رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أفراح الملك الألفى إننا نحيا في عالم لا ترى أعيننا فيه إلا مشاهد الحزن والكدر، وآذاننا لا تلتقط منه إلا أصوات الألم والأنين، وذلك بسبب دخول الخطية بوجهها القبيح إلى العالم. لكن هناك ”العالم العتيد“ (عب2: 5)، ولن تكون فيه أتراح، ولكن فقط الأفراح. من الذي سيبتهج ويفرح في الملك الألفي؟ في الواقع سيعُمّ الفرح الكون كله، بدائرتيه السماوية والأرضية. وهذا الملك له سمات كثيرة منها القداسة والبر والعدل. وهذه السمات غير متوفرة في أي من حكومات الأرض في الوقت الحالي، ولكن متى وُجدت في الحالة الألفية ستُنشئ في الأرض جوًا من السعادة والفرح لم تعرفه الأرض من قبل، وطالما حلمت به البشرية على مر العصور؛ فأفلاطون في كتابه الشهير ”المدينة الفاضلة“ أو ”اليوتوبيا“ أتى بوصف لمدينة كل مواطنيها ينعمون بالفرح والسعادة، نتيجة الغنى والرخاء وعدل الحكام. والكتاب المقدس تكلَّم عن رغبة البشر في أن يأتي ”مشتهى كل الأمم“. ولا شك أن جميع الثورات التي حدثت على مر العصور هي محاوله من البشر لتحقيق السعادة، التي هي - كما يرينا الواقع - أبعد بكثير عن متناول البشر، لكن عن يقين ستتحقق في المستقبل. والكتاب المقدس يُطلعنا على جو العالم في ظل حكم المسيح في أجزاء كثيرة من كلمة الله. إنه عالم يسود فيه البر والصلاح، ليس فيه إثم أو شر؛ عالم لا تصدر فيه أحكام ظالمه أو جائره، دون محاباة للوجوه؛ عالم يسود فيه السلام الكامل، بلا أمراض أو مستشفيات؛ ولا يعرف كلمة الموت، إلا بحكم قضائي سريع وناجز من أعلى دائرة في الكون، دون استئناف أو نقض - لدرجة أن يعيش الناس لمئات السنين. تخيلوا عالَمًا تتم فيه إزالة اللعنة، وتُستعاد البيئة إلى نقائها البكر، بحيث «يَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا» (إش11: 6). قد يبدو هذا الوصف بعيد المنال ولا يمكن أبدًا أن يكون حقيقة واقعة من وجهة النظر الإنسانية، ومع ذلك هذا الوصف يسرد بدقة الظروف خلال مملكة الرب يسوع في المستقبل. وسر الأفراح الحقيقية أن في هذه المملكة سيملك المسيح بشخصه وبصفته؛ فبشخصه لأنه المالك الحقيقي المستحق، ومعه صك الملكية بالخلق وبالفداء (رؤ5: 9)؛ وبصفته فسيملك: أولاً: بصفته ابن داود الذي يعطيه الله كرسي داود أبيه ووعد ألا يكون لملكه نهاية (لو1: 32): وفي هذا تتميم للعهد الداودي، وتتميم لقول النبي: «وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ» (إش25: 8، 9). وأيضًا: «وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ... وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ» (إش35: 10؛ 51: 11). لا يستطيع أحد أن يدرك كَمِّ الحزن الذي اجتاز فيه هذا الشعب على مَرّ التاريخ، بعد رفضهم لملكهم الحقيقي، وهذا ما جعل قلب الرب يعتصر بالحزن وهو يرثي الشعب والمدينة (مت23: 37). فبعين النبوة رأى المعاناة الطويلة التي سيجتاز فيها الشعب ابتداءً من تيطس الروماني 70م، ومرورًا بالهلكوست 1941-1945م الذي قُتل فيه نحو 20 مليون يهودي في أتون المحرقات، وانتهاءً بالضيقة العظيمة؛ ضيقة يعقوب (إر30: 7)، والتي ستفوق في قسوتها وحِدَّتها وشدتها كل ما سبق. ولكن أخيرًا في المُلك الألفي العتيد ستأتي أيام البركة التي طالما انتظروها. ويقارن الكتاب بين الماضي بأحزانه، والمستقبل