وأيضاً، لإقناعكم أنكم لم تفهموا شيئاً في الكتب المقدسة، سأُذكركم بمزمور آخر لداود أُملِيَ عليه بالروح القدس، الذي تقولون (عنه) أنه يشير إلى سُليمان الذي كان أيضاً ملككم. ولكنه يشير أيضاً إلى مسيحنا. ولكنكم تخدعون أنفسكم بألأشكال الغامضة من الكلام. لأنه عندما يقول "ناموس الرب كامل" فإنكم لا تفهمون أنه الناموس الذي يكون بعد موسى، لكن الناموس الذي أُعطِيَ بموسى،على الرغم من أن الله أوضحَ أنه سيضع ناموس جديد وعهد جديد. وعندما قيل "اللهم إعط أحكامك للمَلِك" عندما كان سليمان هو الملك (وقتها) فأنتم تدعون أنها تشير إليه، على الرغم من أن كلمات المزمور تُعلِن بوضوح أن الإشارة (كانت) إلى المَلِك الأبدى، لأن المسيح هو ملك وكاهن وإله (God) ورب وملاك وإنسان وقائد وحجر وإبن مولود. خضعَ للآلام في البداية ثم عاد إلى السماء ويأتي مرةً أخرى في مجدهِ، وقد بشّرَ بملكوت أبدي (He is preached as having the everlasting kingdom) لذلك أنا أُثبتُ من كل الكتب المقدسة (الأسفار، حيث كان يوستينوس في هذا الحوار يأتي بمواضع كثيرة من الاسفار المقدسة للعهد القديم ويقوم بتفسيرها). ولكن حيث أنه من الممكن ان تدرك ما أقول، أنا أقتبس كلمات المزمور التي تقول "اللهم اعطي احكامك للملك وبرك لابن الملك" وتأييداً لهذا سأستشهد بكلمات المزمور القائل: "1 لِسُلَيْمَانَ اَللهُمَّ أَعْطِ أَحْكَامَكَ لِلْمَلِكِ وَبِرَّكَ لاِبْنِ الْمَلِكِ2 يَدِينُ شَعْبَكَ بِالْعَدْلِ وَمَسَاكِينَكَ بِالْحَقِّ 3 تَحْمِلُ الْجِبَالُ سَلاَماً لِلشَّعْبِ وَالآكَامُ بِالْبِرِّ 4 يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ 5 يَخْشُونَكَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ وَقُدَّامَ الْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ 6 يَنْزِلُ مِثْلَ الْمَطَرِ عَلَى الْجُزَازِ وَمِثْلَ الْغُيُوثِ الذَّارِفَةِ عَلَى الأَرْضِ 7 يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ الصِّدِّيقُ وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ 8 وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ 9 أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ 10 مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً11 وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ 12 لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ وَالْمَِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ 13 يُشْفِقُ عَلَى الْمَِسْكِينِ وَالْبَائِسِ وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ 14 مِنَ الظُّلْمِ وَالْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ 15 وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا. وَيُصَلِّي لأَجْلِهِ دَائِماً. الْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ16 تَكُونُ حُفْنَةُ بُرٍّ فِي الأَرْضِ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ. تَتَمَايَلُ مِثْلَ لُبْنَانَ ثَمَرَتُهَا وَيُزْهِرُونَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِثْلَ عُشْبِ الأَرْضِ17 يَكُونُ اسْمُهُ إِلَى الدَّهْرِ قُدَّامَ الشَّمْسِ يَمْتَدُّ اسْمُهُ. وَيَتَبَارَكُونَ بِهِ. كُلُّ أُمَمِ الأَرْضِ يُطَوِّبُونَهُ18 مُبَارَكٌ الرَّبُّ اللهُ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الصَّانِعُ الْعَجَائِبَ وَحْدَهُ19 وَمُبَارَكٌ اسْمُ مَجْدِهِ إِلَى الدَّهْرِ وَلِْتَمْتَلِئِ الأَرْضُ كُلُّهَا مِنْ مَجْدِهِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ"[1] (مز 