ما حدث داخل الكنيسة منذ مقتل رئيس دير أبو مقار وحتى ظهر الأربعاء

[Mary Naeem]

ما حدث داخل الكنيسة منذ مقتل رئيس دير أبو مقار وحتى ظهر الأربعاء

بعد دقائق من اكتشاف رهبان دير أبو مقار بوادي النطرون، جريمة مقتل رئيس الدير الأنبا إبيفانيوس، على بعد أمتار من "قلايته" -مكان سكنه- في الدير، وخلال توجههة إلى كنيسة الدير للمشاركة في صلاة باكر، علم البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالحدث.
فالبابا الذي كان متواجدًا في تلك الليلة في دير الأنبا بيشوي، والذي يفصله عدة أمتار عن دير "أبو مقار"، تلقى النبأ هاتفيًا، في الثالثة إلى الرابعة من صباح يوم الأحد الموافق 29 يوليو الماضي، والذي أمر على الفور أمين الدير بالاتصال بالأجهزة الأمنية، قبل أن يرسل مع شروق الشمس، سكرتيره الشخصي القس أنجيلوس اسحق، إلى الدير، للوقوف على تفاصيل الجريمة، ويتابع مع النيابة والشرطة المعاينة وإجراءات التحقيق، والسماح بنقل جثمان الأسقف الذي وجد مقتولًا بضربة بآلة حادة على مؤخرة الرأس تسببت في تهشيم رأسه وخروج أجزاء من المخ خارج الجمجة.

والأنبا إبيفانيوس من مواليد 27 يونيو 1954 في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وهو حاصل على بكالوريوس في الطب، والتحق بالدير في 17 فبراير 1984، قبل أن يرسم راهبًا في 21 أبريل 1984، باسم الراهب ابيفانيوس المقاري، ورسم قساً في 17 أكتوبر 2002، وكان يشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع بكل اللغات في الدير، واختير رئيسًا للدير بالانتخاب في 10 مارس 2013.
وفيما كان يتلقى البابا اتصالات من المسؤولين ومحافظة البحيرة، لبحث تداعيات الحادث، كانت الشائعات تنتشر بين صفوف الأقباط، قبل أن يخرج بتعليمات من البابا، بيان عبر المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القس بولس حليم، يوضح مجريات الأمر ويشير إلى جريمة القتل، وأن تحقيقات تجرى في هذا الأمر، وأن الكنيسة تنتظر نتائج التحقيق.
مرت الساعات بطيئة على البابا والكنيسة، قبل أن تعلن ترتيبات صلاة الجنازة على الأسقف الذي غدر به في ليلة حالكة الظلام، وتم قصر الحضور على الأساقفة والرهبان وأسرة رئيس الدير الراحل.

وفي يوم الإثنين 30 يوليو 2018، حاول البابا تجاوز أحزانه، وكرم خريجي الدفعة التي أتمت دراستها هذه السنة في المعهد القبطي للقيادة، والذين التقاهم في مركز لوجوس البابوي بوادي النطرون، وذلك بحضور الأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس مصر القديمة والمشرف على كنائس الخليج، وأعضاء هيئة التدريس بالمعهد، وخلال اللقاء ألقى البابا كلمة، أكد خلالها أهمية علوم القيادة والإدارة للخدمة بالكنيسة، ثم دار حوار مفتوح بينه وبين وحضور الاحتفال، ومن بعده كرم الخريجين من الكهنة وقيادات الخدمة في كنائس الإمارات.

وفي يوم الثلاثاء 31 يوليو 2018، والذي تزامن مع الذكرى الثلاثين لرهبنة البابا في دير الأنبا بيشوي، استيقظ البابا مبكرًا حيث ترأس صلوات القداس الإلهي، قبل أن يفتتج المؤتمر الثالث لكهنة الخليج من دول "الإمارات والبحرين وعمان وقطر"، في مركز لوجوس، وألقى البابا خلاله محاضرة أشاد فيها بالأسقف المقتول، معتبره "وجه مشرق للكنيسة القبطية".
وألقى خلال المؤتمر نفسه، محاضرات من قبل الأنبا رافائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة وسكرتير المجمع المقدس السابق، والقمص يوحنا باقي، والقمص بولس جورج كاهني كنيسة مار مرقس الرسول بمصر الجديدة.