بأفراحه قائلاً: «لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ» (إش61: 3)، وأيضًا «وَيَفْرَحُ قَلْبُهُمْ كَأَنَّهُ بِالْخَمْرِ، وَيَنْظُرُ بَنُوهُمْ فَيَفْرَحُونَ وَيَبْتَهِجُ قَلْبُهُمْ بِالرَّبِّ» (زك10: 7). ولنلاحظ أن كلمة الفرح تكرَّرت في هذا العدد الأخير ثلاث مرات: فهم سيفرحون بسبب رؤيتهم للخلاص الذي صنعه الرب، والبنون سيشاركون الآباء هذا الفرح، وأيضًا سيفرحون بالرب، أي ليس بالعطية فقط بل بالعاطي نفسه ثانيًا: سيملك أيضًا بصفته ابن الإنسان الذي يملك على كل الأرض: فتفرح المملكة الحيوانية والنباتية، ويتمّ القصد الذي قصده الله مع آدم، ولكن آدم فشل فيه هو ونسله من بعده. ففي الأنهار تختنق الأسماك وتتعفن على الشواطئ، ونرى الأشجار وهي تذبل، والمدن التي تعاني من الهواء الملوَّث، وتصاعد قلق العالم من جراء الآثار العكسية المدمِّرة للإنسان على بيئته. ولكن في مُلك ابن الإنسان، ستعود الأفراح للمملكة الحيوانية التي سيسودها السلام «يَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا» (إش11: 6). وفي مزمور 8: 6 يقول المرنم: «تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ»؛ أي سمك البحر وطيور السماء وحيوانات الأرض. سيرجع كل شيء إلى أصله لأنها «أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ» (أع3: 21). وعلى نطاق المملكة النباتية سيتم القول: «وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَسْتَجِيبُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَسْتَجِيبُ السَّمَاوَاتِ وَهِيَ تَسْتَجِيبُ الأَرْضَ، وَالأَرْضُ تَسْتَجِيبُ الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ» (هو2: 21-23). ولنلاحظ التشبيه الرائع الذي يستخدمه الكتاب هنا، فالقمح والمسطار والزيت تُطالب الأرض أن تُعطيها احتياجها من ريٍّ وطمي، والأرض بدورها تطالب السماوات بالري والشمس والمطر لسد إعواز الأرض، والجالس في السماوات يجيب الكل. وإشعياء أيضًا يصف الحالة نفسها قائلاً: «تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ»، «لأَنَّكُمْ بِفَرَحٍ تَخْرُجُونَ وَبِسَلاَمٍ تُحْضَرُونَ. الْجِبَالُ وَالآكَامُ تُشِيدُ أَمَامَكُمْ تَرَنُّمًا، وَكُلُّ شَجَرِ الْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِالأَيَادِي» (إش35: 1، 2؛ 55: 12). أفراح الأمم في الملك الألفي: في الملك الألفي نقرأ: «أَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ» (إش11: 9؛ حب2: 14). وسيعرف كل البشر الرب، فتتم كلمات المرنم: «يَا جَمِيعَ الأُمَمِ صَفِّقُوا بِالأَيَادِي. اهْتِفُوا ِللهِ بِصَوْتِ الابْتِهَاج» (مز47: 1)، «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ» (إش61: 11). في الواقع يعوزنا الوقت والمجال لسرد أفراح المُلك التي تملأ صفحات الوحي، ولكن يكفينا قولاً أنه أخيرًا ستتم الصلاة التي علَّمها الرب لتلاميذه، لتصبح مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض أيضًا، وصارت ممالك العالم للرب ومسيحه، له كل المجد. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما هو الملك الألفي التاريخي؟ |
الملك الألفي السعيد |
الملك الألفي _ أوريجانوس |
ما هو الملك الألفي؟ وكيف ومتى بدأ؟ |
ما هو الملك الألفي؟ وكيف ومتى بدأ؟ |