منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 27 - 09 - 2018, 03:41 PM
 
بيتر عبد الشهيد Male
x Banned x

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  بيتر عبد الشهيد غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 123877
تـاريخ التسجيـل : Sep 2018
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 2

حياة الحق والضلال

حياة الحق والضلال

يقول المؤرخ والفيلسوف «بلوتارك»: «الفرق بين إنسان وآخر أكبر من الفرق بين حيوان وآخر». لقد خلق اللـه البشر بتدبير الخير، ولم يكن فى تدبيره أن يتحول هذا الكائن الذى يحمل بصمات اللـه وحبه إلى كائن يحمل الشر والهدم والضلال. فمن أين تسربت إلى الحياة تلك الشرور وفظائع الإنسانية والجريمة؟ إن السر يكمن فى اختيار الإنسان لدوره فى الحياة، فمن يختار وجودا ذاتيا شهوانيا ماديا تسقط من الحياة كل القيم والأخلاق والحب ويظهر مجتمع الغابة وتكون الإنسانية المشوهة هى جريمة الوجود.

وفى علم الاجتماع يصف العلماء الجريمة بأنها حالة انحراف شخصى وسلوكي. واختلفت نظريات علم الاجتماع فى معرفة السبب الذى يؤدى إلى ظهور هؤلاء المجرمين. ومهما تكن الأسباب فالإنسان هو الذى يختار قوة تأثير هذه العناصر، فنجد طه حسين يتحدى عمى البصر، ونجد أشرارا خرجوا من بيوت صالحة. وأرى أن مشكلتنا الكبيرة فى الإنسانية ذاتها وقد نهتم فى تربية أولادنا بالتعليم وليس التربية، بالتدين الخالى من حب اللـه والآخر، بصنع مستقبل يجنى فيه الفرد أموالاً وليس ليكون له دور فى عالم الإنسانية.

ويقول عالم الاجتماع «هرتن وزلي»: «ضعف رابطة الفرد بالمجتمع، أو تصدع علاقة الأفراد بالمجتمع تنتج عنها أفعال إجرامية». فالمنحرفون يعانون انفصالا عن معاييرهم الأخلاقية والاجتماعية العامة، بينما ينتمون إلى عالم آخر تم التأثير عليهم فيه. كما يقول «سذرلاند»: «إن التفكك والخلل فى التنظيم الاجتماعى فى بناء الفرد يؤدى إلى خلل فى سلوك الأشخاص». ولكن يبقى الإنسان هو القضية.

وبالرغم من أن هناك أشخاصا لهم نواح مجتمعية سيئة جداً ولكنهم استطاعوا أن يجدوا الإنسانية فى داخلهم، بل وكانوا نورا لعالمهم المظلم ليكون الإنسان الذى هو موضوع الجريمة هو أيضاً موضوع الحق والحق. وهذا مثل «ديستوفسكي» الكاتب العظيم الذى ولد فى (1821 م.) وتوفى فى عام (1881 م.). وهو أعظم كُتاب روسيا بل ومن أفضل أدباء العالم كله وتأثر به كثيرون من أدباء العالم. وتعد كتاباته جزءا من تراث البشرية الروحى والفكري.

وهو الطفل الثانى من سبعة أطفال لأب طبيب مدمن خمور وأم مسكينة. وكان الأب يعمل فى مستشفى فى أحد الأحياء الفقيرة فى موسكو، وسكن فى هذا الحى الذى كان فيه مستشفى للأمراض العقلية، ومقبرة للمجرمين، ودار للأيتام. وعاش الطفل وهو يراقب أحوال جيرانه وتأثر بهم جداً حيث كان يرى المجانين والأطفال الأيتام فى خارج البيت وكم كانوا يعانون المرض والفقر. وفى داخل البيت لم تكن تختلف الحال كثيراً، فالأب المدمن للخمر قاسى القلب كان يدخل لينام وقت الظهيرة ويقف أطفاله يتناوبون فى الوقوف بجانب سريره ليبعدوا الذباب عن وجهه، ويقولون إن شخصية والده هى مصدر شخصية الأب فى رواية «الإخوة كارامازوف».

