رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
علينا أن نحذر من الشرّ في هذه الأيام، والشرّ الحقيقي الذي أتكلم عنه، ليس الشرّ الظاهر في عدم الأخلاق، أو في أي شيء يُخالف الضمير الإنساني، ولكني أتكلم عن الشرّ الحقيقي، الذي هو هذا الارتداد عن عيش روح الإنجيل والثبات في الحق الكلمة المتجسّد لأجل خلاصنا، والتأصل في الحب المنسكب بالروح القدس في قلوبنا... حقاً أن عدو الخير أصبح من القوة التي لا يُستهان بها إطلاقاً، والمسئول الأول عن قوته هذه، تقع على عاتقنا نحن وحدنا فقط، لأننا مسئولين عن قوته لأننا أعطيناه سلطان على ذاتنا بإرادتنا وبحريتنا وسعينا المتواصل لنحيا بعيداً عن شخص الكلمة ربنا يسوع المسيح الذي هو خلاصنا وحياتنا الأبدية... كلّ ما في أعماق الإنسان عريان ومكشوف أمام الله، وقد انكشف وتعرى الإنسان من النعمة بالسقوط وبالخطيئة التي تنمو وتتكاثر كلّما تقدّمت العصور والإنسان هو السبب وحده... فالشرّ - يا إخوتي - ليس مجرد فعل خطية، بل هو تلك العزلة المُرّة عن شخص الكلمة والكنيسة الحية وسر الإفخارستيا وقوة الحب ورباط السلام، وهذا يُسمى موتًا أقسى وأشنع من موت الجسد. وقد صار هذا هو موت العصر الحالي، هذا حقاً هو موت الموت. يا إخوتي هذا هو اليوم الذي يعلنه الكتاب المقدس، وهو الذي فيه وُضعت الفأس على أصل الشجرة. أنه يوم غربلة الإيمان واكتشاف صحته في داخلنا، لا تظنوا أن كل ما يحدث حولنا عبثاً، لأن إبليس نزل وبه غضب عظيم لأنه عالماً أن له زماناً يسيراً، فصنع حرباً ونجح فيها، وجعل العالم كله يضطرب والإنسان أعطاه سلطاناً على ذاته إذ أطاع أفكاره ليحقق مطامع ذاته، لأن عدو الخير لا يأتي بحرب على الإنسان من فراغ بل من منطلق ما في نفسه، وإنسان اليوم هو إنسان الكبرياء والاعتداد بالذات، إنسان الطمع والسيطرة ... واليوم زمن الغربلة والدينونة الأرضيّة التي تسبق الدينونة الأخيرة. اليوم تفحص الثمار ويظهر الغث من الثمين، اليوم نار التجارب تحرق القش سريعاً والخشب بطيئاً، وتنقي الذهب والفضة وتظهر الحجارة الكريمة، اليوم تنقية وإظهار الثمر الجيد المتشرب من عصارة يسوع أي الإنجيل بقوة الحب المنسكب بالروح القدس. فالجيّد منه، سينتقيه الربّ ليصير مأكلاً وتعليمًا للعالم الذي لا يعرفه، والثمر الغثّ التالف والفاسد الذي جُمع فسيعود ويلقيه ويجردنا منه ليداس من الجميع ويكشف عورة الإنسان ويفضحه أمام نفسه والآخرين بل ويتركه عرياناً ملياناً هماً رازحاً تحت ثقل النفس المثقلة بالفساد والشر والطمع الخبيث وحب الذات وتعظيمها والخروج عن روح المحبة كما قصدها المسيح الرب، ويترك الله الإنسان لتجارب الزمان الحاضر التي يسمح بها الرب ليمحّصه ويذلّل كبرياء نفسه ويكسر مشيئته الذاتيّة، فيصير في قبضته عجينًا طريًّا يقرّصه ليعجن منه رغيف ذبيحة حية مرضية مقبولة عنده ليختبر الإنسان ما اختبره القديس بولس مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيَّ فيَّ . يا إخوتي لن يصعد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء، أي كل من وُلِدَ من فوق، أي من الله في المسيح يسوع فلبس المسيح، وظل يعيش ابناً اي يحقق بنويته لله الحي في سر التقوى والمحبة الصادقة، وكلّ من يحيا في هذه الحياة بحسب الإنجيل فإنّه سيهيّئ نفسه ليصير شريكًا لرب الكون والكنيسة التي هي جسد الرب نفسه، بالتوبة والحب وقوة الإيمان البسيط ليصعد ويجلس معه في ملكوته ... نعم يا إخوتي، لنحذر ونعرف معنى الخدمة الحقيقية كما قصدها الله، يوجد الآن خدام ومعلمين فسدت أذهانهم عن البساطة التي في المسيح، هؤلاء يعيشون في الكنيسة، ويحرّفون تعاليم الآباء فيسيئون إلى خبرتهم الإلهيّة النسكيّة التي حسب الحق التي نبعها الإفخارستيا والإنجيل. فآباء الكنيسة علمونا أن الكلمة أو العظة تلقى بعد صوم ٍ ولجم ٍ للأهواء وضبطٍ للنّفس وحياة التوبة بقوة الإفخارستيا بروح القيامة عن خبرة صادقة وإنجيل معاش ووحي منسكب وحب أصيل للمسيح وأعضاء الجسد الواحد. كل ما يخرج اليوم من مهاترات التعليم – طبعا ليس كل التعليم ولكن هناك الكثيرين من ضلوا عن روح الإنجيل وآصاله الفكر السليم – هو لنقض فكر المسيح وروحه في كنيسته؛ فالتعليم اليوم – في معظم الحالات - يخرج تعليمًا عقلياً جافاً لا حياة فيه ولا شركة حقيقية مع المسيح فيه، وإمكانية تطبيقه أصبحت وهم وصورة في الخيال. لذلك ينهار الكثيرين ويبحثوا عن إله آخر لأنهم لم يعرفوا الإله الحقيقي بالرغم من أنهم خُدام متمرسين في العلم والفكر... للأسف التعليم اليوم (ولا أُعمم بالطبع لأني أتكلم عن البعض وليس الكل) يخرج نظريّات توضع كتابات في مواقع ومنتديات، بل وكتبًا في مجموعات الكتب التي تزداد بها رفوف المكتبات من أجل التجارة أو حب الذات ... ولإثبات ما أقول انظروا إلى المحاكم وانظروا الأسر المفككة وانظروا لحالات الارتداد وحالات ترك الكنائس والتشتت وسط الأفكار من هُنا وهُناك والتعاليم المختلفة، وانظروا لعدم المحبة الواضحة بين الخدام أنفسهم ورؤساء الخدمات وانظروا لمشاكل الخدام وخناقاتهم وصراعهم على المناصب الخدمية وانظروا لكل الخدمات ستجدون أن كل شيء واضح وصريح أمام الكل وبخاصة أمام الله الذي عيناه كلهيب نار تفحصان أستار الظلام !!!
هذه هي كلمة الحقّ والحياة التي ستقف بوجه الضلال الذي يزرعه ويوزّعه كل من لا يعرف الحق فهناك الكثيرين الذين يحورون الحق وينكرون عمل الله وقوة الإنجيل وتعليم الآباء الأصيل. ولنا أن نعرف أن ليس الإلحاد أن ننكر الإله الحي الحقيقي، بل أن ننكر ما تسلمناه من الرب بالإنجيل في سرّ التقوى وتعاليم الآباء ونحيا بلا تقوى وصلواتنا هزيلة بلا روح ...
|
|