ملصقات لإعلانات عن شقق للايجار أو التمليك، يعدد فيها المعلن مميزات هذه الشقق، تأتي في مقدمتها "بجوار محطة المترو أو تبعد 5 دقائق عن المترو"، وأثناء الاتصال بالرقم الممهور بالإعلان ومحاولة تخفيض قيمة الإيجار أو سعر البيع، لا يتردد صاحب الإعلان في الرد "كفاية إنها جنب المترو".
مساء الخميس الماضي، استقبل المصريون قرار زيادة أسعار تذاكر المترو، الذي دفع بعضهم للاستغناء عن وسيلة مواصلاتٍ كانت الأرخص والأفضل ولكنها بعد الزيادات المقررة أصبحت الأغلى ضمن وسائل أخرى.
غلاء أسعار تذاكر المترو لم يؤثر فقط على رواده الذين شرعوا في البحث عن بدائل، ولكن كان له أثر كبير على سُكان المناطق المُلاصقة له، أصحاب العمارات المبنية حديثًا بجوار شريطه، والسماسرة الذين يروجون للشقق بجواره بثمنٍ أعلى كونه الأسرع والأرخص. فيما أصبح لهم الآن بعد الزيادات المُقررة وجهة نظرٍ أخرى.
قبل 4 سنوات كان "طارق" و"شرين" يبحثان كأي شابين عن شقةٍ ليكللا قصة حبهما بالزواج، ولكن غلاء الأسعار كان حملا ثقيلا.
أغلب الشقق تنتشر في المدن الجديدة، وشراء إحداها يتطلب مبالغ باهظة فوق التكلفة التي يمكن أن يتحملاها، ناهيك عن المواصلات للوصول إليها يوميًا والتنقل ما بين عملهما ومصالحهما المختلفة. لهذا استقر الشابان على البحث عن شقة بجوار إحدى محطات مترو الأنفاق لكي يتمكنا بسهولة من الحركة إلى مختلف الأماكن باستخدام "أرخص وسيلة مواصلات " آنذاك، بحسبهم.
"مكناش فاكرين إن الشقق جمب المترو هتكون غالية هي كمان"، قالها طارق الثلاثيني مُسترجعًا رحلة بحثه وشرين عن الشقة التي استقرا بها الآن. بالبحث اكتشف الشابان أن الشقق التي تقع بالقرب من مترو الأنفاق ارتفع ثمنها عن تلك التي تبعد عنه، حيث يقدم لهما السماسرة عرضها بمنتهى الفخر "دي تمنها فيها يا أستاذ، جمب المترو على طول يعني هتوفر وقتك وفلوسك في بهدلة المواصلات اللي هتدفعه زيادة في سعرها هتوفره وقت ومواصلات".
وقتها بدا كلام السماسرة معقولًا بالنسبة للشابين ولكنهما استمرا في البحث حتى وجدا إحدى الشقق التي تناسب "تحويشة العمر" بجوار محطة مترو "عزبة النخل"، ورغم ارتفاع سعر الشقة نسبيًا عن باقي شقق المنطقة ذاتها ولكنهما اكتشفا بالتجربة أن "تمنها فيها" كما أخبرهما السماسرة من قبل.
"تلت ساعة بنبقى في وسط البلد، ونقدر نتحرك لأي مكان بسهولة ولمسافات بعيدة بمنتهى الأمان مهما كان الوقت متأخر والتذكرة كانت بجنيه واحد بس"، تقولها الزوجة شيرين وهي تحدد مميزات المترو التي دفعتهما لاقتناء الشقة بجواره، لكن عقب ارتفاع أسعار ثمن التذاكر اتخذ الشابان منهجًا آخر في التفكير.
"قررنا ندور على بديل، شغلي وأهلي في حلوان يعني تذكرة المترو رايح جاي محتاجة ميزانية لوحدها"، إلى ذلك استقر أمر طارق بالبحث عن بديل للذهاب لعمله يوميًا لتوفير بعض الجنيهات "إحنا أولى بيهم للعيشة"، بينما فقدت الشقة التي بذلا من أجلها كُل شيء الميزة الوحيدة التي تكبدا عناء شرائها من أجلها.
