منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 16 - 05 - 2012, 11:14 PM
الصورة الرمزية sama smsma
 
sama smsma Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  sama smsma غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

الموت المحيي ـ القديس صفرونيوس



صفرونيوس عبد يسوع المسيح المصلوب لأجلنا, يُرسل السلام والتحية للأب صفنيا مدبِّر الإخوة الذي يهتم بالضعفاء أكثر من الأقوياء، ويرد الشاردين بمحبة الرب. أكتب لمحبتكم جميعًا عن الأسبوع العظيم الذي أسَّس فيه الرب شركتنا الأبدية في آلامه وصلبه وقيامته، وأعطانا بذلك الميراث السماوي الذي لا يفنى. (1بط 1: 4)
1-عجيبٌ هو تدبير الرب الذي – بمحبته التي لا يمكن أن نعبِّر عنها – جاء للخلاص من الموت ومن الخطية، فرفع حُكم الدينونة بالصليب وقتل العداوَة (اف 2: 15-16) وصََلبَ الأهواءَ، ودََفنَ الطبيعَة القديمَة في القبر، وأقامها بمجد خلود اللاهوت، وصبر على الألم لكي يجعله طريقًا للخلاص، ويحوُِّله من ثمرة للخطية إلى ثمرة للبر ؛ بسبب القيامة التي جعلت الألم مثل مخاض الولادةِ، وبسبب سُكنى الروح القدس فينا في سر المسحة الإلهية التي جعلت خَتم الصليب ختمًا أبديًا يلتصق بالجسد في زيت الميرون، ويلتصق بالنفس بقوة ومجد الإبن وفاعلية الروح القدس، فأنار بذلك ذهن الإنسان الجديد مؤكِّدًا له أنَّ موت الصليب هو بذرة الحياة الجديدة التي تخرج من البذرة القديمة مثل الشجرة؛ لأنه لم يرذل الطبيعة الإنسانية الفاسدة، بل أخذها وحوَّلها فيه إلى طبيعة جديدة مجيدة غالبة الموت.
2- عندما نرتِّل تسبحة البصخة، فإننا نرتِّل لمجد المصلوب حتى لا ننسى أننا أمام الملك العظيم رب المجد ورب القوات الجالس على الشاروبيم حتى وهو متجسِّدٌ؛ لأن القوات السماوية دُهِشت من تواضع الرب الذي حملته ركبتي البتول والدة الإله، وفرحت بما صار للإنسان؛ لأن حسد الشيطان للجنس البشري لم تشترك فيه القوات الروحية المقدسة التي رأت الخليقة الأولى، فأدركت صلاح الله ورحمته. ورأت الخليقة الجديدة، فدُهِشت من عمق المحبة الإلهية، واستنارت بإعلان الخلاص، ودُهِشت بالتسبيح لمن أخذ صورة العبد لكي يعطي الإنسانيَة صورته وهو ما نبارك الرب عليه مؤكِّدين أن العزة هي لمن خلق كل الأشياء من العدم، والآن يخدم سر الخلاص من أجل حنوِّه الفائق.
3- لقد تألم الرب لأجلنا، وكانت آلامه روحيًة قبل أن تكون جسدية. تألم لأنه جُِرحَ من أحبائه. وتألم لأن نفسه الإنسانية المتحدة بلاهوته ذاقت الأحزان في البستان عندما سُلِّم بقبلةِ الخائن، وتركه الذين عاشوا معه. هؤلاء تمكَّن الخوف منهم فهربوا لكي يبقى الرب وحده حسب قول النبي: “دُسْتُ الْمِعْصَرَةَ وَحْدِي”(اش 63: 3) ورسم الربُ طريق الخلاص، لكي يكون هو المخلِّص وحده، ولكي لا ينال الإبن معونًة من أحد، وهو الذي يعين كل الذين يحتاجون إلى معونةٍ. وهكذا درَّب الرب نفسه على السلوك الجديد، سلوك آدم الثاني رب الخليقة الإله المتجسد الذي يجعل جسده ونفسه الإنسانية تدخل آتون التجارب لكي تصير بقوة اللاهوت المتحد بنفسه وجسده قاعدة الخلاص الأبدي للإنسانية؛ لأن الخوف الذي جَرَحَ طبيعة الإنسان وجعله يترك طريق الله ويختار طريق الخطية ظنًا منه أنه الطريق السليم، لم يكن يُعالج إلاَّ بمواجهةٍ مع الخوف من الموت في البستان، وعلى الصليب وفي القبر؛ لأن نفسه الإنسانية نزلت إلى الجحيم بقوة اللاهوت، وأنارت على الذين كانوا في ظلمة الجحيم. وداست على قوة الشيطان “الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ”(عب2 : 14)، وأبادته بقوة وعزة رب الخليقة الذي نزل إلى حفرة الموت لكي يسترد الإنسانية من براثن العدو الأول أي الموت، والعدو الثاني أي الشيطان.
