لأنها ليست هي التوبة العادية بل هي التي تؤدي للتبعية السليمة بخطوات متزنة ثابتة، لأنه كيف لأحد أن يتبع شخص لا يثق فيه، ولا يجد أنه مستحق ان يلتصق به ويترك لأجله كل شيء آخر مهما ما كان حتى حياته نفسها، لذلك نجد السرّ واضح في إنجيل مرقس، لأنه كان مختزل في إنجيل متى وظاهر من خلال الأحداث، ولم يتحدث عنه لأنه سرّ النفس الخفي، وهو ظاهر في الترك والتخلي في موقف التلاميذ حينما سمعوا النداء، لأن التوبة هنا كانت ممزوجة بالإيمان، لذلك تركوا كل شيء وتبعاه، ولنركز في الكلمات لأن الإنجيل واضح في ترتيبه وفي منتهى الدقة، لأنه لو عبر علينا الكلام فلن نستوعب القصد الإلهي فيه، ولن نبدأ الطريق ونحيا حياة سليمة على الإطلاق:
+ وبعدما أُسْلِمَ يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل.[22]
فكان من المستحيل أن يبدأ المسيح الرب بالكرازة،
ونداء التوبة السابق لظهوره ما زال موجوداً ومستمراً، بل كان من الضروري يتوقف تماماً لأنه انتهى، ويبدأ نداء توبة كرازة من نوع آخر جديد تماماً، بل وكُلياً، ولكنها ليست توبة فقط، بل توبة يُلازمها الإيمان، فتوبة بدون إيمان هي توبة ناقصة لن تُفيد الإنسان شيئاً، بل قد تُعوَّقهُ عن أن يسير في الطريق الإلهي، لأن للأسف مفهوم التوبة عند الناس ناقص، لأنه يظن أنه يكفي أن يتوقف فقط عن أن يصنع خطية ويهرب منها، ويبدأ صراعه المرير معها الذي لا يتوقف قط، فيخور مرة ويقوم مرة، وينسى كلام الرب تماماً: (توبوا وآمنوا) بل يكتفي دائماً بنصف الآية الأول (توبوا).