72) وفي نهاية هذا المزمور الذي إقتبسته مكتوب "تمت صلوات داود ابن يسى". وأيضاً سليمان كان ملكا عظيما ومشهورًا وهو الذي بنى الهيكل الذي بأورشليم ولكن من الواضح أنه لم يحدث له أي من هذه الأشياء المذكورة في المزمور، ولا مَلََكَ إلى أقاصي الأرض، ولا سقط أمامهُ أعداؤه يلحسون التراب، وإنى لا أتردد في الإستشهاد بما جاء في سفر الملوك حيث مكتوب أن سليمان عبد الأوثان في صيدا من أجل إمرأءة. وعلى عكس ذلك، فإن الأمم التي تعرف الله خالق العالم من خلال يسوع المصلوب يفضلون احتمال الآلام والعذبات وحتى الموت على عبادة الأصنام أو أكل ما ذبح للأصنام. [2]
يا أصدقائى، كان ومازال هناك أناس كثيرون يأتون بإسم المسيح ويعلمون آخرين تعاليم وتصرفات تجديف وإلحاد ونحن نسمى كل أحد منهم مبتدع لتعليم باطل بعد إسمه بإسم الرجال الذين إستقوا منهم مصدر عقيدتهم ورأيهم (يقصد هنا يوستينوس أن كل مبتدع كان له أتباع يسموون بإسمه وهذا إستمر بعد يوستينوس بقرون كثيرة)، لأن أحداً له طريق وآخر له طريق آخر يعلمون كيف يُجَدّف على خالق الكون، والمسيح الذي أنباً من قبل أنه قادم، وإله إبراهيم وإسحق ويعقوب. وهؤلاء جميعًا لا نشترك معهم في أي شيء، حيث أننا نعرف أنهم ملحدون بعيدون عن التقوى وخطاة أشرار يعترفون بيسوع فقط بشفاههم ولكنهم لا يعبدونه.[3]
وقال تريفو: لقد سمعنا رأيك في هذه الأمور فأكمل كلامك من حيث توقفت ومن ثمّ قم بإنهاءه، لأنه بعضه يبدو لى أن لا يعقل وغير قابل للإثبات. حيث عندما تقول بأن هذا المسيح هو الله الكائن قبل الدهور، الذي وافق على أن يولد ويصير إنسانًا مع أنه ليس من أصل بشرى لا يبدو لي متناقضًا فقط بل مناف للطبيعة والعقل.[4]
قلت: يا أصدقائى، سأعطيكم شهادة أخرى من الكتب (الأسفار) المقدسة أن الله في البدء (ἀρχὴν) قد وَلدَ (γεγέννηκε) من ذاته قوة عاقلة خاصة الذي سماه الروح القدس الآن "مجد الرب"،"الإبن"،وأيضاً "الحكمة"، وأيضاً "ملاك"، فـ"الله"، فـ"الرب واللوجوس"، وفي مرة أخرى يطلق على نفسه "الرئيس"، عندما ظهر في شكل بشري ليشوع بن نون" ... فعندما ننطق بكلمة نستطيع أن نقول أننا نلد الكلمة لكن ليس بقطعها أى أن قدرتنا على نطق الكلام لا تزول. ونحن نلاحظ مثلاً مشابهًا في الطبيعة عندما تشعل نار نارًا أخرى دون أن تفقد شيئًا بل تظل كما هي. وتظل النار التي أُشعلت قائمة بذاتها ومضيئة دون أن تنقص من وهج النار الأولى. وسأكد كلامى من كلمة الحكمة الذي هو هذا الإله المولود من الآب وهو كلمة من ولده وحكمته وقدرته ومجده.وهو يمكن أن يدعى بكل هذه الأسماء، لأنه يصنع إرادة الآب ولأنه ولد بفعل إرادة الآب. ألم نر ما يحدث بيننا نحن (البشر) عندما نتكلم فنحن نلد الكلمة (يقصد هنا الكلمة العادية المنطوقة) لكن ليس بقطعها ولا محوها، فهى تبقى معنا عندما ننطق بها، وأيضاً ما نراه يحدث في حالة النار، فهى تُشعِلُ نارا أخرى ولكنها تبقى كما هى، وتظل النار التي أُشعلت قائمة بذاتها دون أن تنقص من وهج النار الأولى. كلمة الحكمة الذي هو نفسه هذا الإله المولود من الآب لكل شيء، والكلمة والحكمة والقوة والمجد للوالد (الآب)، سوف يعطيني دليلاً عندما يتكلم عن طريق سليمان كالتالي "22الرب قناني اول طريقه من قبل اعماله منذ القدم23منذ الازل مسحت منذ البدء منذ اوائل الارض24اذ لم يكن غمر ابدئت اذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه 25 من قبل ان تقررت الجبال قبل التلال ابدئت26اذ لم يكن قد صنع الارض بعد ولا البراري ولا اول اعفار المسكونة27لما ثبت السموات كنت هناك انا.