وجميع شيوخ اسرائيل ليأكلوا طعاما مع حمى موسى أمام الله " ع 12 .... كأن يثرون عرف الله كصديق له ، حتى فى أكله وشربه يشعر بوجوده أمام الله . يعلق العلامة أوريجانوس على هذا التصرف قائلا : [ كل ما يفعله القديسون إنما يفعلونه أمام الله ، أما الخاطىء فيهرب من وجه الله ، كما هرب آدم من وجه الرب عندما أخطأ ! ] .
( 3 ) مشورة يثرون :
أولا : إذ رأى يثرون موسى يتحمل كل المسئولية بمفرده ، يقضى فى كل كبيرة وصغيرة ، من الصباح حتى المساء ، أشار عليه بتعيين رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات ، أناس ذوى قدرة ، خائفين الله ، أمناء ، مبغضين الرشوة ، يقضون بين الشعب كل حين ، أما الدعاوى الكبيرة فتقدم إليه . وأطاع موسى حماه .
يرى الآباء فى موقف موسى البطولة الحقة من جهة اتضاعه ، إذ يقول القديس يوحنا الذهبى الفم : [ يقول الله عن موسى " وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض " عد 12 : 3 . لم يكن من هو أكثر منه اتضاعا ، هذا الذى مع كونه قائدا لشعب عظيم كهذا ، وقد أغرق ملك المصريين ( فرعون ) وكل جنوده فى البحر الأحمر كالذباب ، وصنع عجائب عظيمة هكذا فى مصر وفى البحر الأحمر وفى البرية ، وتسلم شريعة عظيمة هكذا ، ومع ذلك كان يشعر أنه إنسان عادى ، وكزوج إبنة كان أكثر اتضاعا من حميه ؛ أخذ منه مشورة دون غضب ..... موسى فى اتضاع فكره تصرف حسنا ] .
إزدرى موسى بالبلاط الملكى ( عب 11 : 24- 26 ) من أجل اتضاعه الحقيقى ، لأن التفكير السليم والروح العالية إنما من ثمرة الإتضاع ، أى سمو وأى عظمة أن يحتقر موسى القصر الملوكى والمائدة الملوكية ؟!
ثانيا : إن رجعنا إلى سفر العدد نرى موسى يقول للرب " لماذا أسأت إلى عبدك ولماذا لم أجد نعمة فى عينيك حتى أنك وضعت ثقل جميع هذا الشعب علي . ألعلى حبلت بجميع هذا الشعب أو لعلى ولدته ؟! عد 11 : 11 ، 12 .
ما كان لموسى أن يستثقل عمل الرعاية ، لأن الله هو الراعى الحقيقى ، والأب غير المنظور الذى يرعى أولاده ، لذلك إذ طلب الله من موسى أن يختار سبعين رجلا قال له " فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح الذى عليك وأضع عليهم فيحملون معك ثقل الشعب فلا تحمله أنت وحدك " ع 11 : 7 ، وكأنه الرب الذى يعطى موسى سحب منه ليعطى مساعديه ...
إننا لا ننكر أهمية تشغيل الطاقات الروحية فى الكنيسة ، لكن ليس بروح التذمر ولا بالشعور كأننا نحن الذين نحمل أثقال الشعب ... إنما نحمل بركة مشاركتنا للسيد المسيح ، رئيس الكهنة وأسقف نفوسنا الخفى ، الحامل ضعفات الكل !