4- هكذا أسَّس الربُ الخلاص الأبدي عندما سمح للموت أن يفصل نفسه عن جسده، فجاء الإنفصال من داخل الأقنوم الواحد، ولم يُفرض عليه؛ لأنه غلب “أَوْجَاعَ الْمَوْتِ”(أع 2: 24) حسب بشارة الرسول بطرس في يوم العنصرة، ولأن الموت يعجز عن أن يمسك به (أع 2: 24)، بل أمسك هو به وأسره وداسه، وجعل الانفصال عزًة للخليقة الجديدة؛ لأنه صار انفصال القديم عن الجديد، وولادة شجرة الحياة الجديدة من البذرة القديمة. كان الموتُ حدًا فاصلا ومانعا لا يمكن عبوره، فعبره الرب عندما أغلق فم الهاوية، ومزَّق كتاب الدينونة، وحوَّله الربُ إلى خادم مطيع يخدم الخليقة الجديدة، فتحوَّل من حدٍ يفصل الحياة عن البقاء الدائم إلى حدٍ يفصل الطبيعة الفاسدة عن الخلود والبقاء الدائم. وحوَّله من مانع يسد على الإنسان طريق شجرة الحياة إلى مانع يمنع الإنسان من أن يقع أسيرًا للخطية، ولم يحدث هذا بالقول، بل بالفعل. وهذا هو سر تدبير الرب في تجسده وآلامه الطوعية (الإختيارية) وصلبه وقيامته. لقد ذاق الربُ الموتَ بالجسد على الصليب، وهو الذي أقام الموتى، وهو ما يجعل الكنيسة الجامعة تبدأ طقس الأسبوع العظيم بسبت لعازر مؤكِّدًة أن السبت هو سبت راحةٍ من الموت، وهو يسبق السبت الكبير، وذاق الربُ الموتَ بالجسد، وأخذ الموت، أي انحلال وحدة الكيان الإنساني، وذاقه، وانحلَّتْ نفسه من الاتحاد بالجسد ، ووُضِعَ الجسدُ في القبر ونزلت النفس إلى الجحيم دون أن ينفصل الجسد والنفس عن اللاهوت، وهكذا جَمَع اللاهوتُ عناصرَ الموت كلها: القبر والهاوية والدينونة، وأباد الثلاثة في كيانه المتجسد، وأباد الشيطان وداسه في عقر داره أي الجحيم.
