ما هي علامات نهاية العالم
حديث المسيح فوق جبل الزيتون، جاء ردًا على استفهام التلاميذ الوارد في صدر هذا المقال، وورد في كل من الأناجيل المتماثلة متى ومرقس ولوقا، وهو من أعظم الأحاديث النبوية في الكتاب المقدس. والكتاب المقدس كله هو كتاب نبوي. الكتب الأخرى تحدثنا عما حدث في الماضي، وتتفاوت في دقتها بعضها عن بعض. أما الكتاب الوحيد الذي يحدثنا عن المستقبل فهو الكتاب المقدس، وذلك لأنه كتاب الله، والله عنده المستقبل كالماضي والحاضر. والكتاب المقدس يحوي كلامًا نبويًا في منتهى الدقة، ونحو ثلثه يتحدث عن المستقبل.
وحديث جبل الزيتون هو حديث عظيم حقًا، لأنه نبوة نطق بها المسيح شخصيًا، ولأنه يدور حول علامات مجيء المسيح وانقضاء الدهر.
ولا نهاية للحديث عن نهاية العالم. علماء في الفلك وعلماء في الطبيعة وعلماء في اللاهوت يكتبون عن نهاية العالم، ولا قيمة تُذكر لما يكتبون، فهم يتخبطون خبط عشواء، وأما المسيح فحديثه هنا أعظم حديث جامع مانع عن أمور آخر الزمان.
ولو كان هناك زمن ينبغي فيه الانتباه أكثر من غيره لأقوال هذه العظة، فهو هذه الأيام التي نعيش فيها. فهي بلا شك الأيام التي تسبق مجيء الرب للاختطاف.
والمسيح كان في أول عظة قالها بعد خروجه للخدمة، بحسب لوقا 4، ألمح إلى أنه كما أتى بالفعل إلى العالم، فإنه سيأتي أيضًا ثانية. فهو أتى بالنعمة لكي يبشر المساكين، وقدم خلاصه لجميع البشر، ولأنه تحدث عن مجيء النعمة، فإنه لم يَشِر إلى يوم الانتقام لإلهنا. لكنه لا بد أن يأتي مرة ثانية لكي ينتقم من الذين احتقروا نعمته ورفضوا خلاصه المجاني، ولا بد أن يتم باقي القول المُقتبس من إشعياء 61 «أكرز .. بيوم انتقام لإلهنا». ويحدثنا المسيح من فوق جبل الزيتون عن هذا المجيء الثاني المرتقب.
وهناك مفتاح مهم لفهم النبوة بصفة عامة بما فيها هذه العظة، وهو أن الكنيسة ـ باعتبارها كانت سرًا في العهد القديم ـ فإنها ليست موضوع النبوة. لكن المسيح، سواء في آلامه أو في أمجاده، هو موضوع كل النبوات. ومن هذا المنطلق نحن يلذ لنا دراسة النبوات، ليس لأنها تتحدث عنا، بل لأنها تتحدث عن سيدنا الحبيب.