خروج – الإصحاح التاسع عشر
الإستعداد للشريعة
( 1 ) الحاجة للشريعة :
لم يكن ممكنا للخارج من أرض العبودية ، السالك فى طريق البرية القفر ، أن يبلغ أرض الموعد ويستقر فى أورشليم دون استلامه الشريعة الإلهية أو الوصية . لذا يصرخ المرتل فى أرض غربته ، قائلا " غريب أنا فى الأرض ، لا تخف عنى وصاياك " مز 119 : 19
تسلم الشعب الشريعة الموسوية ، التى قدمت لهم بطريقة تناسب طفولتهم الروحية ، وفى نفس الوقت حملت فى أعماقها أسرار " الكلمة الإلهى " ، لأنه ما هى الشريعة إلا كلمة الله الذى هو وحده القائد والمخلص والمنير والمشبع للنفس ، يقودها إلى حضن الآب ، ويدخل بها إلى أمجاده الإلهية . لذا يقول القديس مرقس الناسك : [ أن الوصية تحمل فى داخلها السيد المسيح ؛ من يدخل إلى أعماقها ويعيشها بالروح يلتقى بالكلمة الإلهى نفسه ]
ويتحدث المرتل فى المزمور 119 ( 118 ) عن الشريعة الإلهية كسند له فى غربته فيرى فيها :
أ – سر فرحه وسط آلام البرية : ع 103 من المزمور
ب- سر تسبيحه وتهليل نفسه : ع 54 من المزمور
جـ - سر غناه الداخلى : ع 72 من المزمور
د – قائدة للنفس ومرشدة لها وسط مضايقات الأعداء : ع 11 ، 61 ، 92 من المزمور
هـ – سر حياته ع 25 من المزمور
ز- سر الإستنارة ع 135 من المزمور
أخيرا إن الوصية تقدم لنا فى روحها وأعماقها شخص المخلص عريس النفس ومشبعها لهذا يقول : " لكل كمال رأيت حدا ، أما وصيتك فواسعة جدا " ع 96 من المزمور .
( 2 ) شريعة سيناء :
حدد سفر الخروج بدء استلام الشريعة بالشهر الثالث من الخروج وموضع الإستلام " سيناء " حيث نزل الشعب مقابل جبل سيناء ( ع 1 ، 2 ) .
أما رقم " 3 " ( الشهر الثالث ) فيشير إلى قيامة السيد المسيح الكلمة الإلهى فى اليوم الثالث ، وكأن الله يريدنا أن نلتقى به خلال الوصية فى مجد القيامة ، فلا نراها أوامر ونواة ، ولا نواميس مكتوبة وفرائض وقوانين ، بل سر قيامة لنا فى الأمجاد الإلهية .
( 3 ) غاية الوصية :
قبل أن يتحدث الله عن غاية الشريعة أعلن حبه العملى للشعب ، قائلا : " أنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلي " ع 4 ، وكأنما أراد أن يوضح أن الحب المتبادل هو أساس هذه الشريعة ، لقد أحبنا وحملنا بالروح القدس ( أجنحة النسور ) وجاء بنا إليه ، أى إلى أحضانه الإلهية ، لنختبر أحشاء محبته ونتعرف على أبوته .
هذه هى غاية الشريعة : " تكونون لى خاصة من بين جميع الشعوب ؛ فإن لى كل الأرض ، وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة " ع 5 ، 6 . مع أنه ليس فى احتياج لأن كل الأرض له ، لكنه يريد أن نكون خاصته ، لنا دالة النبوة ، مملكة كهنوتية وأمة مقدسة مكرسة له تحمل طبيعته كقدوس .
( 4 ) الإستعداد للشريعة :
أولا : دعى موسى الشعب ووضح أمامهم الكلمات التى أوصى بها الرب ، كإنما يعرض عليهم العهد الذى يريد أن يقيمه الله مع شعبه ، وبالفعل أعلن الشعب قبولـه للعهد ، إذ : " قالوا كل ما تكلم به الرب نفعل " ع 8 .
الله لا يلزمنا بالعهد ما لم نعلن قبولنا له أولا !
للأسف قبلوا العهد بالكلام لكنهم رفضوه بالعمل ، فصار الناموس بالنسبة لهم لا ينفع شيئا ... قالوا " كل ما تكلم به الرب نفعل " ، لكنهم كسروا الوصية وحنثوا العهد ، حتى جاء المخلص الذى وحده يقدر أن يتمم مشيئة الرب ووصيته فى كمالها ، وفيه نصير نحن أيضا كاملين وغير كاسرين للناموس .
ثانيا : طلب الرب من موسى أن يتقدس الشعب ويغسلوا ثيابهم ، ويكونوا مستعدين لليوم الثالث ، لأنه فى اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء .
