رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أزليته وقِصَر أيامه! ضعَّف في الطريق قوتي، قصَّر أيامي. أقول: ياإلهي، لا تقبضني في نصف أيامي.. من قدم أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك ( مز 102: 23 - 25) هذا المزمور العجيب (مزمور102) يجمع ما بين ناسوت ربنا القدوس وبين لاهوته المجيد. ففي ناسوته ومحدودية عمره يقول: «لأن أيامي قد فَنيَت في دخان وعظامي مثل وَقيدٍ قد يَبِست» (ع3). ولكنه باعتباره الله، هو الأزلي، الذي منذ الأزل إلى الأبد هو الله، القديم الأيام الذي خاطبه الآب بالقول: «وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك، هي تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوبٍ تبلى، وكرداءٍ تطويها فتتغير، ولكن أنت أنت، وسنُوك لن تفنى» ( عب 1: 10 - 12 اقتباسًا من ع25). إن الذي وُلد من امرأة هي العذراء مريم، هو بعينه الذي لا بداية أيام له ولا نهاية حياة. وبينما يشير المزمور في صور ليس لها نظير، إلى مسكنته وذله وضعفه، فإنه يحدثنا أيضًا عن لاهوته وخلقه للعالمين. يا له إذًا من شخص فريد وعجيب!! فهو باعتباره الإنسان قد أعيا في أيام جسده، وظهر له في بستان جثسيماني ملاك من السماء ليقويه ( لو 22: 34 )، ولكن باعتبار لاهوته فإنه «يعطي المُعيىَ قدرة، ولعديم القوة يكثِّر شدة» ( إش 40: 29 ). وذاك السرمدي، الذي أسس الأرض والسماء منذ القديم (ع25)، والذي سيبقى بعد أن تبيد السماء والأرض (ع26)، نقرأ هنا كيف قَصُرت أيامه كأيام البشر، بل وأقل ( مز 89: 47 )، ولقد أشار إلى ذلك في ثلاثة تشبيهات: «دخان» (ع3): يتلاشى سريعًا. و«عشب» (ع4، 11)، ييبس سريعًا ( مز 90: 5 ، 6). ثم «ظل عند ميله» (ع11) ـ أي الظل ساعة الغروب، إذ يتحرك بسرعة لكي ينتهي إلى الظلام. هو تشبيه يوضح السرعة، وأيضًا النهاية المُظلمة، حين تغيب الشمس ولا يبقى شيء سوى الظلام! ثم في ختام المزمور يَرِد في صلاته: «أقول يا إلهي لا تقبضني في نصف أيامي» (ع24). إنه بحق العود الرطب ( لو 23: 31 )، الفريك الذي قُطِع وهو لا يزال أخضر ( لا 2: 14 ). ويا للعجب أن ذاك الذي يتنهد حزينًا حتى الموت في بستان جثسيماني، ابن الله المبارك في مكان اتضاعه، يخاطبه الله كخالق السماء والأرض. وعندما يبيد كل ما حولنا، وعندما تنحل العناصر وتذوب، سيبقى هو له المجد في كل سلطانه ومجده الأبدي. |
|