رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصلاة المستمرة مثال للأدب القبطي مركز دراسات الأباء لتناول أي موضوع بشكل صحيح, يتوجب أولاً وقبل كل شئ التعرّيف بماهيّة المصطلحات المستخدمة, حتى لا نقع في مغامرة الكلام غير المترابط. وفي عنوان المحاضرة نجد مصطلح “أدب” لا تمثل لنا مشكلة, ولكن تأتي الصفة ” قبطي” والتي تأتي باستخدام متكرّر ـ بحسب رأي الخاص ـ بإنها تستخدم في غير موضعها, أما هنا فهي تُعبّر عن مفهوم (القبطي) في إطار أخر غير إطار اللغة القبطية؛ وأيضا إطار مختلف عن الإطار القومي والذي ظهر في القرون الأخيرة. ولكن ما نقصده هو التعبير عن التقليد الأسكندري . هذا التقليد الموروث في اللغات اليونانية أو القبطية البحيرّية أو الصعيدية … ألخ أو حتى العربية, والذي وُلِدَ في زمن الكنيسة قبل إنقسام مجمع خلقيدونية عام 451م والذي استمر وعاش بعد هذا التاريخ في الكنيسة الأرثوذكسية في مصر وفي بلاد كرازة القديس مرقس. ويجب علينا ألاّ ننسي أن كلمة (قبطي) وصلتنا من العرب و استخدامها في الكلام عن القرون السابقة لوصول العرب إلي مصر سيكون استخدام غير صحيح تاريخياً, سيكون الأصح أن نقول: “المصريون المسيحيون”؛ ولكننا سنترك هذه المشكلة لمرّة أخري. الليلة سأحدد كلامي عن مثال واحد لتوضيح غني التقليد الإسكندري. فموضوع الصلاة المستمرة الروحانية, والذي آمل أن ينال إعجابكم، نجده واضحًا في كلمات الربّ يسوع عن القاضي غير العادل والأرملة اللحوحة حيث تكلّم المعلّم الإلهي “ينبغي أن يُصلّي كل حين ولا يُمَلّ” (لو18: 1). كما يحثنا الرسول قائلاً “صلوا كل حين” ويضيف “شاكرين في كل شي” (1 تس 5: 17-18)[3]. الكاتب الأول الذي يضبط توجهنا في هذا الأمر هو ” اوريجينوس” (185م- 254م). وعمله المحفوظ في أصله اليوناني ـ وهو الأروع ـ حول الصلاة . (وهو كان فاهماً لما يكتب) إذ يقول “إن الذي يوّحد بين الوصايا والصلاة إنما هو يصلي بلا انقطاع, لأن عمل الفضيلة والإمساك بالوصايا هما جزءً من الصلاة؛ لأنه هكذا فقط نستطيع ان نفهم (صلوا بلا انقطاع) كوصية يمكن ترجمتها بشكل عملّي إذا قلنا أن كل حياة القداسة هي صلاة واحدة ومستمرة وتضرّع عظيم”(12: 2) أخذ اوريجينوس كلمات الرسول بولس حول الصلاة الدائمة بجدّية عظيمة وخصوصا لذاته، كأمر لا غني عنه. ولكن المشكلة الحقيقية والمسألة الحقة هي معرفة الطريق لتنفيذ هذا الأمر. فهناك الصلوات الشفهية وخصوصا صلاة أبانا الذي في السموات, والتي علّم عنها اوريجينوس في الجزء الثاني من عمله (حول الصلاة). يكمل اوريجينوس الأسكندري بشكل أكثر تحديداً قائلاً: إن الصلاة تكون علي الأقل ثلاث مرات يوميا كما رأينا عند النبي دانيال ولكن هذا الأمر ليس كافياً حيث ينبغي أن تكون الصلاة بدون توقف؛ والطريقة الوحيدة لعمل هذا الأمر هو أن نعيش الحياة كلها كصلاة عظيمة, والتحدي مازال قائمًا . فلنرَ كيف إستطاع القديسون في مصر أن يقبلوه. في كتابات القديس باخوميوس وفي نظام شركته, لا نجد إشارة واضحة عن الصلاة المستمّرة