يقول العلامة أوريجانوس : [..... لقد غسلت ثيابك مرة واحدة عندما نلت نعمة المعمودية ، وتطهر جسدك ، وتخلصت من كل دنس الجسد والروح ، " فالذى طهره الله لا تدنسه أنت " أع 10 : 15 ]
يرى البابا أثناسيوس فى هذا الإستعداد رمزا للدخول إلى الحياة الفاضلة التى بدونها لا يقدر أن يدخل موسى إلى حضرة الله ويتسلم الشريعة ، إذ يقول : [ خلال الفضيلة يدخل الإنسان إلى الله كما فعل موسى فى السحابة الكثيفة حيث كان الله . أما خلال الرذيلة فيخرج الإنسان من حضرة الرب كما حدث مع قايين حين قتل أخاه ( تك 4 : 16 ) ، إذ خرج من لدن الرب عندما قلقت نفسه ] .
كان الأمر صريحا : " كونوا مستعدين لليوم الثالث ، لا تقربوا إمرأة " ع 15 ، ليس لأن العلاقة الزوجية تحمل شيئا من الدنس ، وإنما لأجل تكريس كل الطاقات وانشغال الفكر بالكامل فى انتظار الوصية ..
وكما استقبل الشعب قديما كلمة الله المنقوشة على اللوحين بالإمتناع عن العلاقات الزوجية والإغتسال ، وضعت الكنيسة على أولادها أن يمتنعوا عن فراش الزوجية ليلة تناولهم " الكلمة الإلهية " ، كما وضعت طقسا جميلا لغسل أيدى الكهنة قبل استلام الحمل ، فيه يراجع الكاهن نفسه فى أمر نقاوة نفسه واستعداده الداخلى للخدمة .
ثالثا : يحذر الرب الشعب قائلا : " احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه ؛ كل من يمس الجبل يقتل قتلا ... بهيمة كان أم إنسانا لا يعيش ؛ أما عند صوت البوق فهم يصعدون إلى الجبل " ع 12 ، 13 فلكى يصعد موسى ( الداخلى ) على جبل المعرفة وينعم بالأسرار الإلهية يلزمنا ألا نسمح للحواس التى تنشغل بالأمور المادية كالنظر والسمع أن ترتفع معنا ولا أيضا الشهوات الحيوانية .
( 5 ) حديث مع الله :
أولا : يقارن الآباء بين لقاء الشعب مع الله فى العهد القديم ولقائهم معه فى العهد الجديد ، ففى العهد القديم أقام موسى للشعب حدودا من كل ناحية حتى لا يصعدوا على الجبل أو يمسوا طرفه " كل من يمس الجبل يقتل قتلا ، لا تمسه يد بل يرجم رجما أو يرمى رميا ، بهيمة كان أم إنسانا لا يعيش " ع 12 ، 13 ...... أما فى العهد الجديد فجاء كلمة الله ذاته وجلس على الجبل ( مت 5 ، 6 ، 7 ) والتف حولـه الخطاة كأولاد له ، إنه يفتح بابه للجميع طالبا بنوتهم له !
فى العهد القديم حدثت رعود وبروق وسحاب ثقيل وصوت بوق شديد جدا حتى ارتعد كل الشعب فى المحلة .. " قالوا لموسى : تكلم أنت معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت " 20 : 19 ..... أما فى العهد الجديد فكان الرب يتكلم بصوت هادىء وديع ليجتذب الكل إليه . وكما يقول القديس أغسطينوس : [ هناك أعطى الناموس خارجيا حتى يرتعب الأشرار ، وهنا يقدم بطريقة داخلية تبريرهم " . فى القديم عامل البشرية كأطفال صغار يسمعون الصوت المرهب لكى يخافوا ، أما فى العهد الجديد فيحدثنا كأبناء ناضجين يريدنا أصدقاء وأحباء له ] .
