وإذ يتضح أن مثل هذه الأفكار غير اللائقة إنما هى بعيدة عن الحقيقة، لذلك فمن الضرورى أن نقول أن ما هو من جوهر الآب الذاتى كلية، إنما هو الابن. لأن القول بأن الله يشترك فيه كلية هو نفس القول بأن الله يلد. وأن الله يلد. ماذا يعنى هذا القول سوى أنه يلد ابناً؟
وكل الأشياء تشترك فى الابن بحسب النعمة النابعة من الروح. ويتضح من هذه ان الابن نفسه ليس مشاركاً لشئ ما. وأما ما يشترك فيه من الآب، فهذا هو الابن – لأنه بإشتراكنا فى الابن. يقال عنا أننا نشارك فى الله. وهذا ما قاله بطرس: "لكى تصيروا مشاركين فى الطبيعة الالهية"(43) وكما يقول الرسول أيضاً "أما تعلمون أنكم هيكل الله"(44) وأيضاً "لأننا نحن هيكل الله إنما هى معرفة تدور حول الآب، لان الابن هو مولود ذاتى من جوهره. وكما أن الله يشترك فيه. فلا يستطيع أحد أن يقول أن هذا (الاشتراك فيه) هو ألم وتقسيم لجوهر الآب (لأنه قد صار أمراً واضحاً ومعترفاً به أن الله يشترك فيه. والاشتراك فى الله هو نفسه الولادة (هو نفسه أن الله يلد)). وهكذا يتضح أن الولود ليس بألم (بتغيير) ولا بتقسيم لذلك الجوهر المبارك. وليس كفراً (من عدم الإيمان) أن يكون لله ولد. مولود ذات جوهره وحينما نقول أنه "ابن" و "مولود" فلا يعنى هذا تغيراً ولا تقسيماً لجوهر الله. بل بالاحرى، نحن نعرف أنه ابن الله الوحيد الجنس، الأصيل والحقيقى. وهذا هو ما نؤمن به.
فان كان المولود من جوهر الآب. إنما هو الابن. – كما أوضحنا، اثبتنا – فليس هناك أدنى شك. بل هو أمر ظاهر جلى للكل أن هذا المولود هو نفسه. حكمة الله وكلمته والذى به ومن خلاله خلق (الآب) كل الأشياء. والذى به يعلن نفسه لأولئك الذين يريد أن يعلن لهم. وهذا المولود هو أيضاً شكله (المعبر عنه) وصورته. التى فيها يرى ويعرف، لذا فإنه "هو والآب واحد". ولآن من يرى الابن فإنه يرى الآب أيضاً.
وهذا (المولود) أيضاً هو المسيح، الذى به قد أفتديت كل الأشياء. وبه أيضاً خلقت الخليقة الجديدة(46). وأيضاً فإذا كان الابن هكذا، فلا يكون ملائماً – بل أن هذا يكون خطراً جسيماً – أن يقال أنه "مخلوق من العدم". أو أنه "لم يكن موجوداً قبل أن يولد". لأن من يتكلم هكذا عن المولود الذاتى من جوهر الآب، يكون قد جدف مسبقاً على ذات الآب، إذ أنه يعتقد عن الآب بمثل هذه التعاليم التى يخادع بها فى تخيلاته عن المولود منه.
القديس اثناسيوس الكبير