5- وعندما ضم الربُ إلى كيانه القبرَ والجحيم بواسطة جسده ونفسه، جعل القبرَ بداية الأرض الجديدة؛ لأن التراب الذي خُلِقَ منه آدم، والذي سمع عنه حُكم الدينونة، هو ذات التراب الذي قيل له “لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ”(تك 3: 19).ولما دُفِن التراب في القبر، حوَّل التراب إلى الأرض الجديدة التي تثمر للحياة الغالبة. أمَّا الهاوية، وهي كورة الظلام والموتى، فقد صارت بلا قوةٍ؛ لأن برق اللاهوت أشرق في ظلمة الجحيم، ولأن ظلام عدم الحياة قد انتهى عند الصليب. وهكذا عادت نفسه واتحدت بجسده، نفسه الإنسانية التي تمثل نفوسنا جميعًا، وجسده الإنساني الذي يمثل أجسادنا جميعًا، عادت نفسه واتحدت بجسده؛ لأن قوة الإتحاد هي في اللاهوت. هذا الإتحاد لم يكن اتحادًا طبيعيًا، حسب طبيعة آدم الأول، بل صار إتحاد الغلبة الذي لا تقوى عليه قوة الموت؛ لأن إتحاد النفس بالجسد حسب الخليقة الأولى قابل للإنحلال، أمَّا اتحاد النفس بالجسد حسب الخليقة الجديدة غير قابل للإنحلال، ولذلك عندما نترك نحن الجسد، فإن الجسد حتى وإن تحوَّل إلى تراب، لازال هو الجسد الذي مُسِحَ بزيت الميرون الإلهي، ولازال يحمل هذه المسحة وهو ينتظر قيامة الأبرار. وكما انفصلت نفسُ الرب عن جسده، تنفصل نفوسنا عن أجسادنا، ليس بالموت الآدمي الذي داسه الرب، بل بموت الرب الذي غلب كل انفصال؛ لأن الرسول بولس يهتف مع الخليقة الجديدة: مَن الذي يفصلنا عن محبة المسيح …. (ووضع الموت والحياة والملائكة) (راجع رو 8: 35 – 39)، أي الموت الآدمي والحياة الآدمية والقوات غير المنظورة …. هؤلاء جميعًا عاجزون تمامًا عن أن يفصلوا عضوًا واحدًا في جسد المسيح الكنيسة عن الرأس، الرب يسوع المسيح. والسبب في ذلك هو أننا بموت الرب الذي هدم الإنفصال لم يعُد الموتُ انفصالا، بل انتقالا وترتيبًا للنفس لكي ترى الحياَة الجديدة، وتتعلم أسرار الحياة الروحية الفائقة. وهكذا تؤكد الكنيسة – بصوت الرسل والآباء القديسين – “لا يكن موتٌ لعبيدك، بل هو إنتقال”(أوشية الراقدين)، ونحن لا نلعب بالكلمات والألفاظ، بل نعلن سر المسيح في قوة وعزة ابن الله. تأملوا معي أيها الأخوة كيف انفصلت النفس عن الجسد في السقوط؟ وكيف انفصلت النفس عن الجسد على الصليب؟ كان السقوط هو عار الخطية وظلام الموت، ولكن على الصليب إنفصلت النفس عن الجسد بقوة اللاهوت، وهو ما يجعلنا نؤكِّد قوة الرب وقوة صليبه المحيي . كيف صار هذا؟ بعد أن جاز الربُ آلامَ الموتِ وصرخ: “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي”(مت 27: 45) ، وقال: “أَنَا عَطْشَانُ”(يو 19: 28) ، بعد هذا قال عبارة الإنتصار: “يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي”(لو 23 : 46)، فأكَّد بذلك نهاية الانحلال الإنساني؛ لأن نفسه التي تمثل نفوسنا جميعًا استقرت في يدي الآب، وبذلك عَبَرَتْ مانع الموت الذي كان يمنع كل الصديقين من الدخول إلى السماء. ولما استودع الرب روحه، أي نفسه الإنسانية في أيدي الآب نزل بقوة لاهوته المتحد بنفسه الإنسانية والتي تحمل قوة الآب ومصالحته إلى الهاوية، وهناك بدَّد عرش الشيطان ودكَّ كل حصونه القوية وأطلق أرواح الأسرى.
