رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ادراك الله عقليا ـ القديس غريغوريوس النزينزي الله الكائن : الله كان كائنا دائما وهو كائن في الحاضر وسيكون دائما الي الأبد, أو بالحري, هو كائن دائما. لأن “كان” و “سيكون” هي أجزاء من الزمن ومن طبيعتنا المتغيرة. اما هو فهو “كائن” أبدي, وهذا هو الاسم الذي أعطاه لنفسه عندما ظهر لموسي “أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ”(خر 3: 14) لأنه يجمع ويحوي كل “الوجود”, وهو بلا بداية في الماضي, وبلا نهاية في المستقبل, مثل بحر عظيم لا حدود لوجوده, لا يُحد ولا يُحوي, وهو يتعالي كلية فوق أي مفهوم للزمان وللطبيعة, وبالكاد يمكن أن يُدرك فقط بالعقل ولكنه ادراك غامض جدا وضعيف جدا, ليس ادراك لجوهره, بل ادراك بما هو حوله, اي ادراكه من تجميع بعض ظواهر خارجية متنوعة, لتقديم صورة للحقيقة سرعان ما تفلت منا قبل أن نتمكن من الامساك بها, اذ تختفي قبل أن ندركها. هذه الصورة تبرق في عقولنا فقط عندما يكون العقل نقيا كمثل البرق الذي يبرق بسرعة ويختفي. الله من طبيعة بسيطة : أعتقد أن هذا الادراك يصير هكذا, لكي ننجذب الي ما يمكن أن ندركه, (لأن غير المدرك تماما, يُحبط أي محاولة للاقتراب منه). ومن جهة أخري فان غير المدرك يثير اعجابنا ودهشتنا, وهذه الدهشة تخلق فينا شوقا أكثر, وهذا الشوق ينقينا ويطهرنا, والتنقية تجعلنا مثل الله. وعندما نصير مثله, فاني أتجاسر أن أقول انه يتحدث الينا كأقرباء له باتحاده بنا, وذلك بقدر ما يعرف هو الذين هم معروفين عنده. ان الطبيعة الالهية لا حد لها ويصعب ادراكها. وكل ما يمكن أن نفهمه عنها هو عدم محدوديتها, وحتي لو ظن الواحد منا أن الله بسبب كونه من طبيعة بسيطة لذلك فهو اما غير ممكن فهمه بالمرة أو أنه يمكن أن يُفهم فهما كاملا. ودعنا نسأل أيضا, ما هو المقصود بعبارة “من طبيعة بسيطة” ؟ لأنه أمر أكيد أن هذه البساطة لا تمثل طبيعته نفسها, مثلما أن التركيب ليس هو بذاته جوهر الموجودات المركبة. النظرة العقلية للا نهائية في الله : يمكن التفكير في اللانهائية من ناحيتين, أي من البداية ومن النهاية (لأن كل ما يتخطي البداية والنهاية ولا يُحصر داخلها فهو لا نهائي). فعندما ينظر العقل الي العمق العلوي, واذ لا يكون لديه مكان يقف عليه, بل يتكئ علي المظاهر الخارجية لكي يكوٌن فكرة عن الله, فانه يدعو اللانهائي الذي لا يُدني منه باسم “غير الزمني”. وعندما ينظر العقل الي الأعماق السفلي والي أعماق المستقبل فانه يدعو اللانهائي باسم “غير المائت” و “غير الفاني” . وعندما يجمع خلاصته من الاتجاهات معا فانه يدعو اللانهائي باسم “الأبدي” لأن الأبدية ليست هي الزمان ولا هي جزء من الزمان لأنها غير قابلة للقياس. فكما أن الزمان بالنسبة لنا هو ما يُقاس بشروق الشمس وغروبها هكذا تكون الأبدية بالنسبة للدائم الي الأبد. |
|