رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حب العالم وحب الله ـ القديس اغسطينوس الحب نوعان: حب العالم وحب الله, ان كان فيك حب العالم فلا محل لحب الله. انف عنك حب العالم واقم فيك حب الله ليحل محله الحب الأفضل. ان كنت تحب العالم فلا تحبه بعد الآن, ان سلخت قلبك عن حب العالم أدخلت فيه حب الله وسكنت فيك المحبة التي لا يصدر عنها أدني شر. كل ما في العالم صنعه الله, اقم فيك روح الله تر كل شئ صالحا, ولكن الويل لك اذا أحببت المصنوع وتركت الصانع, انك تراه جميلا ولكن أجمل منه صانعه. ان الله لا يحرم عليك محبة هذا الجميل شرط الا تحبه سعيا وراء سعادتك وبحثا عنها بل حبا بالخالق وتمجيدا له. اذ صنع خطيب لعروسه خاتما فقبلته ثم فضلته عليه الا تكون زانية بحق خطيبها سبب تلك الهدية؟ انها تحب في خطيبها هديته, ولو قالت “حسبي هذا الخاتم ولا أريد ان أري وجه خطيبي” فمن تكون هذه العروس؟ ومن ذا الذي يقبل بهذا الجنون؟ ومن لا يعترف بزني هذه النفس؟ انك تحب الذهب حبا بالرجل وتحب الخاتم حبا بالزوج, فلو انك احببت الخاتم حبا بالزوج ثم استغنيت عن رؤية الزوج فكأني به يعطيك الخاتم لا ليرسخ اتحادكما بل لكي يستميلك عنه الي الخاتم. العروس يقدم لك تقدمة لكي تحبه في هديته, والزوج يعطي عهده ليكون ميثاق حب بينه وبين شريكه الآخر. ان الله قد اعطاك نعمه لكي تحبه في تلك النعم التي صنعها, وأكثر منها اعطاك, لقد اعطاك ذاته, ان تعلقت بخيور الله واهملت خالقها حبا بالعالم الا يعتبر حبك له زني؟ لست أقول لك “لا تتعلق بما للأرض” بل “احبه باعتدال”, حبا بالخالق, لئلا يزعجك حبه, فليكن حب استمتاع لا حب استعباد, ارع محبة الله في قلبك كي تحيا الي الابد كما هو الله الي الابد, لان الانسان يكون كما تكون محبته. ان احببت الارض كنت ارضا, وان أحببت الله ماذا أقول؟ أتصير الها؟ لا أتجاسر علي التلفظ بهذا الكلام تلقائيا, انما اسمع الكتاب القائل “أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ”(مز 82: 6) وعليه ان أردت ان تكون الها وابن العلي فلا تحب العالم وما فيه, حب العالم اشبه بيد النفس التي ان امسكت شيئا استحال عليها الامساك بشئ آخر, ولكي تستطيع ان تمسك بما يقدم لها يجب عليها ان تتخلي عما معها, ان انت احببت العالم فلا يسعك ان تحب الله, لان يدك مشغولة, الله يقول لك “خذ مني ما اعطيك” اما انت فتأبي ان تتخلي عما بيدك, اذ ذاك لن يسعك ان تقبل ما اقدمه لك, وان لم تستطع بحكم الضرورة فاملك ولا تكن مملوكا, وخذ ولا تكن مأخوذا, كن سيدا علي ما لك ولا تكن عبدا له. اسألك وأرجوك وأحثك علي ان تحب الحياة الابدية نظير من يحبون الحياة الزمنية, تعلم ان تحب وان لا تحب, احب لسبب وامتنع عن الحب لسبب آخر, في العالم اشياء تحبها لكي تتقدم, واشياء أخري ان احببتها منعتك عن التقدم, لا تستمسك بالمانع ان لم تشأ العقاب, المانع هو ما تحب من هذه الأرض وهو بمثابة دبق الأجنحة الروحية اي الفضائل التي تطير بواسطتها الي الله, انك لا تريد ان يقبض احد عليك ومع ذلك تهوي الدبق! [1] اتظن انك لن تقع بين ايديهم اذا كان القبض عليك امرا سهلا؟ ان العالم يضيق عليك بقدر ما تحبه. عُد ايها الخاطئ الي قلبك واستمسك بمن خلقك, امكث معه لكي تستقر, واسترح فيه لكي تطمئن, اين تذهب في تلك الطرق الوعرة؟ الي أين؟ ان الخير الذي تهواه هو من الله, وبقدر ما يقودك الي الله بقدر ذلك هو صالح وطيب, لكن سوف يكون مرا علي من لم يقبل بصدق ما يأتيه من الله, انك تسير باستمرار علي تلك الطرق الضيقة والوعرة, فالي اين تريد ان تصل؟ لن تجد الراحة حيث تبحث عنها, اطلب مبتغاك خارجا عن هذا المكان, وهل تبحث عن السعادة في ديار الموت؟! لن تجدها, وهل تكون الحياة سعيدة حيث لا حياة؟! فخ هي حلاوة هذه الحياة, يضع اعدائي طُعمنا في الفخ حتي اذا ما استهوتني وقع رأسي في شرها واطبق علي الفخ, اثبت في يارب لئلا اقع في الفخ, ها اني اصرخ اليك قائلا: تباركت, رب, يا من لا تدعني فريسة لاسنانهم (مز 124: 6), لقد نجت نفسي كالدوري من شبكة الصيادين [2], نجت نفسي من شباك الصيادين لانك في (مز 124: 7) , وبما اني عصفور فلا قرار لي, لذلك ساعدني فاثبت قدمي علي الصخرة لئلا اقع في الفخ (1كو 10 : 4), امكث معي ونجني من المخاطر التي تحيق بي (لو 24 : 29) . يجب علي ان اهتف صارخا: بك نجوت, وعلي ان اطير اليك واظفر بك لاني نجوت, وبما انك في, فلم اعلق في الفخ. لقد نجوت لان الفخ انكسر, وكُسر الفخ لاني اعتمدت علي اسمك يا صانع السماء والأرض. ان الذين اسرهم جمال هذه الحياة واهانوك زالوا معها, اني لواثق من ان الفخ سيُكسر, وسوف تتلاشي حلاوة هذه الحياة بعد ان يكتمل شوطها في الوقت المحدد, انما يجب ان لا أتعلق بها لكي اتمكن من ان اثب واقول حين يتحطم الفخ : “لقد تمزقت الشبكة ونجوت انا”. |
|