6- يقول الرسول بطرس إن قدرة الرب الإلهية “قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ”(2بط 1 : 3)، وهو بذلك يؤكِّد قدرة الرب التي أبادت الموت، وفتحت طريق الفردوس، وأعطتنا شجرة الحياة، وهو ما يجعل الرسول يقول إن الرب يسوع دعانا بالمجد والفضيلة الذين بهما معًا – وليس بالمجد وحده؛ لأن المجد بلا فضيلةٍ هو شهوة الشيطان أن يصير مثل الله، وهي ذات خطية آدم، ولكن الرب بالمجد والقداسة والبر – “وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ”(2بط 1: 4). والمواعيد العظمى “مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا”(يو 11: 25). والمواعيد الثمينة “أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ.”(يو 17 :24)، فكيف ننظر مجده الأزلي إلاَّ إذا كنا معه؟ ولذلك يقول الرسول أن تصيروا “شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ”(2بط 1: 4)، ونحن شركاء الطبيعة الإنسانية بسبب تجسد الرب، أمَّا شركتنا في اللاهوت، فقد جاءت بالصليب والقيامة. على الصليب أباد الربُ الموتَ، فجعل الطبيعة الإنسانية غير قابلة للموت. وعلى الصليب وفي القبر أباد الربُ الفسادَ، وحوَّل إنحلال الجسد إلى بدايةٍ جديدةٍ تتحول فيها عناصر الجسد إلى مجد الخليقة الجديدة. وفي الجحيم أباد الربُ الشيطان وقوته وفتح لنا أحضان الآب، ولذلك قال بفمه الإلهي: “أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ”(يو 17 : 24)، وبذلك أسَّس شركتنا في اللاهوت، وهو ما يعلنه مرًة ثانيًة في كلامه المحيي: ” مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي”(رؤ 3: 21). هكذا نشترك في الطبيعة الإلهية بواسطة الوسيط الواحد ربنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه فديًة عن كثيرين (راجع مت 20 : 28 – مر 10 : 45)، فقد فدى الطبيعة المأسورة للموت والفساد وحررنا وفك رباطات الإنسانية بقوة صليبه المكرم وأعادنا إلى الفردوس وأعطانا أن نأكل من شجرة الحياة، جسده الإلهي ودمه الكريم المقدس في كل شيء، والذي يُقدِّس الذين يتناولونه.
7- يقول معلم الأمم ورسول المسيح بولس الحكيم في أقوال الله إن الآب “أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ”(رو 8: 3). حكم الربُ على شبه جسد الخطية، أي الناسوت الذي أحبه الإنسان وفضَّله على الله نفسه، وهو ما جعل الرسول يقول محبة الجسد عداوة لله. ولكن جاء الصليب حُكمًا بالموت على الطبيعة الخاطئة، لكي بموت الطبيعة القديمة تموت الخطية. جاء حكم الموت من المحبة الإلهية للثالوث التي لم تقبل أن يحيا الإنسان في الفساد إلى الأبد، ولا أن يبقى تحت سلطان الموت والشيطان. جاء الابن كلمة الآب رب المجد ونزل إلى حقارتنا لكي يرفعنا إليه. نزل إلى “وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ”(مز 23 : 4). جاء السيد إلى العبيد الأسرى، ولم يُطلق سراح هم ليعودوا من جديد إلى العبودية، بل صُلِبَ لكي يصلب الدينونة، ولذلك ترنم بولس الإلهي في دهشة الفرح “لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”(رو 8: 1)، ومات على الصليب لكي تموت معه وفيه الطبيعة المستعبدة للموت . وصُلِبَ لكي تُصَلب معه كل الفرائض القديمة ورباطات الشريعة القديمة (كو 2: 14)، ولذلك ينشد الرسول قائلا “وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا”(كو 2: 13). وبموت الناسوت ماتت الطبيعة الإنسانية، ولكن موت الصليب ليس هو حكم الموت الذي صدر على الإنسان “يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ” (تك 2: 17)، بل هو موتُ فداءٍ وخلاص، ولذلك نُنشد نحن الأسرى: “لك القوة والمجد والبركة والعزة يا عمانوئيل إلهنا ومخلصنا، قوتي وتسبحتي هو الرب وقد صار لي خلاصا”(تسبحة البصخة). جاء الرب لكي يموت ويصبح موته حياًة لنا؛ لأنه لم يبادل موتًا بموتٍ، بل قِبل موت آدم لكي يبيد ذلك الموت، ويجعل الصليب ينبوع سرائر (أسرار) الكنيسة، فوُلِدَت المعمودية والمسحة ووليمة الدهر الآتي من الصليب ومن القيامة . وُلِدَت المعمودية التي نُصلبُ ونموتُ فيها مع الرب (رو 6: 3). وثبَّت الربُ عطية الروح القدس بالصليب المكرَّم، وهو ما يعلنه ترتيب سر المسحة بأختام الصليب (رشومات الميرون) التي تُوضع على أجسادنا وتدخل في أعماقنا وتنير العقل وتطهر القلب وتقوي الإنسان الجديد المخلوق على صورة الله في سر الميلاد الجديد. ولأن الرب مات على الصليب، وأباد الموت تمامًا، لم يعُد جسده المقدس قابلا للفناء، ونحن نوزِّعُه ميراثًا لا يفنى؛ لأنه غلب الموت. ونأكله ونحيا به، وهو لا ينتهي؛ لأنه قهر القبر. ونتحد به اتحادًا كاملا دون إنفصال؛ لأنه غلب الإنفصال. ولولا غلبة الموت على الصليب لما استطعنا أن نأكله كله حيًَّا ومُحيِّيًا؛ لأن بالموت انفصالا ونهايًة وفسادًا، ولذلك عندما نوزِّع جسد الرب، فنحن لا نعطي للمتناولين منه جزءً، بل جسدًا كاملا تامًا للرب الإله المتجسد، ونتحد به: بنفسه الإنسانية التي تُقدس نفوسنا، وبلاهوته المجيد لكي نشترك في مجده.
