رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسيح والصوم لقد ربط المسيح كلّ من الصلاة والصدقة بالصوم، واعتبرهم من الأمور الهامّة بالنسبة للحياة الروحيّة (متى 6). لكنّه طلب ممارستها بكثير من «الحشمة» والتحفّظ وخاصة بدون انتظار مقابل وبدون حسبان. فقبل أن نفهم بشكلٍ عميق العلاقة بين الصوم والصلاة والصدقة، يجب علينا أن نفهم معنى وأبعاد الصوم. سأقوم بذلك على ضوء تجربة المسيح في البرية. الروح القدس الذي نزل على يسوع ساعة عماده وأعلنه ابن الله: «هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت»، هذا الروح هو الذي قاد يسوع إلى البريّة ليجرّبه إبليس. هذا يعني أن محتوى التجربة هو إثبات يسوع بأنّه بالفعل هو ابن الله. كلّ تجربة يبدأها المجرّب بعبارة «إن كنت ابن الله». وبالتالي يمكننا القول بأنّنا نواجه التجارب الثلاث التي عاشها يسوع. فالتجربة والخطيئة تتواجدان في كلّ مرّة نحاول فيها الاقتراب من الله والاتحاد معه، والعيش كأبناء له. لذلك نرى أنّ أعمال الشيطان وحضور الروح القدس يتواجدان في البريّة مع يسوع إذ أنّ الروح يريد أن يُثبّت بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله، والمجرّب يريد الاستفادة من هذه الفرصة لكي يستغلّها لحسابه ومصلحته. (الصوم والقيامة). هناك توازي مهمّ جدًا بين تجربة يسوع في البريّة وما عاشه شعب العهد القديم في الصحراء وصلاة الأبانا (نحن). هذا التوازي يسمح لنا بأن نفهم بأنّ هدف الصوم في النهاية هو أن نعيش كأبناء لله. عاش يسوع التجارب الثلاث التي تعرّض لها شعب العهد القديم، إنّما الفارق هو أنّ يسوع لم يقع في التجربة، لم يستسلم لها وانتصر على المجرّب، على التجربة وعلى الخطيئة. في العهد القديم عندما جاع الشعب في الصحراء، أعطاه الله المنّ طالبًا إليه عدم الاحتفاظ به، وأنّه سيعطيه هذا المنّ كلّ يوم بيومه لأنّ الله لا يتخلّى عن شعبه. لكنّ الشعب وقع في التجربة وراح يخزّن المنّ خوفًا وضمانًا، بينما في البريّة يجيب يسوع المجرّب الذي يسأله: «إن كنت ابن الله فحوّل هذه الحجارة إلى خبز» قائلًا: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله». هذا يعني أنّ يسوع الابن، وهذا ما يميّز موقف الابن «طوبى للفقراء بالروح فإن لهم ملكوت السماوات»، يعيش الله الآب على أنّه مصدر حياته هو لكونه الابن. هذا يعني أيضًا أنّ الله الآب وحده قادر على اشباع الإنسان، وأنّ الجزع الماديّ هو مجرّد صورة عن الجوع الحقيقيّ والجوهريّ، الجوع إلى كلمة الله وحضوره في حياة الإنسان « تأتي أيام يُرفع العريس من بينهم حينئذ يصومون». والوقوع في هذه التجربة يعود للقول بأنّ يسوع فضّل وتمسّك بالصورة هو الذي يملك الواقع والأهمّ: الإنسان خُلق ليصبح على صورة الله، والمسيح يرفض أن يصنع من الله صورة الإنسان، ونحن بدورنا مدعوّين إلى تحقيق ذلك وبالتالي عندما نصلّي نقول: أعطنا خبزنا كفاف يومنا، خبزنا الجوهريّ كفاف يومنا. أثناء مسيرته في الصحراء شكّ الشعب بأمانة الله فجرّبه: «لماذا أصعدتنا من مصر؟ ألِتقتلني أنا وبنيّ ومواشيّ بالعطش؟». وكان جواب موسى: لماذا تجرّبون الربّ؟ والمسيح بدوره يجيب المجرّب: لا تجربنّ الربّ إلهك. خصوصًا أنّ المجرب استعمل المزمور 91: «يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم رجلك بحجر». جواب يسوع للمجرّب يعني أنّ يسوع هو حقًا ابن الله وليس هو بصدد أن يلعب دور الابن كما يريده المجرّب. وفي صلاة الأبانا نقول لا تدخلنا في التجربة، أي لا تسمح بأن نقع، نستسلم للتجربة. في تجربته الثالثة صنع شعب العهد القديم عجلًا من ذهب وعبده وقدموا له الذبائح. والمجرّب يعرض على يسوع أن يعطيه جميع ممالك الأرض ومجدها شرط أن يسجد له. ويسوع يجيب: «للربّ وحده تسجد وإياه وحده تعبد». وفي صلاة الأبانا نقول: «ليتقدّس اسمك، ليأت ملكوتك». يسوع يبقى إذن أمينًا للآب ولرسالته، رسالة الابن. لم يتخلّى عن الواقع من أجل الصورة، ولا عن ملكوت السماوات من أجل ملكوت أرضي. فعمله الخلاصيّ يمرّ في الواقع من خلال الواقع الإنسانيّ: آلام وموت بدل المجد والعظمة. فابن الله هو حقًا إنسان ويسوع لا يريد الهروب من هذا الواقع. لا يريد الهروب من الحقيقة. لذلك لدى خروجه منتصرًا على التجربة، آنذاك فقط أتت الملائكة لتخدمه. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يتكلم المسيح هنا عن أركان العبادة الأساسية، وهي الصدقة والصلاة والصوم |
نحن والصوم |
الصلاة والصوم |
الصلاة والصوم |
الصلاة والصوم |