لما رسم دائرة على وجه الغمر28لما اثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر 29 لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم اسس الارض30كنت عنده صانعا وكنت كل يوم لذته فرحة دائما قدامه31فرحة في مسكونة ارضه ولذاتي مع بني ادم32فالان ايها البنون اسمعوا لي.فطوبى للذين يحفظون طرقي33اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه34 طوبى للانسان الذي يسمع لي ساهرا كل يوم عند مصاريعي حافظا قوائم ابوابي35لانه من يجدني يجد الحياة وينال رضى من الرب36 ومن يخطئ عني يضر نفسه.كل مبغضي يحبون الموت[5]"[6]
على سبيل المثال، هم علموكم أن هذا النص المقدس الذي نناقشه الآن يشير إلى حزقيا ، وكما وعدتك أني سأثبت خطأهم، فهم يضطرون للموافقة على أن بعض النصوص التي ذكرناها لهم والتي تثبت بوضوح أن المسيح لابد أن يتألم ويُعبَد (او: يسجد له) ويدعى الله تشير إلى المسيح. ولكن معلميكم ينكرون بجسارة أن هذا الرجل هو المسيح، ولكنهم يعترفون أنه سوف يأتى ليتألم ويحكم ويُعبَد (او: يسجد له) كـ"الله".[7]
ولكن لماذا لا تبحثون كذلك في سبب تغير إسم هوشع بن نون المعطى له من أبيه إلى يشوع (يسوع)؟ الذي لم يتغير اسمه فقط بل هو أيضا خلَف موسى ومن بين معاصريه الذين هربوا من مصر كان هو وحده من معاصريه الذين خرجو من مصر الذي قاد بقية الشعب إلى الأرض المقدسة. وكما أن يشوع وليس موسى هو الذي قاد الشعب إلى الأرض المقدسة وقسمها بالقرعة بين من دخلوها، هكذا أيضا يسوع المسيح سوف يجمع الشعب المتفرق ويوزع عليهم الأرض الطيبة ولكن ليس بنفس الطريقة، لأن يشوع أعطاهم ميراثًا لزمن معين فقط إذا لم يكن هو المسيح الذي هو الله ولا إبن الله. أما يسوع فهو أعطانا بعد قيامته المقدسة ميراثًا أبديًا ... وقد أثبتُ لكم أن يسوع هو الذي ظهر وتحدث لموسى وإبراهيم وجميع الآباء الآخرين بلا أي إستثناء وتحدث معهم مُمثلاً (ministering) لإرادة الآب وأقول هو أيضا صار إنساناً مولوداً من مريم العذراء ويحيا إلى الأبد.[8]
وعليكم أن تصدقوا زكريا عندما يصف بمثل خفى سر المسيح حيث يعلن ذلك بغموض، فكلماته التالية: "[تَرَنَّمِي وَافْرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ لأَنِّي هَئَنَذَا آتِي وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ يَقُولُ الرَّبُّ 11 فَيَتَّصِلُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ بِالرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَكُونُونَ لِي شَعْباً فَأَسْكُنُ فِي وَسَطِكِ فَتَعْلَمِينَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكِ 12 وَالرَّبُّ يَرِثُ يَهُوذَا نَصِيبَهُ فِي الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَيَخْتَارُ أُورُشَلِيمَ بَعْدُ 13 اُسْكُتُوا يَا كُلَّ الْبَشَرِ قُدَّامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِهِ] 1 وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِماً قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ 2 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ. لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ. أَفَلَيْسَ هَذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟]" (زك 10:2-13، 2،1:3)[9]، وبينما كان تريفو على وشك أن يجيبني ويعترضني، قلت: انتظر وأسمع ما أقول أولاً، فأنا لن أعطي التفسير الذي تظنه أنت، كما لو لم يكن قط كاهن يدعى يسوع في بابل الأرض التي سُبى إليها شعبكم. كما لو لم يكن هناك كاهناً بإسم يشوع (يسوع) في أرض بابل حيثما كانت أُمَّتَكُم مسبية، وحتى إن كنت سأفعل (سأفسر) فأنا قد بيّنتُ أنه حتى ولو كان هناك كاهناً يسمى يشوع (يسوع) في أُمتكُم فالنبي لم يرهُ في رؤياه كما أنه لم ير الشيطان أو ملاك الرب بعينه في صَحوِهِ بل في حالة تنبؤ (trance) عندما كانت الرؤيا له ... كذلك أنا الآن أشرح لكم لأريكم أن الرؤيا التي حدثت بين شعبكم في بابل في أيام يسوع (يشوع) الكاهن كانت إعلان عما سيفعله كاهننا الذي هو الله، والمسيح إبن الله الآب لكل الأشياء.[10]
