18 - 10 - 2017, 10:46 AM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
الأب نسترون: كان يتمشَّى في البريةِ مع أحدِ الإخوةِ، فلما شاهد تنيناً هرب. فقال له الأخ: «أأنت كذلك أيها الأب تفزع»؟ أجاب الشيخُ: «لا، لستُ أفزعُ يا ولدي، لكن الهربَ أوفق لي، ولولاه لما كنتُ قد تخلَّصتُ من روحِ المجدِ الفارغ». قيل: إنه كان في الصعيدِ راهبٌ قد بلغ من التقشفِ مبلغاً عظيماً، ظافراً على صلواتٍ وطلباتٍ وسهر، ومالكاً عدم القنيةِ إلى أبعد غايةٍ، يُفني جسدَه بالأصوامِ والأتعاب. هذا كان قد بدأ جهادَه بأن كان يتناول كلَّ عشيةٍ ملءَ راحتيه قطينية مبلولة وكفى، وصار يتدرج إلى أن أصبحَ يتناول ذلك القدر يوماً بعد يومٍ، وهكذا حتى استطاع بعد مدةٍ أن يأكله مرةً واحدةً كلَّ أسبوعٍ مساء الأحد، أو يأكل مما اتفق له من الحشائش النابتة، ومكث على هذه الحال مدةً من الزمانِ، فحسده الشيطانُ ورامَ أن يرميه في الكبرياءِ، فوسوس له بأنه قد سلك في النسكِ مسلكاً لم يبلغه أحدٌ من البشرِ، وأنه يجب أن يجترحَ الآيات كي يزدادَ نشاطُه، ويرى الناسُ العجائبَ فيمجِّدوا الله، لأن الربَ نفسَه أيضاً قال: «ليرى الناسُ أعمالَكم الحسنةَ فيمجدوا أباكم الذي في السماوات». فسأل الربَّ من أجلِ هذا الأمرِ، وإذ لم يشأ الإلهُ المتعطِّف أن يظلمَ تعبَه، فقد ألهمه فكراً بأن الرسولَ يقول: «لسنا كفاةً أن نرى رأياً من أنفسِنا». وقال: «إن كان ذلك السيد لم يجد نفسَه كُفئاً لأن يرى رأياً من ذاتِه، فكم بالحري يجب عليَّ أنا الشقي أن أقولَ هذا القول، أقومُ إذن وأمضي إلى فلان المتوحد، ومهما قال لي أقبله كمرسَلٍ لي من قبل الله». وكان ذلك المتوحد راهباً كبيراً وقد نجح في عمل التاؤريا، قادراً على منفعةِ من يسأله. فقام للوقتِ ومضى إليه، فلما دخل قلايته رأى المتوحدُ قردين جالسين على كتفيه، ممسكين عنقَه بسلسلةٍ، وكلٌّ منهما يرهقه جذباً إليه، فلما شاهد هذا المنظرَ عرف السببَ إذ كان متفقهاً جداً. وإنه تنهد باكياً بسكونٍ. ومن بعدِ الصلاةِ وما جرت به العادةُ من السلامِ، جلسا مدة ساعةٍ صامتيْن، لأنه هكذا كانت عادة الآباء الذين هناك، ثم فتح الراهبُ القادمُ فاه قائلاً: «أيها الأب، انفعني وأرشدني للخلاصِ». فأجابه الشيخُ: «إنني لستُ كفئاً لذلك يا ولدي، لأني محتاجٌ بعد إلى إرشادٍ». فقال له: «لا تردَّني يا أبي، لأني موقنٌ بفضلِك وقد ألزمتُ ذاتي قبول مشورتك». فأجابه الشيخُ: «إني أخشى أنك لا تسمع مني، ولذلك أُفضِّلُ أن أمتنعَ من ذلك». فحقَّقَ وأكَّد له أنه قبل مجيئهِ قد عاهد نفسَه قائلاً: «مهما قلتَه لي أقبله كمِن فم الله». فقال الشيخُ: «خذ قِطعَ النقودِ هذه وامضِ إلى المدينةِ وابتع عشرَ خبزاتٍ وقسطَ نبيذٍ وعشرة أرطال لحمٍ وعُد بها إليَّ». فحزن الأخُ لذلك جداً، لكنه على كلِّ حالٍ أخذ ما أعطاه له ومضى كئيباً. وفي طريقِه جاءته الأفكارُ قائلةً: «أيُّ شيءٍ يقصده ذلك الشيخُ، وكيف أستطيع أنا أن أبتاع هذه الأشياء وكيف أحملها؟ وما هو موقفي من العلمانيين مما يضطرني إلى أن أذوبَ خجلاً»؟ وهكذا سأل واحداً فابتاع له الخبزَ، وآخرَ ابتاع له النبيذَ، ولما جاء دورُ اللحم، قال: «يا ويلي كيف أحصلُ على اللحمِ، سواء ابتعتُه أنا بيدي أم كلفتُ آخرَ». ثم كلَّف رجلاً علمانياً فابتاع له اللحمَ، وحمل الجميعَ وجاء بها إلى الشيخِ مفكراً. فقال له الشيخُ: «اطبخ اللحمَ وطجِّنه». ففعل ذلك مُعَبَّساً. فقال له الشيخُ: «لا تنسَ ما عاهدتني به أنك سوف تفعل جميعَ ما أُشير به عليك، فخذ هذه الأشياء جميعها، وامضِ إلى قلايتك، وصلِّ وتناول خبزةً واحدةً وشربةً واحدةً من النبيذ ورطلَ لحمٍ في كل يومٍ عند المساء. ومن بعد عشرة أيامٍ عُد إليَّ». فلم يتجاسر على أن يردَّ له جواباً. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |