منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 14 - 01 - 2018, 07:23 PM
 
souad jaalouk Female
..::| مشرفة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  souad jaalouk غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 123471
تـاريخ التسجيـل : Jun 2017
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : لبنان
المشاركـــــــات : 17,082

الذّاكرة بين الغفران والنّسيان
مقدّمة
الإنسان كائن اجتماعيّ، إنّنا جميعًا نعيش في عالم يكثر فيه التعامل، فأنت لا تعيش بمفردك، وقد يحدث أحياناً التّخاصم بينك وبين الآخرين وتمرّ بمواقف صعبة تعاني فيها من الإساءة: كم من المرَّات خذلك صديق، وأخطأ في حقك زميل، وتنكّر لك أخ قريب، استحوذ جار على نصيبك في شيء ما، وجرح حبيب كرامتك وطعنك في كبريائك. فأتت الكراهيّة والرَّفض والحقد لتكون الرُّدود الطبيعيّة والتلقائيّة للجراح العميقة... ربما كان ذلك بالأمس، ربما منذ زمن بعيد. هل تصفح عمّن يسيء إليك! هل يغفر لك من تسيء إليه؟ كيف تصفح وتغفر لمن استولى على حقـِّك أو أهانك أو جرح كبرياءك؟ أنت لا تستطيع نسيان الجرح، فهو عميق في داخلك. فأنت لا تستحقّ الإهانة. ولكن هناك الكثيرين الذين اكتشفوا - بعدما اختبروا- أنّه توجد قوّة وحيدة وفريدة باستطاعتها أن توقف هذا السَّيل من الذكريّات المؤلمة... إنّها قوّة الغفران. فما رأيك في الصفح والغفران؟
آراء العظماء حول الغفران أو الصفح
اختلفت آراء العظماء حول الصفح والغفران. قال البعض: "إنّ الصفح والغفران من علامات الضعف وليس القوّة...". فذكر برنارد شو: "إنّ الغفران للمسيء حيلة العاجز الذي لا يستطيع أن يردّ الإساءة بالإساءة...".
وقال غاندي: "إن عشنا حسب نوعيّة عدالة "عين بعين" فسوف يصبح العالم كلّه عميانًا بسبب الظلم الذي يوقعه الإنسان بأخيه الإنسان...". وذكر قائل: "من يغفر إساءة الآخرين هو الأقوى، والأكرم، وأكثر سعادة...".
مفهوم الغفران
الغفران ليس محاولة لنسيان إساءة الغير، فقد يحتاج النسيان لذاكرة حقيقيّة فقط. وليس تطبيق العدل على الشّخص الذي أساء، بل هو تطبيق العدل على نفسك. وليس تبسيطًا وتهوينًا للأمور، لأنّ الغضب ما زال كامنًا يتّقد ويشتعل. ولا يعني التغاضي عن الخطأ، والنظر في الاتجاه الآخر. كما أنّه ليس ضعفـًا، فالتعامل مع إساءة موجَّهة، يتطلّب شجاعة وصلابة مثاليّة. فإنّ من يسامح ويعفو هو الأقوى والأكرم. وليس ضربًا من ضروب الدبلوماسيّة، أو ومضة عابرة من ادّعاء التقوى، بل هو الحبّ الذي يشفي الدّاء ويزيل الألم عندما يخذلنا الناس. إنّه الحبّ الذي يذكّرنا بأنّنا ضحيّة لذنب اقترف في حقنا. إنّ الغفران هو ذاته الحريّة من الماضي، فهو يصنع بداية جديدة. فتجد نفسك تمدّ يدك مصافحًا المسيء قائلاً: "لن أسمح لما فعلت أن يقف عثرة في الطريق، أو يفرّق بيننا. لن أقيّد نفسي بسلاسل الماضي، بل سأتحرّر منها. إنّ رباط الحبّ أقوى ممّا حدث". وهنا تحدث معجزة الغفران. لأنّك تختار أن تستمرّ قدماً في الحياة... لأنّك ترفض أن تغذّيك مشاعر الكراهية بآلامها... لأنّك تختار الحبّ والقبول للمذنب من أجل التّصالح والتوافق. فالغفران إذن هو تلك القوّة التي تنزع الألم وتقتلعه، وهو القوّة التي تتفجّر ينبوعًا للشفاء والتصالح والتصافي والحبّ.


