" لليان تراشر " العذراء الأمريكية التي أصبحت أم الأيتام المصريين

[walaa farouk]

ما الذي يجعل فتاة رقيقة وجميلة ( 23 عاماً ) وتعيش حياة راغدة في ولاية فلوريدا الأميركية تترك خطيبها قبل زفافها بنحو عشرة أيام وتترك كل ترف الحياة وتأتي إلي صعيد مصر
وتحديداً في أسيوط لتكرس حياتها لرعاية الأطفال المرضي والأيتام وايضا الأرامل والمسنيين وتواجه تحديات صعبة في سبيل تحقيق رسالتها السامية
، منها ثقافة ولغة مختلفتان ، أمراض وأوبئة ، جهل وأمية ، عوز واحتياج مادي كبير لسداد متطلبات الخدمة وان كان الله يسدده بطرق معجزية .. انه الحب الحقيقي ، حبها لله الذي ملأ قلبها جعلها تحب المحتاجين والضعفاء وتضحي بشبابها وجمالها وتكرس حياتها لخدمتهم ومساعدتهم وتؤسس اكبر ملجأ في مصر لرعاتهم
عن القديسة لليان تراشر أتحدث ..
القديسة التي ضحت بجمالها وشبابها وخطيبها وتغربت باقي أيام حياتها في بلاد فقيرة - أسيوط بصعيد مصر - من أجل خدمة اليتامى والآرامي والمرض والمسنيين
+ لم تحلم لليان تراشر بتكوين أسرة وبيت ولا بجمع ثروة طائلة من المال او شراء عقار او سيارة ولا بالحصول علي منصب سياسي او تنفيذي ،
لكنها اختارت ان تخدم الضعفاء والفقراء والبسطاء والمجروحين والمرضي والمتألمين متغربة في بلاد فقيرة وأسست في 1911 أول ملجأ للأيتام في بلاد النيل. ولا يزال الملجأ الذي سمّي على أسمها في أسيوط ، “بيت ليليان تراشر” يستقبل حتى يومنا هذا الأيتام وذوي الظروف الخاصّة ويُعدّ أكبر ملجأ في مصر. ولهذا لُقبت بعدة ألقاب “ أعظم امرأة في مصر”، “ أم الفقراء واليتامى”، و”قديسة أسيوط”. إلا أن لقبها الأوسع انتشاراً هو “ أم النيل ”.
ولدت ليليان تراشر في 1887 في ولاية فلوريدا الأميريكية. نشأت في عائلة محافظة تميل إلى احترام التقاليد. عرفت في طفولتها وصباها الكتاب المقدّس الذي وصفته مرة بأنه “أعظم كتاب في التاريخ ”.
كانت تصلي من أجل دعوة للعمل بين أخوة الرب؛ ولكن في تلك الأثناء خُطبت لتتزوج. وقبل يوم زفافها بعشرة أيام رافقت ميس بيري لتسمع أحد الوعاظ وكان من الهند، وقد تأثرت بشدة بعظته التى كانت بمثابة رسالة لها من السماء ، حتى أنها بكت بشدة في أثناء الخدمة وبعدها ، أرادت مس بيري أن تعرف سبباً لذلك، فأوضحت لها ليليان أنها قد خُطبت لتتزوج شاباً رائعاً ، وأنها لا تستطيع أن تتزوجه، فقد دعاها الله للخدمة في أفريقيا ويجب أن تطيع، إذ يجب أن تطع الله أولاً.
وإذ لم تكن تعرف إلا القليل عن المكان الذي ستذهب إليه ففتحت ليليان كتابها المقدس وقرأت ( أع 7: 34) " لقد رأيت مشقة شعبي الذين في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم. فهلم الآن أرسلك إلى مصر
نزلت الإسكندرية، وسافرت بالقطار إلى القاهرة، ثم بالمركب على نهر النيل إلى أسيوط ، وصلت اسيوط في 1910 لتبدأ فيها مرحلة جديدة من حياتها. وبعد ثلاثة أشهر من وصولها طلب منها أحدهم زيارة امرأة مريضة مشرفة على الموت، فلبّت النداء. ووجدت المرأة تعيش في غرفة صغيرة متواضعة وبسيطة للغاية مع ابنتها المولودة حديثاً، لم تتصوّر ليليان أن هناك من يعيش بهذا القدر من البؤس والفقر، ماتت الأم المحتضرة بعدما أوصت لليان بالعناية بطفلتها التي لا معيل لها، خشيت ليليان أن تضايق زميلاتها المرسلات التي تقيم معهم بسبب صراخ الطفلة فاستأجرت في 1911 بيتاً صغيراً وجهزته ببعض الأثاث البسيط ، أنفقت كل ما لديها من مال لتعتني بالطفلة المسكينة. وكان ذلك بداية تأسيس الملجأ الذي ذاع صيته فيما بعد.
لم تمتلك ليليان مورد رزق، فتجولت على حمار تنشد المساعدة من السكّان الذين أعطوها في أحيان كثيرة الاطفال لتربيهم عوضاً عن المال.. ولمـّا ازداد عدد الأطفال في الملجأ أخذت ليليان تصرف وقتاً في التفكير في الوجبة التالية، ومع ذلك كان يصلها على الدوام إما الطعام وإما المال، مدّتها كنيستها في امريكا بكميات من الملابس وأحياناً ببعض المال، لكنها اعتمدت بشكل كبير على كرم جيرانها المصريين. وازداد عدد اليتامى في 1912 ليبلغ خمسين طفلاً فاضطرّت إلى بناء ملجأ أوسع. شيّدته من الطوب بمساعدة أطفالها الذين بدأت تعلّمهم الحرف وتعدّهم للحياة.