كوصيّة, فقط في حياة باخوميوس الموجودة في اللغة اليونانية في أحدي الفقرات الأخيرة (91) حيث يتكلّم عن الصلاة المستمرة خلال نصائحه الأهم بهدف المحبة الأخوّية. بينما, في حياة باخوميوس الموجودة في اللهجة البحيرية القبطية, والتي كتبت في زمن متأخر, يوضح الفكرة الرهبانية في بدء السيرة حينما ذهب الشاب باخوميوس لمقابلة الراهب بلامون, والذي أوضح له في حديث مهيب ما هو مقياس الرهبنة(الفقرة 10)” هذه هي قاعدة الرهبنة بحسب تعليم أسلافي. نحن نعمل دائما في منتصف الليل حيث من الليل إلي الصباح نظل ساهرين منشدين لكلمة الله ونعمل عمل يدوي بكثرة كنسج الصوف وضفر الخوص حتى لا يباغتنا النعاس وحتى نقوت جسدنا, ولنعطي الفقراء ما هو فائض عن احتياجاتنا بحسب كلمة الرسول “لنذكر الفقراء” (غل2: 10). استخدام الزيت وشرب الخمر وأكل طعام مطبوخ, هذا أمر غير معروف لدينا, نصوم كل يوم حتى المساء أثناء الصيف, يومين أو ثلاثة متتاليين في الشتاء. وهذه هي القاعدة ستون تضرعا في النهار وخمسون أثناء الليل بدون حساب للتسبيح, وهذا ما نفعله حتى لا نكون منافقين لأن بهذا أمِرنا أن نصلي بدون انقطاع لأن مَنْ هو في حزن فليصل (يعقوب 5: 13), و هذا أيضاً رتبّه ربنا يسوع المسيح لتلاميذه صلوا لئلا تدخلوا في تجربة (مت 26: 41) لان الصلاة هي أم لكل الفضائل . في خلاصة الحياة الرهبانية السابقة , نجد تسليط الضوء علي مركزية الصلاة. في نظام باخوميوس يأخذ الاحتفال الليتورجي في حياة الشركة الدور المركزي , كما كتب أحد المتخصصين في الليتورجية الباخومية, أن نظام الشركة التي أسسها باخوميوس هو ( حياة المسيحيين في الجماعة الأولي في أورشليم والتي تتضح لنا من خلال سفر أعمال الرسل هي المثابرة علي العقيدة الرسولية ألا وهي (كينونيا) الشركة, كسر الخبز والصلاة المشتركة … ألخ.” وعلي أي حال بحسب حديث بلامون نجد ان العمل اليدوي هو جزء جوهري من “مقياس” الرهبنة. إذًا كان القديس باخوميوس أسس شركته في مصر العليا نجد أن في مصر السفلي قريباً من الإسكندرية نموذج أخر للرهبنة. كائن بين الوحدة والشركة والذي تأسس من قَبِل أمون ومكاريوس الكبير. أولاً نتريا ( قريبا من البارنوج) ثم دائما أبعد في الصحراء حيث (كيليا) (قريبا من أبو المطامير وقريباً من جناكليس) حتى شهيت (الآن وادي النطرون). نتريا وبعدها كيليا أتي لها رجل يوناني قادم من كبادوكية , متتلمذ علي يد باسيليوس وغريغوريوس النيسي هو إفاغريوس البنطي (تنيح 399م) جاء إلي مصر ليتعلّم الحياة الرهبانية من أباء الصحراء الكبار , في كتاباته عن الصلاة لا نجد ولا حتى إشارة واحدة مباشرة عن موضوعنا ولكن في التناول العملي فصل 49 تقريبا في وسط الكتاب يتكلّم البنطي هكذا ” لم نوصِ بالعمل أو بالسهر أو بالصوم الدائم ولكن مُنحنا قانوناً للصلاة الدائمة لأن تلك الوصايا (السهر والصوم الدائم) التي تشفي الجزء الضعيف في النفس, حتى تُنفذ تحتاج إلي جسدنا و لسبب ضعفه لا يحتمل أتعابها, أما الصلاة فهي تجعل العقل نشيطاً ونقياً في جهاده لأنه