«لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ»
(إش40: 28)
عندما فهم بولس قصد الله من معاملاته مع شعبه إسرائيل (هذا القصد الذي ظل غامضًا لآلاف السنين) هتف قائلاً: «يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ . مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟ لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ» (رو11: 33-36). فما أعمق غنى حكمة الله فهو «عِنْدَهُ الْحِكْمَةُ وَالْقُدْرَةُ. لَهُ الْمَشُورَةُ وَالْفِطْنَةُ» (أي12: 13). هذه الحكمة والمشورة مبنيتان على علم تام مطلق، فهو مُلِم بأدق تفاصيل الماضي والحاضر والمستقبل. الأمر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتوفَّر لكائن آخر سواه؛ ولهذا فأحكامه أبعد من أن نقيِّمها؛ لأنه يستحيل لنا بعقولنا المحدودة معرفة أو تخيل فكر الرب غير المحدود. ولهذا يتحتم علينا التوقف فورًا عن إعطاء المشورة له، أو استجوابه بشأن ما يفعل من أمور، بل علينا أن نقنع بأن: «كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا». وهذان الأمران يتوافقان مع إله كليِّ السلطان، وكليِّ الحكمة والعلم، وكافيان لإجابة كل من يعترض على الله في كونه لا يجاوب عن كل أموره.
ولكن، هل الله حقًّا لم يُجِب في كلمته عن أي أمر؟ كلا، بل كشف لنا في كلمته - من مطلق صلاحه - عن إجابات لأخطر الأسئلة على الإطلاق التي تحدَّت الجنس البشري بأكمله، حتى يمكننا الآن الاطمئنان لصلاح ومحبة هذا الإله، ونضع كل ثقتنا فيه، فلا نشك في ما يفعله معنا، وبالتالي نتوقف عن استجواب الله عن كل أموره.