جاء ذلك قبل ساعات من ترأس البابا صلوات تجنيز الأسقف الراحل، التي أقيمت بالكنيسة الأثرية في دير أبو مقار، بعد وصول جثمانه من مشرحة دمنهور العام، وظهر الحزن على البابا جليا، فنعى مثلث الرحمات باكيًا، مشيدًا به قبل أن يرسل رسائل لرهبان الدير، يطالبهم بالحفاظ على وحدته وسلامه، والبعد عن الانحرافات، ويحرص البابا لأول مرة للمشاركة في مراسم وضع جثمان الأسقف في المدفن المعد له وإلقاء وصيته، وهو أمر لم يتكرر مع عدد الأساقفة الذين توفوا في عهد البابا تواضروس.
ومصطلح مثلث الرحمات يُقال لبعض الآباء المتنيحين (المنتقلين) -وخصوصًا البطاركة والأساقفة- ويعني أنك لا تطلب رحمة واحدة فقط -كما في قولك "الله يرحمه"- بل يرحمه بالثلاثة "مثلث الرحمات"، وهي عبارة بها زيادة في الرحمة بالنسبة للمتنيح، أو الرحمة الكبيرة، أو الكاملة، وهي شبيهة بعبارة "مثلث الطوبى" (بمعنى مثلث البركة thrice blessed أو" Thrice-Blessed"، والتي تعني السعيد سعادة كاملة، أو الفرح فرحًا كبيرًا، ولا تُقال إلا للمتنيحين، حسبما أوضح موقع الأنبا تكلاهيمانوت القبطي الأرثوذكسي.

ودير الأنبا مقار، يقع بوادي النطرون، وينسب للأنبا مقار وهو تلميذ الأنبا أنطونيوس الكبير مؤسس الرهبنة القبطية، ويعود تاريخة إلى القرن الرابع الميلادي، وتبلغ مساحة الدير الإجمالية حوالي 11.34 كم2 شاملة المزارع والمباني التابعة، ويحتوي على 7 كنائس، وملحق بالدير متحف صغير ومشفى ومحطة لتوليد الكهرباء ومطبعة ومكتبة تضم مخطوطات نادرة، وهناك مساكن للعاملين بالدير من غير الرهبان.
وفي اليوم التالي، الأربعاء 1 أغسطس الجاري، لملم البابا تواضروس أحزانه، من أجل الحفاظ على سلامة الكنيسة والعبور بها من هذه العاصفة العاتيه، فعقد اجتماعا مطوله مع لجنة الرهبنة والأديرة بالمجمع المقدس للكنيسة، بحضور سكرتير المجمع المقدس الأنبا دانيال أسقف المعادي، وحضور 19 من مطارنة وأساقفة ورؤساء أديرة الكنيسة، استمر لعدة ساعات، تم خلالها مناقشة تداعيات الحادث وكيفية ضبط الحركة الرهبانية.

وعقب الاجتماع، ألقى البابا عظته الأسبوعية من كنيسة التجلي بمركز لوجوس بدير الأنبا بيشوي، والتي استهلها بالحديث عن الأسقف الراحل، قبل أن يلقي كلمة روحية بعنوان "المسيح فخر الرسل".

وفي يوم الخميس، 2 أغسطس 2018، بلور البابا مع سكرتارية المجمع المقدس توصيات اجتماع لجنة الرهبنة والأديرة، 12 قرارًا لضبط الحركة الرهبانية، كان أبرزها وقف الرهبنة لمدة عام، وغلق صفحات التواصل الاجتماعي للرهبان، ومنع انشاء أديرة جديدة.
وفي مساء هذا اليوم، أعطى البابا القدوة للرهبان بنفسه بإغلاق صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك"، واتبعه بعدها عدد من أساقفة الكنيسة.
واستمر البابا طوال يومي الجمعة والسبت في بحث الملفات التي عرضت عليه الخاصة بقرارات لجنة الرهبنة والأديرة، حول المخالفات والشوائب التي تتم في الأديرة القبطية، وبلور قرار يوم السبت بتجريد راهبين من "أبو مقار" عن الرهبنة إلا أنه لم يتم التوقيع عليه، والبيان الذي سرب من بعض الأساقفة في الكنيسة لأحد الصحفيين، سارعت الكنيسة بالتأكيد على عدم صحته أو دقة محتواه، إذ احتوى على اسم الراهب "يعقوب المقاري" الذي أسس دير الأنبا كاراس بوادي النطرون منذ 2012 ورفض اخضاعه للكنيسة، إلا أن محاولات في الساعات الأخيرة أجريت مع الراهب الذي أخلى دير أبو مقار في 2015 سبيله، أسفرت عن التوصل لاتفاق بخضوع الراهب إلى الكنيسة وتسجيل ممتلكات الدير باسم البابا تواضروس الثاني، وأن يشرف على الدير الأنبا متاؤس رئيس دير السريان بوادي النطرون، تمهيدًا لاتخاذ الخطوات الكنسية المنصوص عليها في لائحة "تنظيم أديرة الرهبان" الصادرة عام 2013 عن المجمع المقدس، للاعتراف بالدير.