صعوبات أو عقبات الغفران


من الصّعب أن يغفر الانسان لمن يسيء إليه أو إلى أهله أو مصالحه أو كرامته. فالإنسان يميل بطبيعته إلى الانتقام. واذا لم يتمكّن من مواجهة المسيء إليه مباشرة، فإنّه ينتقم منه في الخفاء، بالتحريض عليه، أو التشهير به، أو بالدعاء عليه. وإذا تسامح لا يستطيع أن يحبّ أو يقبل أو يتعامل مع من أساء إليه. أهمّ العقبات التي تحول دون أن يغفر الانسان لأخيه الإنسان هي:
الكبرياء: إنّ الكبرياء يبعث في داخلنا الرّغبة في الانتقام من أجل استرداد الكرامة. والواقع أنّ التسامح يزيد كرامة الإنسان، ويرفع قدره وشأنه.
انتقاد المحيطين: كثيرًا ما يتعرّض المتسامح لنقد شديد من المحيطين به، الذين يحرّضونه على ردِّ الإساءة، وإظهار القوَّة، حتى لا يصبح ألعوبة في يد أعدائه، أو حائطاً وطيئاً يدوسه الجميع. فإذا لم يستجب لهم، اتّهموه بالضعف والجبن وانعدام الكرامة.
عدم تجاوب المسيء: فكثيراً ما لا يتجاوب المسيء مع روح الغفران، ولا يرتفع إلى مستوى التسامح.


طريق الغفران، كيف الوصول اليها؟


كتب المؤلف "جويس هاجيت" عن المغفرة: "عليّ دائمًا أن أغفر لشخص ما عندما أريد أنا ذلك. وأكتشف أن الغفران - في المرتبة الأولى - لا يمتّ بأي صلة للمشاعر، بل له علاقة وثيقة بالإرادة، إنّ الصفح قرار العقل بأن أتخلّص من الغضب والكراهية والاستياء. ويأتي دور المشاعر فيما بعد، عندما أشعر بفرصة الغفران. أمّا في بداية الأمر، فإن المشاعر كلّها تكون متأجِّجة كالنيران". وهنا يلمح الكاتب عن طريقين للغفران وهما طريق العقل والقلب. (وأنا أضيف طريقة ثالثة تذكر لاحقاً):
1. طريق العقل: تتخذ طريق العقل في الغفران عندما تفصل الفعل عن الفاعل لتنظر إلى مهاجمك بأسلوب جديد، كمريض أو محتاج. أي أن يتحوّل المُسيء في تفكيرنا إلى إنسان يعاني ويحتاج إلى معونتنا ومحبّتنا. وهذا ما يدعوه الكاتب لويس سميدس مرحلة المعاناة.
وفصل الفعل عن الفاعل يتطلّب منك تفهمه: لا تقل أنّ هذا الشّخص لا يستحقّ أن أفهمه، فقبل أن تدينه حاول أن تفهمه. فلا بدّ من سبب وراء كلّ تصرّف. فقد يكون بحاجة إلى شفقتك، لا إلى نقمتك. وتقول الحكمة القديمة: "تعرف كلّ شيء ثم تغفر". حاول إذن أن تكون متفهمًا، فهذا ما يقدّره الآخرون فيك، وما تقيـّمه أنت فيهم. التفهّم ليس قبولاً مشروطًا، ولكنّه تقبّل وقبول في أي ظرف، وفي أي موقف.
ثمّ حاول أن تفهم الفعل أي أن تقوم بفصل الحقائق الماضية: كالوعود والعلاقات لتأخذ وضعها كأفعال ماضية كتاريخ. بعبارة أخرى دعِ الماضي ليمضي، فلا يمكن إعادة كتابة الصّفحة التي طواها الماضي. لكن يمكن أن توقف استعادة شريط ذكرياته، فتكسر فوّة الماضي عليك، وبعدها تستطيع أن تبدأ كتابة فصل جديد...
وأمّا عبارة "أنسى وأغفر" هي عبارة شائعة يتّخذها الكثيرون شعارًا لحياتهم. ولكنّهم بعد فترة يتجهّون إلى توبيخ النفس واللوم، لأنّهم لم يقدروا على النسيان. فمن يحاول أن ينسى، فهو لا يفعل شيئاً غير أنّه يعمّق ذلك أكثر في ذاكرته. النسيان ما هو سوى النتيجة النهائيّة للغفران الكامل، المتكامل، إنّه ليس الوسيلة، إنّما هو الخطوة الأخيرة.


