رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أما السماءُ فَهَتَفَت لابنها الحبيب فكان الظُهُورُ الكبير وَبانَ ما كان خَفِيًّا حقيقةً جَلِيَّة!
لقاء يوحنّا المَعمَدان بيسوع صوتٌ تَرَدّدَ صَداهُ في كل مكان حتى ضاقَت به المُدُن وتَعِبَت منه البَريّة. أَمضَى العُمرَ القصير زاهدًا يدعو الى التوبة والمَعْموديّة. تَحَلّقَت حَوْلَهُ الجُموعُ عند نهر الأردن ترجو خلاصًا من ظُلم الراعي وضجيج الرعيّة. “لستُ أنا الذي تنتظرونه، بل هو ذاك الحَمَل الذي يَحملُ أوجاعَكُم ويرتضي الموتَ مُعَلَّقًا كي تكونَ لكم الحياةُ هَديّة”، قال يوحنا المَعمَدان. ثمّ رأى يسوعَ مُقبلاً إليه بوداعةٍ وتواضُع، وهو في كل نَبْضَةٍ من حياته يحمل مَهابَةَ المُلُوكِ وسلطانَ الحياة الأَبديّة، فَسَأَلَهُ مُرْتَعِدًا: “كيف لي يا رَجاءَ حياتي أن أُعَمّدَك وأنا من يدَيك أحترقُ شوقًا للمعموديّة؟! لقد آنَ الأوانُ لي كي أَصْغُرَ وأتلاشى لكي تَكْبُرَ أنتَ وترتفع، وتُقيمَ مَلكوتَكَ في القلوب التي لا تمتلئ إلا من نَبْعِ مياهِكَ السَخِيَّة”. أما السماءُ فَهَتَفَت لابنها الحبيب، فكان الظُهُورُ الكبير، وَبانَ ما كان خَفِيًّا حقيقةً جَلِيَّة! ومنذ ذلك اليوم، أخذ قلبُ يوحنا يَذُوبُ في بَحرِ يسوع الذي لا ينتهي، إلى أن اكتمَلَت فُصُولُ المَكيدَة التي حَبَكَتها زوجة الحاكم صاحب المَزاج المُلْتَوي، فَزُجَّ به ظُلْمًا في سجنٍ مُظْلِمٍ طَمَعًا بإسكاتِ الصوت لَعَلّهُ يخاف ويَستحي. وبقيَ يوحنّا يُنادي بصوتٍ يُبَكّتُ الضمير ويَنْتَشِرُ كَعَبَقِ الوُرودِ في الأثير، إلى أن صَدَرَ الأمرُ الخطير بإنهاء حياة الشابّ الذي لم يَهَب الموتَ وهو أَسير. فتدحرجَ رأسُ يوحنا الذي لم يَنْحَنِ يومًا إلا للربّ القَدير. وسالَت دماهُ غَزيرةً كأنهار الدم في الأساطير. فاستَحَقّ يوحنا عن جدارة إكليل الشهادة التي أَنْعَمَت به السماء، وما قاله يسوعُ فيه عَن أنّه “كان حقًّا أَعْظَمَ مَواليدِ النساء”. معكَ يا يوحنا ينتهي العهدُ القديم، ومعكَ يا يسوع، يبدأُ العهدُ الجديد. بمعموديةِ يوحنا اغتَسلنا بمياه الأردنّ تَوبة، و من جَنبِ يسوع المَطعونِ بالحَربَة نَعْتَمِدُ بأنهارٍ تَفيضُ بالماءِ الحَيّ قيامةً من هذه الغُرْبَة. ( الدايم دايم، عيد الغطاس – زَمَن الدِنْح ٢٠١٨). |
|