8- هكذا تمت دينونة الخطية على الصليب – ليس فقط – بإشهار فسادها وعجزها، ولكن بعطاء ينبوع الحياة الجسد والدم المكرمين، وأيضًا بالشركة في الطبيعة الإلهية التي هي أساس شركتنا في كل سرائر (أسرار) الكنيسة المقدسة.
9- أيها الأب المكرم والمحبوب من الله الآب في ابنه الوحيد، ليكن لنا معًا شركة في المسيح إلهنا بالصليب، بروح البذل وبخدمة الأخوة، وبالتضحية بكل ما هو ثمين، لا بما هو رخيصٌ؛ لأن الذي مات لأجلنا وأحيانا لم يكن رخيصًا، بل عظيمًا، بل هو العظمة الحقيقية. علِّم الأخوة أن الحوار هو حوار الصليب – ليس فقط برشم الصليب على الفم إذا احتدم الجدل – بل بقبول الآخر من أجل الذي غفر لنا جميع خطايانا بموته المحيي. وعندما نخدم بعضنا البعض، لتكن لنا خدمة الإبن الوحيد ربنا يسوع المسيح، أي لا نسأل المكافأة، ولا نطلب المديح، ولا نسعى لكي ننال استحسان الآخرين من أجل الذي أخذ صورة العبد، وهو الإبن الأزلي. وعندما نأكل ليكن لنا طعام حقيقي، وهو الصليب المكرم، ليس فقط عندما نضعه على الخبز أو نرشم هذه العلامة على الطعام، بل لنأكل في عدم اهتمام بالكم ولا بحساب النوع، بل بما هو فيه منفعة حقيقية؛ لأن الذي مات على الصليب لم يكن يهتم بالجلد والمسامير، ولا خاف من عار الصلب، بل كما يقول الرسول: “نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ.”(عب 12 : 2-3). لذلك أيها الأحباء، لنخدم – مهما كانت الخدمة – من أجل الذي نزل إلى أعماق الجحيم لكي نفرح معه، ولكي ندرك بذل محبته. لننام نوم الصليب قائلين مع المصلوب: “يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي”(لو 23 : 46). وعندما ننهض من النوم لنرشم أعضاء أجسادنا لكي نؤهل للحياة الجديدة؛ لكي ندرك أننا وُهبنا هذه الحياة لكي نتحرر من الأهواء ونستعد لمقابلة عريس نفوسنا ربنا يسوع المسيح.


أخيرًا، صلُّوا لأجلنا؛ لأننا ونحن نستعد معًا لننال بركة الصوم المقدس ومجد الأسبوع العظيم، لنطلب سلامًا لكورة مصر، وهدوء للكنائس، وقداسة وحياة لكل الذين يعرفون ربنا يسوع المسيح. صلُّوا لكي يكون لنا فرح القيامة في كل حين، وفي كل يوم كما كان يفعل أنطونيوس الكبير الذي كان قانونه “حيٌ هو الرب الذي أنا واقفٌ أمامه اليوم”، ولأن الرب حيٌ، فنحن أحياءٌ به وفيه.
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
القديس صفرونيوس/11 آذار
القديس صفرونيوس بطريرك أورشليم
القديس صفرونيوس البلغاري
القديس صفرونيوس الروسي أسقف إيركوتسك
المعرفة ـ القديس صفرونيوس


الساعة الآن 11:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024