وفقاً لذلك فإن إسم "إسرائيل" يبين هذا، إنسان يتغلب على القوة، لأن "إسرا" تعني إنسان يتغلب، و"ئيل" تعنى قوة، وأن المسيح سيفعل هذا عندما يتجسد فهذا مُخْبَر عنه في مصارعة يعقوب معه (المسيح) فهو الذي ظهر له، مما يشير إلى أن المسيح نفّذَ إرادة الآب مع أنه هو الله، البكر (πρωτότοκον) لكل خليقة.[11]
قلت: ولكن يا تريفو لو كنت تعلم من هو الذي دعيّ ذات مرة حزقيال ملاك المشورة[12] وإنسانًا بواسطة حزقيال، ومثل ابن إنسان يدعوه دانيال، وولداً بواسطة أشيعاء، ويدعوه داؤود الله والمسيح لكي يُعبَد، ويدعوه (أنبياء) كثيرون مسيحًا وحجرًا، ويدعوه سليمان الحكمة، ويدعوه موسى يوسف ويهوذا والنجم، ويدعوه زكريا الشرق، ويدعوه أشعياء أيضا المتألم ويعقوب وإسرائيل والعصا والزهرة وحجر الزاوية وابن الله، لو كنت تعلم ما جدفت عليه، ذاك الذي الآن قد اتى ووُلدَ وتألمَ وصعد إلى السماوات والذي سيأتي أيضاً مرة أخرى، حينئذ تبكى وتنوح عليه أسباطكم الإثنا عشر.[13]حقًا لو أنكم فهمتم ما كتبه الأنبياء لما أنكرتم أنه الله وابن الإله غير الموصوف (المرئي) والمولود (الآب). [14]
هذه والنصوص المماثلة الأخرى تم تسجيلها بواسطة المُشَرّع والأنبياء، وأعتقد أني ذكرت هذا بما فيه الكفاية أنه حيثما يقول الله "صعد الله عن إبراهيم" (تك 22:17) أو "إن الرب كلم موسى" (خر 29:6) أو "فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما" (تك 5:11) أو "وأغلق الرب (الفلك) على نوح" (تك 16:17)، فلا ينبغى أن تظنوا أن الإبه غير المولود (الآب) ذاته هو الذي نزل وصعد أو ذهب لأي مكان. فالآب غير الموصوف ورب الجميع لم يأت لأي مكان ولا مشى ولا نام ولا قام بل يظل دائماً في مكانه (يقصد التأكيد على أن الآب لا يتحرك) ناظراً وسامعاً سريعاً ليس بعيون ولا بآذان، بل يظل غير موصوف وهو يرى ويعرف كل الأشياء وليس أحداً منها هارباً عن نظره، وهو لا يتحرك أو يمكن حصره في مكان محدد في العالم كله، فهو كان قبل أن يُخلَق العالَم. إذن فكيف يتكلم مع أي شخص أو أن يُرَى بواسطة أي شخص أو أن يظهر في بقعة صغيرة من الأرض؟ في حين أن شعب سيناء لم يقدر أن ينظر إلى مجده الذي أُرسل منهُ، وموسى نفسه لم يستطع أن يدخل إلى المكان الذي نصبه (خيمة الإجتماع) التي بناها عندما إمتلأ بمجد الله في حين أن الكاهن لم يستطع أن يستمر واقفاً أمام الهيكل (القدس) عندما أدخلَ سليمان التابوت إلى المبنى الذي كان قد بناه في أورشليم، وبالتالي، فلا إبراهيم ولا أسحق ولا يعقوب ولا أي شخص قد رأى الآب غير الموصوف ورب كل الخليقة ورب المسيح أيضاً، ولكنهم قد رأوا ذاك الذي حسب إرادته هو إبنه، هو الله، وهو الملاك، لأنه المُنَفِذ لإرادته، هذا الذي بإرادته صار أنسانًا مولوداً من عذراء وهو الذي صار نارًا عندما كلم موسى من العليقة.[15]
عندما يقول الكتاب "فأمطر الرب نارًا من عند الرب من السماء" (تك 24:19) الكلمة النبوية تشير إلى أنهما إثنان في العدد، أحدهما على الأرض (يقصد الإبن) وقد جاء ليشهد على صراخ سدوم. والآخر في السماء الذي هو رب الرب الذي على الأرض، وهو الآب والله، فهو سبب قوته وأيضاً كونه الرب والله (καὶ δυνατῷ καὶ κυρίῳ καὶ Θεῷ).[16]