2. طريق القلب: يقوم طريق القلب في الغفران أوّلاً بأن تواجه كراهيتك، ولا تحاول أن تخبّئ مشاعرك حتّى عن نفسك. فإنها تحتدم تحت السّطح وتلوّث كلّ علاقاتك... وحاول أن تتخلّص من كلّ استجابات إنفعاليّة لتلك الحقائق الماضية. فالغضب والإحباط والكراهية تؤدّي إلى ظلام العقل، وهي استجابات سلبيّة بإمكاننا أن نضعها تحت سيطرتنا.
وثانياً بأن تقدّر الآخرين وقيمهم: قبل أن ترفض أن تسامح الإنسان قف وتأمل: إنّ رفض المغفرة تقليل من إنسانيّتك ورسالتك كإنسان في هذه الدنيا. ونحن نؤذي أنفسنا حينما نرفض أن نغفر لغيرنا، وقد قال أحد الأطباء: "إنّ الناس يصابون بالقرحة ليس ممّا يأكلون بل ممّا يأكلهم".
3. طريق الرّوح أو الصّلاة: اذا كنت لا تستطيع أن تغفر للآخرين وتتحمّل إساءتهم فأنت تحتاج إلى قوَّة تساعدك، لذلك يحتاج المرء قوَّة لا يمنحها إلّا الله. والواقع إنّ القدرة على الغفران لا تدخل في ملكات النفس الطبيعية، لذلك يحتاج المرء قوّة من السّماء ليقهر فيه روح النقمة ويمتلئ بروح الغفران. إنّ الله هو وحده الذي يقدر أن يغفر للمُخطئ إليه، لأنّ طبيعة الله هي الحبّ والغفران، كما أنّ طبيعتنا هي الغضب والانتقام. لذلك فهو وحده يمنحنا قوّة لنغفر، وننسى الإساءة أيضًا. وهذه المرحلة يسمّيها الكاتب لويس سميدس مرحلة إجراء جراحة روحيّة في الذاكرة.
إنّنا نسيء إلى الله في كلّ يوم، حين نخالف وصاياه، لكنّه سبحانه لا يحنق، ولا ينتقم من الإنسان الضعيف، رغم قدرته المُطلقة أن يبيد الإنسان من وجه الأرض بكلمة من فمه، لكنّه على العكس يحنو عليه ويقبل عذره ويضمّه إليه في حبّ. لكنّه وهو يغفر لنا، يودّ أن نغفر نحن أيضًا للمسيئين إلينا. فاذا لم نغفر الإساءة التي يسيء بها الينا الآخرون، لا يغفر الله لنا الذنوب الكبيرة التي نسيء بها إليه.


ماذا يحدث عندما تغفر؟


في مقال للكاتب لويس سميدس قال: "لكلّ فعل غفران ثلاث مراحل يمرّ بها".
المرحلة الأولى: المُعاناة: وهي تحقـِّق الشّرط الأوّل الذي يتطلّب الغفران. أي أن يتحوّل المسيء في تفكيرنا إلى إنسان يعاني ويحتاج إلى معونتنا ومحبّتنا.
المرحلة الثانية: إجراء جراحة روحيّة في الذاكرة، وفيها تقوم بالوظيفة الجوهريّة للغفران. النسيان ما هو سوى النتيجة النهائيّة للغفران الكامل، المتكامل، إنّه ليس الوسيلة، إنّما هو الخطوة الأخيرة.
المرحلة الثالثة: ثم نستكمل فعل المغفرة، ونصل به إلى ذروته عندما نبدأ علاقة جديدة مع الشّخص المُسيء. وهذا يتطلّب منّا إلغاء العقاب والمطالبة لأنفسنا بالثمن: إذ لا بدّ من أن تفضّل عقوبة الخطيئة عن ثمن الخطيئة. فأنا عندما أغفر، أكون قد حرّرت المخطئ من عقوبة خطئه ودينه. وإذا كان لا بدّ من دفع الثمن، فأنا الذي يدفع بدلاً عنه العقوبة والدَّيْن.
المرحلة الرابعة: الله يغفر لك. إذ أنّ كلّ خطيئة تصنعها، تسيء إلى الله خالقك القدُّوس.

رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
لكل يوم زوّادة: الذاكرة والنسيان : 15 / 1 / 2022 /
حب الملذات والنسيان
الشبع والنسيان
5 تمارين مفيدة لعلاج ضعف الذاكرة والنسيان
بين الذكرى والنسيان


الساعة الآن 09:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024