عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي
يا الله إلهي أنت، إليك أُبكر، عطشت إليك نفسي
يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء
(1) مقدمــــــــــة
من واقع إعلان الحق في الكتاب المقدس، أن أبسط تعريف للإنسان هو: إنسان الحضرة الإلهية، وهذا المُصطلح ليس تعريف فكري فلسفي مُستنتج، أو تعبير موضوع ليجذب الناس لتقرأ الموضوع أو لكي يفرحوا وتطمأن نفوسهم، بل هو تعريف يُعبِّر عن وضع الإنسان الطبيعي حسب قصد الله وتدبير مشيئته.
لأن الإنسان في بداية وجوده انفتحت عينيه على نور الله الحي
الذي لم يعرف غيره في ذلك الوقت قبل السقوط، لأن الله خلق الإنسان على صورته في محضره الخاص، فأول انفتاح للإنسان كطفل بسيط في طبيعته كان على المجد الإلهي الفائق وعظمة نور وجهه المُريح للنفس، لأن أول منظر وأول مشاهدة للإنسان انفتحت عينه عليه هو الله نفسه النور والحياة، لأن هذا كله تم قبل أن يعرف وصية الله نفسها، وقبل أن يتعرَّف على الخليقة من حوله أو حتى يتعامل معها من الأساس، لذلك حياة الإنسان الطبيعية هي في الجو الإلهي، أي في حضرة الله ومعيته والتطلُّع والنظر لنور وجهه، وخارج هذه الحضرة الإلهية، وبعيداً عن هذه الرؤية والمُشاهدة، يظل الإنسان في قلق واضطراب عظيم جداً وعدم راحة أو سلام، مثل طفل تائه فقد أمه ولم يعد يراها أمام عينيه، لأنه خرج خارج مكانه الطبيعي وابتعد عن موضع أمانه وراحته، أي أنه خرج من الحضن الدافئ المُريح، خرج من موضعه الشخصي، من بيته الذي هو منزله الخاص، لأن لا يرتاح المثيل إلا على مثيله، والإنسان كان صورة الله ومثاله قبل السقوط، وبعد السقوط ضاع المثال وتشوهت الصورة، وتغرَّب تائهاً بعيداً عن جوه الخاص، ولكن مع ذلك ظلت هناك ملامح من تلك الصورة مدفونة عميقاً في الإنسان مع حنين لبيته ومكانه الطبيعي، لأن الملامح الإلهية المزروعة فيه لم تضيع نهائياً، لذلك يظل الإنسان على مدى حياته كلها، يفتش تلقائياً بلهفة عن الراحة المفقودة التي في الله مقرّ سكناه ومصدر حياته ووجوده، لذلك يظل هناك حنين قوي – ذات سلطان – في النفس مع شوق وطوق عظيم إلى الحضرة الإلهية، وهذا يُعَبَّر عنه بالعطش إلى الله الحي: عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي، متى أجيء واتراءى قدام الله؛ يا الله إلهي أنت، إليك أُبكر، عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء. (مزمور 42: 2؛ 63: 1)