لأن كثير من الناس تأثروا بموضوعات عن التوبة وحاولوا أن يعيشوا ويحيوا بالعظة التي سمعوها لكنهم لم يستطيعوا أن يتوبوا، فما هو السرّ في عدم التوبة كواقع في حياتنا اليومية بشكل عام، أو ما هو السبب في الارتداد عن التوبة والإخفاق فيها بعد أن ننفعل بشدة بموضوع عن التوبة ونحاول نبتعد عن شهوات قلبنا ونلتصق بالله؟
+ في الحقيقة التوبة بسيط للغاية وأبسط مما نتخيل،
لكننا في الواقع لن نتوب توبة حقيقية حتى نكف عن الإفراط في محبة الذات، لأننا لو أحببنا أنفسنا أكثر من الله وأشبعناها وحققنا رغباتها الدنيئة، تعذر علينا جداً أن نتوب توية حقيقية، لأن في التوبة بذل وترك وابتعاد وتحول، بمعنى واحد يُريد أن يُسافر من الغرب للشرق، فينبغي عليه أن يعطي ظهره للغرب ليتجه نحو الشرق ويقطع رحلته، أي يتخلى عن مدينته الأولى ويتركها بكل ما فيها ويذهب لأخرى، مثل الذي هاجر من دولة لأُخرى، فهو يبيع كل شيء فيها ولا يُبقي شيئاً، ثم يرحل عنها ويذهب للمدينة الجديدة، وهو لا يذهب في لحظة ولا ثواني بل يقطع الرحلة ويتقدم للأمام وينسى كل ما هو وراء، وحينما يبدأ يقطع الرحلة ويتقدم للأمام، كلما بدأت المدينة القديمة تتضائل وتصغر إلى أن تتوارى بالتمام عن عينيه ولا يبقى لها أثر، وستمحى من الذاكره بسبب أنه مشغول بالطريق وعينه على هدفه الذي يشتهي بكل لهفة أن يحققه، الذي هو الوصول لتلك المدينة الذاهب إليها بسلام.
++ وبالمثل تكون التوبة:
ترك الحياة القديمة بكل ما فيها والاتجاه لله الحي والمدينة السماوية مدينة المحبة الإلهية، والتشرب من الحياة من خلال مخدع الصلاة وكلمة الله وشركة القديسين السائرين في نفس ذات الطريق عينه.
+++ فالتوبة ليست نظرية ولا مجرد كلمات ولا انفعالات نفسية:
بل حركة قلب جاد يُريد أن يكون له موضع في الحضرة الإلهية، والتوبة في واقعها هي ترك وتخلي عن كل الماضي بما فيه، سواء حلو أو مُرّ، والوقوف مع الخاطي الذي قرع صدره ببساطة متكلاً على مراحم الله قائلاً بكل قلبه: اللهم ارحمني انا الخطي، وبذلك نزل مبرراً لأن قلبه يُريد الله نصيب، فنال هذا النصيب الذي لن يُنزع منه أبد الدهر.