شكرا لله الذى فتح أمامنا طريق الجبل المقدس وجعل كلمته تدعونا جميعا بلا استثناء لا لنتسلم الشريعة منقوشة على لوحين من الحجر ، إنما ليعطينا كلمته حيا فى داخلنا ، ووصيته منقوشة فى قلوبنا !
ثانيا : إستخدم الله صوت بوق شديد جدا حتى ارتعد كل الشعب الذى فى المحلة ...
صوت البوق إنما يرمز للكرازة بالتجسد الإلهى ، الأمر الذى بوق به الأنبياء ليعلنوا للبشرية قرب مجيئه ، لكنه إذ جاء الرسل وارتفعوا إلى قمة الجبل المقدس " كان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا " ع 19 ، أى أعلنوه بأكثر قوة حتى بلغ صوتهم أقصة المسكونة ورسالتهم نهاية العالم ( مز 19 : 5 ) .
ثالثا : نزل الرب على جبل سيناء كنار آكلة ، كان يتحدث مع موسى والجبل يدخن : " وصعد دخانه كدخان أتون وارتجف كل الجبل جدا " ع 18 .
يقول المرتل عن الله : " قدامه تذهب نار " مز 79 : 3 ، إذ هو نفسه نارا آكلة ، وخدامه حوله ويتقدمونه كنار ملتهبة ( مز 104 : 4 ) يحرقون من كان خشبا أو عشبا أو قشا ، كما ينقون من كان ذهبا أو فضة أو حجارة كريمة .
رابعا : يقول الرب لموسى : " ها أنا آتى إليك فى ظلام السحاب " ع 9 ، وبالفعل : " فى اليوم الثالث لما كان الصباح أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل " ع 16
ويقول الكتاب المقدس :
" وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله " 20 : 20
إذن ما هو هذا السحاب والضباب الذى اقترب إليه موسى ليسمع صوت الرب ؟
يجيب القديس جيروم على هذا السؤال خلال تعليقه على قول المرتل " السحاب والضباب حوله " مز 97 : 2 ، إذ يقول : [ أمران يحيطان بالرب : السحاب والضباب ( الظلام ) . أظن أنها ذات السحابة التى وردت فى ألإنجيل " وسحابة نيرة ظللتهم " مت 17 : 5 . هذا حدث عندما تجلى الرب وسقط التلاميذ على وجوههم أمامه ، وجاءت سحابة نيرة ظللتهم . ]
" السحاب والضباب حولـه " : " هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر " إش 19 : 1 ما هى هذه السحابة السريعة ؟ أظنها القديسة مريم التى حملت الإبن بغير زرع بشر .. جاءت هذه السحابة السريعة إلى العالم وأحضرت معها خالق العالم . ...
الرب فى الضباب : هو فى النور وفى الضباب ، هو فى النور بالنسبة للمبتدئين الذين يتحدث معهم بوضوح ، لكنه بالنسبة للمتقدمين يحدثهم بطريقة سرائرية ، فهو لا يتحدث مع الرسل كما مع الجماهير ، هذا هو معنى " وضباب حولـه " .. أى حولـه أسرار ، لهذا يقول فى سفر الخروج أن كل شعب الله غير قادر على التعرف على الأسرار ، أما موسى فكان وحده يقدر أن يفهم . لهذا يقول الكتاب : " جعل الظلمة سترة حوله " مز 18 : 12 .
( 6 ) تحذير للشعب والكهنة :
دعا الله موسى ليحذر الشعب والكهنة لئلا يقتحموا الجبل فيسقط منهم كثيرون ( ع 21 ) ولئلا يبطش الله بالكهنة ! لقد تحول الجبل إلى قدس أقداس بنزول الرب عليه ، لذا خاف الرب على شعبه وكهنته لئلا يهلكون بسبب حب استطلاعهم واقتحامهم المقدسات الإلهية المهوبة !
لم يصعد إلا موسى وهرون ، موسى كممثل للكلمة الإلهية وهرون كممثل لكهنوت السيد المسيح ، فالمسيح وحده الكلمة الإلهى والكاهن يدخل إلى المقدسات الإلهية ، وبدونه نهلك ! .