فيما حمل يوم الأحد 5 أغسطس 2018، إصدار البابا تواضروس، بيانًا بخط يده بتجريد الراهب "أشعياء المقاري" من الرهبنة وعودته إلى اسمه العلماني "وائل سعد"، وهو الراهب الذي رسمه البابا شنودة الثالث في 2010، ضمن 10 رهبان بدير أبو مقار، وبعد صدور البيان انتشرت الشائعات حول تورط الراهب المجرد في محاولة قتل رئيس الدير الأنبا إبيفانيوس، قبل أن تخرج الكنيسة ببيان آخر تنفي فيه تورط الراهب، وتشير إلى أن التحقيقات مستمرة في الجريمة، ومرفق معه خطاب صادر في فبراير الماضي، حمل توصية من لجنة الانضباط الرهباني بالمجمع المقدس ورئيس دير أبو مقار يطلب إبعاد "أشعياء" عن الدير لكونه يرفض العمل في الدير ويكون جبهة مضادة في الدير، ويفتخر بأن لديه أموال وأكل في قلايته –سكنه-، ويجمع بعض الرهبان فيها، ما دفع البابا وقتها إلى إصدار قرار بنقله إلى دير الزيتونة لمدة 3 سنوات، ما لبث أن رجع فيه بناءا على توسلات من رهبان الدير ورئيس الدير المقتول، إلا أن الراهب استمر في مخالفاته ما استلزم معه اتخاذ البابا قرار الطرد من الرهبنة.

وكان البابا في تلك الأثناء؛ عاد من دير الأنبا بيشوي، إلى المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، إذ استقبل في اليوم نفسه، بالمقر البابوي، وزير الخارجية الإيطالي إينزو موافيرو ميلانيزي، والوفد المرافق له، خلال زيارته لمصر.

إلا أنه في اليوم التالي 6 أغسطس، كانت الكنيسة والبابا مع فصل جديد من دراما دير "أبو مقار"، إذ أقدم الراهب "فلتاؤس المقاري" على الانتحار مرتين داخل الدير، إذ قطع شرايين يديه في قلايته قبل إسعافه، ليكرر محاولة الانتحار مرة أخرى بالقاء نفسه من أعلى عيادة الدير، ليُنقل في حالة حرجة إلى أحد مستشفيات القاهرة، تحت حراسة أمنية مشددة، فيما تواردت في ذات اليوم عن محاولة للراهب المجرد من الرهبنة "إشعياء المقاري" الانتحار هو الآخر بتناول "السم" إلا أن الكنيسة التزمت الصمت حيال الأمر، ورفضت التعقيب على ذلك.

وكانت تجمع الراهبين "فلتاؤس" و"إشعياء" صداقة ظهرت في الصور المتداولة لهما سويا، كما أنهما كانا من الرهبان العشر الذين رسمهم البابا الراحل شنودة الثالث في عام 2010 لدير أبو مقار، بعد وفاة الأب متى المسكين الذي يعد الأب الروحي لرهبان الدير، والذي كانت بينه وبين البابا الراحل خلافات لاهوتية وفكرية عديدة ترجمت في كتاباتهما المنشورة.
وفي أول أيام "صوم العذراء"، الذي وافق يوم أمس -حسب الاعتقاد المسيحي-، والذي يستمر لمدة 15 يومًا، استمر البابا في برنامجه المعتاد، حيث افتتح المستوى الأول لـ"كورس العهد الجديد"، بأسقفية الشباب التابعة للكنيسة، وذلك ضمن برنامج "الكورسات المتخصصة" بالأسقفية، وألقى محاضرة عن "شرح سفر أعمال الرسل".

كما استقبل البابا في المقر البابوي، وفد جمعية الصداقة المصرية الروسية الذي يزور القاهرة حاليًا، وتلك الزيارة التي تأتي في إطار فعاليات مسابقة "صداقتنا سر قوتنا" التي نظمتها جمعية الصداقة المصرية الروسية بالتعاون مع جمعية الشبان المسيحيين بمصر، ويتكون الوفد من الفائزين في هذه المسابقة، والذين تمت دعوتهم لزيارة مصر للتعرف على معالمها وعلى الثقافة المصرية.

بينما زار البابا صباح اليوم الأربعاء 8 أغسطس، مشيخة الأزهر الشريف، على رأس وفد كنسي كبير، لتقديم التهنئة للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بقرب عيد الأضحى المبارك، وأكد خلال الزيارة على أن الأعياد والمناسبات تجسد روح المحبة والتعايش المتأصلة بين أبناء المجتمع المصري من مسلمين ومسيحيين.

هذا الخبر منقول من : الوطن