القديس البار يوحنا الأسيوطي (القرن4م)
27 آذار غربي (9 نيسان شرقي)
ولد في أسيوط (ليكوبوليس) حوالي السنة 305م. تعلّم منذ الحداثة مهنة النجار. فلما بلغ العشرين كفر بالعالم وبنفسه وانضمّ، راهباً، إلى شيخ قدّيس. سلك في الاتضاع وقطع المشيئة حتى عجب منه الشيخ أبوه. ولكي يمتحنه كان يأمره بما لا طاقة لبشري على فعله. أعطاه، ذات يوم، قضيباً بعضه قد أنتن وأمره بزرعه وسقايته مرتين في اليوم إلى أن يتجذّر. ولسنة كاملة أخذ يوحنا ينفذ بدقة أمر معلّمه دونما اعتراض أو تذمّر. وكان يُضطر إلى المشي مسافة ميلين لإحضار الماء. هذه الطاعة الكاملة التي أبداها يوحنا هي التي أهّلته لاقتبال نعمة الروح القدس وموهبة النبوة.
إثر وفاة الشيخ أبيه أمضى قدّيسنا بعض الوقت في عدد من أديرة الشركة عاد بعدها إلى موطنه ليقيم في مغارة يصعب الوصول إليها، في بطن جبل قريب من أسيوط. سدّ مدخل المغارة حتى لا يكون له ما يشوّش عليه صلاته. جعل لنفسه ثلاث قلال، إحداها لحاجات الجسد والثانية للعمل وتناول بعض البقول عند المساء والثالثة للصلاة.
عاش هناك بلا همّ، ينعم بالصلاة القلبية. وقليلاً قليلاً بدأ يفتح نافذة صغيرة يومي السبت والأحد ليتحدث من خلالها إلى زائريه الذين كانوا يقصدونه من بعيد لينتفعوا من تعليمه لهم. كان يعظهم بأن يحرصوا على الاتضاع لأنه إكليل الفضائل كلها، فبالاتضاع يتغلّبون على الأوهام التي يثيرها الشيطان على الذين يثقون بأنفسهم وأصوامهم وأتعابهم. عاش على هذا النحو ثمانية وأربعين عاماً لم يمسّ خلالها قطعة نقدية واحدة ولا رآه إنسان يأكل أو يشرب.
مَنّ عليه الرب الإله بموهبة النبوّة إلى حدّ أنه كان ينفذ إلى الأفكار الحميمة لزائريه، كما تنبّأ بالعديد من الأحداث العامة، وحظي بموهبة الشفاء التي تعاطاها عن بعد اجتناباً للمجد الباطل، فكان يرسل للمرضى بركات زيت ويظهر لهم في الحلم.
من شهادات الذين عرفوه شهادة بلاديوس. قال إنه لما أتى إليه بعد سفر استغرق ثمانية عشر يوماً من نتريا سأله يوحنا، أول ما سأله، عن الأنبا أوغريس في بريّة وادي النطرون، لأنه عرف بالروح أنه صديقه. كذلك خبّر أنه أثناء حديثه والبار حضر حاكم الولاية فترك يوحنا بلاديوس وبدأ يتكلم معه على انفراد. وإذ طال الحديث تضايق بلاديوس إلا أنه فوجئ بالمترجم يأتي ويقول أنه: لا تتضايق، فإني سأصرف الحاكم فوراً وأتحدث إليك". فلما وقف بلاديوس أمام القدّيس سأله القدّيس: يا بني، لماذا تضايقت مني وأية خطيئة وجدت فيّ؟ ثم أردف: ألم تعلم أنه مكتوب لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى وأن الذين يعيشون في الشر يحتاجون إلى المسيح؟ أما أنت فبإمكاني أن أحدثك في أي وقت أرغب فيه. وحتى إذا لم أقدّم لك التعزية فإن الإخوة والآباء القدّيسين سيقدّمونها لك. لكن هذا الحاكم الذي شغله إبليس بأمور الدهر الحاضر قد جاء بوقت قصير، بين عمله الكثير، مفلتاً منه، كخادم يهرب من سيّده ويأتي في طلب المساعدة الروحية. لهذا لم يكن مناسباً أن أتركه وألتفت إليك لأنك دائماً ما تهتم بخلاص نفسك وأما هو فلا. وبعدما استسمح بلاديوس قال له القدّيس أنه سوف يقع في تجارب عديدة ليتعلّم الاحتمال وتنبّأ بأنه سيصبح أسقفاً وقد صار كما قال له.
من أخباره أيضاً أن زوجة أحد الأمراء رغبت في رؤية القدّيس فطلب الأمير ذلك منه. وإذ لم يشأ زارها في الحلم وقال لها لا حاجة لأن تذهب إليه.
وقد عانى الكثير من هجمات الشرير عليه. مرة ظهر له الشيطان بحضور أبالسة عديدين في شكل ملائكة نورانيين حاولوا بالخدعة والإلحاح حمله على السجود للشيطان مدّعين أنه المسيح. فما كان من القدّيس إلا أن أجاب بحكمة كبيرة: كل يوم أسجد للمسيح يسوع ملكي. لو كان هذا هو إياه المسيح لما كان من الضروري أن أسجد له في هذه اللحظة. فلما قال هذا اختفت القوات الشريرة كالدخان.
هذا وقد ورد الكلام عليه لدى العديدين ككاتب تاريخ رهبان مصر والقدّيس يوحنا كاسيانوس وروفينوس المؤرّخ والقدّيس إيرونيموس وأوغسطينوس المغبوط.
عمّر إلى سنّ التسعين. وقبل وفاته كفّ عن التحدّث إلى الناس وانكفأ ثلاثة أيام ساجداً مصلياً إلى أ ن أسلم الروح. كان ذلك سنة 394م.
طروبارية القدّيس يوحنا الأسيوطي باللحن الثامن
لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ يوحنا فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.