ويأتي قرار زيادة أسعار تذاكر المترو في إطار خطة حكومية سبق الإعلان عنها -دون التقيّد بموعد لتطبيقها- وشملت تركيب ماكينات تذاكر جديدة، لتفعيل تقسيم محطات المترو إلى مناطق عدة. وأرجعت وزارة النقل إقرار تلك الزيادة إلى "الحد من الخسائر المتراكمة لمرفق مترو الأنفاق".
أمام إحدى العمارات الجديدة، التي لم يكتمل بنائها بعد بمنطقة "حدائق الزيتون"، جلس "فاروق" الستيني صاحب البناية وهو يباشر العمال أثناء عملهم ويحفزهم، بينما أخذ يتلقى الاستفسارات بين الحين والآخر من المارة عن سعر الشقق بعمارته، فيقدم لكل منهم العرض الذي يناسب إمكانياته ويذيل حديثه بـ"شوف إنت عاوز إيه بس وإن شاء الله مش هنختلف".
قبل زيادات أسعار المترو تذاكر المترو الأخيرة، كان حديث فاروق أثناء إتمام صفقة البيع يتصدره أهم ما يميز بنايته على الإطلاق، "يا بيه ده الشقة جمب المترو لازق لازم تمنها يكون أغلى شوية"، هكذا كان يرد الرجل الستيني على بعض المشترين الذين يرون أن ثمن الشقة أغلى من المعتاد بالنسبة لمثيلاتها، ولكنه لم يكن يفقد هِمته أبدًا، فيعدد للزبون على مهل مميزات السكن بجوار المترو "بدل الشحططة كل يوم في المواصلات سعادتك هتوصل شغلك في مفيش وكمان هتبقى مطمن على عيالك وهما رايحين مدارسهم".
محاولات فاروق الدؤوبة لإقناع الزبائن كانت تؤتي بثمارها في بعض الأوقات، ولكن بعد زيادة أسعار تذاكر المترو، فقد الرجل الستيني أهم ما يميز غلاء ثمن شقق بنايته، التي قد يضطر لترخيص ثمنها من أجل الحصول على مشتريين "محدش بيشتري شقق إلا فين وفين، الناس معهاش تشتري ودلوقتي مبقاش معاهم يركبوا المترو كمان مش عارف هنعمل إيه عشان نبيع! يمكن نضطر نرخص سعرها عشان نلاقي زبونها".
على جانب الطريق في أحد شوارع منطقة "الدمرداش"، يجلس "بكر" الخمسيني خلف مكتب صغير في مدخل إحدى بنايات المنطقة. ورغم أن الرجل الخمسيني يعمل كحارس عقار للبناية التي يجلس أمامها، إلا أن صيته قد ذاع منذ زمنِ بعيد كونه واحدًا من أشهر سماسرة المنطقة التي يلجأ إليهم طلاب كلية الطب وجامعة عين شمس القادمين من الصعيد والأرياف -ممن لا يرغبون السكن بالمدينة الجامعية- ليؤجروا الشقق.
خطة "بكر" محفوظة ومحكمة، فدائمًا ما يحاول إقناعهم بالسكن في بعض الشقق التي يقوم بتأجيرها للطلاب بجوار محطة المترو، ورغم غلاء ثمن إيجار تلك الشقق عن باقي الشقق الداخلية بالمنطقة إلا إنه دائمًا ما ينجح في إتمام صفقته "العيال بتبقى جايه من بلدها مش عارفة حاجة في القاهرة والمترو أأمن وسيلة مواصلات ليهم وسعرها رخيص فلما الواحد بيقنعهم بالمميزات بيوافقوا على طول خصوصًا إنه جمب الجامعة".
غلاء أسعار تذاكر المترو حسب القرار الجديد أصاب "بكر" بالكدر ليومين متواصلين، فمع ارتفاع ثمن التذكرة فقد الرجل الخمسيني واحدة من أهم مميزات الشقق التي يقوم بتأجيرها للطلاب، الذين يتوقع أن يبحثوا عن شقق أخرى بالمنطقة ذاتها ولكن من الداخل لرخص ثمنها، لأن الأغلب منهم لن يعمد إلى ركوب المترو طوال الوقت بعد إقرار ارتفاع اسعاره "زمان كان اللي شقته تجاور المترو يسعد ويكسب، دلوقتي غلا التذكرة مش جاي ع الركاب بس ده علينا إحنا كمان، واللي يجاور المترو هيخسر هيخسر".
هذا الخبر منقول من : مصراوى