وأصيب ديستوفسكى بنوبات الصرع وهو عنده تسع سنوات، ويقولون إن هذه النوبات كانت مصدر وصفه لصرع الأمير مايشكين فى روايته «الأبله». وتوفيت والدته بمرض السل وهو فى بداية شبابه. وذهب هو وأخوه إلى أكاديمية الهندسة البحرية فى سانت بترسبرج. وبعدها توفى والده فى إحدى حانات القمار والخمر، واشترى أحد جيرانه أملاكه بسعر زهيد.

وبدأ يكتب إنتاجه الأدبى وهو فى الحادى والعشرين. وكان يحلم بعالم تسوده الحرية وكانت روسيا حينها تحت حكم القيصر «تسار نيكولاس» وكان هذا قاسياً شرساً جداً. وانضم ديستوفسكى إلى جماعة تدعو إلى الحرية. وقُبض عليه وحُكم عليه بالإعدام، وسُيق إلى منصة الإعدام، ووقف ورأسه يتدلى من حبل المشنقة، وقبل دقيقة واحدة من تنفيذ الحكم أصدر القيصر تخفيفاً للحكم بالسجن أربع سنوات فى المنفى مع العمل الشاق.

ويصف الحياة فى سيبيريا حيث المنفى فى كتابه «ذكريات من منزل الأموات» بأنها حياة لا تطاق، ويقول لنا محزمون كالسردين فى برميل لم يكن المكان كافيا كى تستدير، وكانت البراغيث والخنافس متوالدة بالمكيال. وبعد ثمانية أشهر تدخل أحد البارونات لدى القيصر وخرج من النفى وتم تجنيده فى الجيش، ولكنه أحيل للتقاعد لسوء حالته الصحية.

وكان يمكن أن تشكل هذه الظروف إنسانا ناقما على المجتمع، سلبيا على الأقل إن لم يكن هداما. وحين يملك فكرا وموهبة مثل ديستوفسكى فقد كان يمكن أن ينشر الفكر العدمى والعبثى مثل كثيرين من الكتاب. ولكن ما حدث غير ذلك فقد حول ديستوفسكى هذه الآلام إلى نور يدخل به إلى قلب الإنسانية ليكشف به عن طريق الحق فخرج من مرحلة آلامه أكثر عمقاً.

وبدأ إنتاجه الأدبى بثراء شديد خاصة فى سنواته الثمانى الأخيرة حيث كتب: الإخوة كارامازوف الجريمة والعقاب مذلون ومهانون الأبله الشياطين، وكثير من الروايات التى تعد من أهم الإنتاج الأدبى للبشرية. وكان يعرى فيها المجتمع الزائف، وحقيقة الصراع بين الخير والشر داخل الإنسان. حيث قلب الإنسان هو مضمار الحرب الحقيقية. وكان يستطيع أن يرى ما بداخل الإنسان حقيقة. حتى إن فرويد قال عنه: «كل مرة انتهى من كتابة بحث عن حالة نفسية أجد ديستوفسكى قد كتب عنها فى روايته», وحين سأل أحد الصحفيين «أينشتين» عن عبقرى القرن الماضى قال: «بلا شك ديستوفسكي». وتوفى هذا العظيم ومشى خلفه حين مات ثلاثون ألفاً من عشاق كتاباته فى روسيا. ولا تزال كتاباته تلهم الكثير من الأدباء المعاصرين أيضاً.

عزيزى القارئ لقد خلق اللـه فى داخلنا قوة هائلة تستطيع رغم كل شيء أن تكون نورا يهزم الضلال، وبينما العالم يسوده ذلك الفساد والشر، ولكننا يمكننا أن نغير وجه الضلال بنشر الحق لأن الحق أقوى من الشر لأنه من اللـه، فالإنسان فى داخله عالمه الخاص الذى يمكن أن يكون عالم جريمة أو عالم الخير. وقد يكون من حولك ينتظرون من يحمل الحق لهم فى الطريق فلماذا لا تكون أنت هو الحق وسط الضلال.

القمص أنجيلوس جرجس
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
حقيقة الحق والضلال
بين الحق والضلال
منتدى الحق والضلال
..:: الحق والضلال ::..
الحق والضلال


الساعة الآن 05:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024