أوت بحلول 1923 أكثر من ثلاث مائة يتيم وأرملة ً. وظلت تخيط وتغسل وتُطعِم وتبني وتتكل على الدوام على الله في كل شيء.
واجهت ليليان تراشر في خدمتها الكثير من المشاكل التي أصابت مصر، ومنها الاستعمار البريطاني، الثورات، الأوبئة، الكوليرا والطاعون لكن لم يثنها ذلك كلّه عن عزمها على خدمة الأطفال اليتامى المشرّدين في أسيوط، لأنها أخذت عهداً بأن تستقبل كل من يدقّ الباب
كانت لليان أماً بحق لا تترك الفتيات حتى بعد زواجهم بل كانت الصدر الحنون الذى يتسع لهم جميعا بمشاكلهم وهمومهم فقدمت للمجتمع فتيات وشبابا صالحين وفى احتفال عام 1944 قالت لليان: منذ 34 عاماً تركت بلادى وأنا فتاة صغيرة غير أن كل الأشياء تغيرت ، فالبلاد التى حسبتها غريبة أصبحت جزءاً منى وأصبحت جزء منها، لقد تبنتنى مصر كما تبنيت أنا أطفالها، وأصبحت أفراحها أفراحى وآلامها آلامى، وأصبحت أمريكا ذكرى جميلة”.
هذه قصة الأنسة التى يناديها الألوف”ماما” هذه الفتاة التى وهبت حياتها وتركت بلادها لخدمة الايتام المصريين
وحين زار ملجأها الرئيس الاول بعد ثورة يوليو 1952 اللواء محمد نجيب، كتب في دفتر التشريفات ما يلي:
" لم يسعدني شيء بقدر ما شاهدته اليوم. كنت أحلم بجنة إنسانية وأتخيلها دائما حتى رأيتها اليوم حقيقة رائعة، فالعناية بالضعفاء من أطفال وأيتام وعجزة، بنين وبنات، رجال ونساء، يتجلى هنا بكل ما في معاني الإنسانية من قوة، فشكرا ً لمس ليليان ولجميع العاملين معها في هذه المؤسسة".
وحين زارها في مقرها بأسيوط الرئيس جمال عبد الناصر، كتب قائلا ً:
" أكتب لك شاكرا ً، وأريد أن أخبرك أن عملك مع الأيتام يقدره كل مواطن في هذا البلد، وأتمنى لك الاستمرارية في خدمتك الاجتماعية".
وبعد موتها في 17 ديسمبر عام 1961 ، نعاها الكاتب الكبير كمال الملاخ في جريدة الأهرام قائلا ً:
" ماتت الغريبة الحلوة القادمة من بعيد
لقد ماتت ليليان تراشر و لكن لم يمت اسمها ولا أعمالها