أشراك الغِنى
«كَانتْ أَملاَكُهُمَا كَثِيرَةً،
فَلَم يَقدِرَا أَنْ يَسكُنا مَعًـا»
( تكوين 13: 6 )
جيء أحيانًا كثيرة الامتحان بالصورة التي جاء بها في قصة أبرام ولوط، نقرأ «حَدَثَت مُخَاصَمَةٌ». وواضح أن عِلَّة هذه المُخاصمة كانت تتركز في ممتلكاتهما، ونلاحظ تكرار القول: «لَم تَحتمِلْهُمَا الأَرضُ أَنْ يَسكُنَا مَعًا ... فَلَم يَقدِرَا أَن يَسكُنَا مَعًا» ( تك 12: 6 )، والسبب المباشر لذلك هو أن أملاكهما كانت كثيرة، وكثيرًا ما يحدث أن المؤمنين يتخَاصمون بسبب حسَدهم الواحد للآخر، إما بالنسبة للغِنى الزمني، أو بالنسبة للمواهب الروحية. ونرى المُخاصمات بسبب المواهب الروحية في كنيسة كورنثوس. وفي قضية أبرام ولوط، كان الغِنى الزمني هو عِلَّة المُخاصمة.
وقد نسأل: من أين حصلا على هذا الغنى الزمني الذي كان عِلَّة المُخاصمة؟ نحن نذكر أنه لمَّا خرج أبرام من حاران سائرًا في طريق الإيمان، وكان لوط معه أنهما أخذا كل مقتنياتهما، لكن لم تكن هذه يومًا من الأيام عِلَّة مُخاصمة بينهما ( تك 12: 5 ). لكن في مصر كان أبرام قد حصل على ثروة كثيرة، إذ بعد رد نفسه نقرأ: «وَكَانَ أَبرَامُ غَنِيًّا جِدًّا فِي المَوَاشِي وَالفِضَّةِ وَالذَّهَبِ» ( تك 13: 2 ). إذن، فالثروة التي حصل عليها عند تحوُّله عن طريق الإيمان، هي عِلَّة المُخاصمة بينه وبين أخيه، وإذ حدثت المُخاصَمة بين هذين الأخوَين لم يستطيعا في هذه الحالة أن يشهدا لله أمام الكنعانيين والفرزيين الساكنين في الأرض.
وهنا نرى أبرام (وقد رُدَّت نفسه وأصبح في المركز الصحيح) بدوافع صادقة، بينما كان لوط في مكان صحيح، لكنه كان تابعًا لآخر، لأجل هذا نرى أنه بينما كانت المُخاصمة فرصة لإظهار التفكير العالمي الذي كان في قلب لوط، كانت هذه المُخاصمة فرصة لإظهار التفكير السماوي الذي كان في قلب أبرام، الذي استطاع أن يرفض كل ما هو منظور، ويقول للوط: «لاَ تَكُن مُخَاصَمَةٌ بَينِي وَبَينَكَ ... لأَنَّنَا نَحنُ أَخَوَانِ». الإنسان الذي يتخذ مركزًا دون أن يكون له إيمان شخصي يليق بهذا المركز، سرعان ما يكون هذا الإنسان مصدر المُخاصمة بين الإخوة، ومن الأفضل الانفصال عنه. أبرام إذ كان أمامه الوطن السماوي، استطاع أن يتخلَّى عن العالم الحاضر، بكل ما فيه من راحة وغنى، أما لوط فاختار ما هو حَسَن في نظر الطبيعة. أبرام اكتفى بما اختاره الله له، عالمًا أن كل شيء سيُفضي في النهاية إلى أرض الموعد بكل بركاتها.