جُعل(العقل) لأجل الصلاة, حتى لو كان منفصلاً عن الجسد, مانحاً كفاحاً ضد الشيطان مدافعاً عن قدرات النفس″. تعاليم أباء الصحراء قد أتت إلينا من خلال منظومة أدبيّة محدّدة ومنها نجد أول شهادات محدّدة في كتابات افاغريوس,هذه المجموعة الأدبية هي أقوال الآباء الشيوخ ” يوجد ثلاث مجموعات كبري تعود إلي منتصف القرن الخامس, أحياناً تّم تجميع ما تلفظّه الآباء بعدهم بما يزيد عن قرن؛ والأكثر أن هذه الأقوال تم تصفية نصوصها بحذف كل العبارات التي تعكس التعاليم الاوريجانية”, علي أي حال, نجد في أحد الفصول الداخلية, الفصل الثاني عشر, معنون ” بالصلاة الدائمة وفي السهر , و خلال الفصل الثامن والعشرون نجد تهليلات عن قدرة الصلاة والقدرة لتحويل المصلي إلي لهيب (رقم9) . و(رقم6) يوضع في المشهد إيبفانيوس أسقف سلاميس, والذي أسس أدياراً في فلسطين حيث تبدو أن ممارسة الساعات القانونية كانت قد تثبتت. “المطوب إيبفانيوس أسقف قبرص والذي له دير في فلسطين. أرسل له يوماً أبوه الروحي قائلاً: شكراً لصلاتك, فنحن يجب ألاّ نتغافل يوماً عن قانوننا وأنما بهمة نحتفل بالساعة الأولي والثالثة والسادسة والتاسعة والسحر(الصلاة عند ظهور النور) . ولكنه وبخّه بهذه الكلمات: من الواضح التغافل والامتناع عن الصلاة في ساعات اليوم الأخرى. الراهب الحقيقي يجب أن يمتلك استمرارية الصلاة والمزامير في قلبه”. خلف توبيخ الأسقف المرهوب,والذي هو صائد كبير للهرطقات, تختفي المشكلة الحرجة للراهب وهي كيف يتمم وصية الصلاة الدائمة حينما لا يكون في زمن السيناكسس (الاجتماع), والذي يجتمع إليه سواء المتوحد أو الباقي في الشركة لأجل الصلاة . أثنين من أقوال الآباء الشيوخ يبينا لنا؛ أن الراهب الحقيقي هو مَنْ يستمر في الصلاة حتى في وقت الأكل أو حتى في أثناء الحديث مع الآخرين في الأقوال المنسوبة للوتشيو (رقم 9) حيث تظل هي المثال الأشهر بالنسبة للدارسين المعاصرين : ” في أحد الايام ذهب الأب لوتشيو إلي (إناتون) حيث جماعة رهبانية تدعي ” جماعة المصلين” . ماهو عملكم اليدوي؟ سألهم الشيخ. قالوا: نحن لانقترب أبدا من العمل اليدوي, ولكننا كما قال الرسول (نصلي بلا إتقطاع ) . ولكن ألا تاكلون؟ قال الشيخ. قالوا: بلي .”حسناً, حينما تأكلون مَنْ يصلي عنكم؟”. قال عندها ألا تنامون؟ . قالوا: بلي. “حينما تنامون, مَنّ يصلي عنكم؟” . لكنهم لم يعرفوا ما يجيبوا به علي هذه الأسئلة . معذرة لكم – قال لهم الشيخ- أنتم لا تعملون ما تقولونه, سأوضح لكم إنني أصلي بدون إنقطاع أثناء إتمام عملي اليدوي. فأنا أكون جالساً مع الله حينما أبلل خوصي وحينما أضفره حبلاً أقول : ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وكمثل رأفتك أمحو أثمي . أليست هذه صلاة ؟ قالوا: بلي إنها صلاة . قال : هكذا بمواظبة طول اليوم أعمل و أصلي وأحصل من عملي علي ستة عشر ديناراً بالتقريب, أتصدق بدينارين وانفق لأجل احتياجاتي ما تبقي. وهذا الذي قَبِل مني الدينارين يصلي لأجلي حينما أكل وحينما أنام؛ وهكذا بنعمة الله أتمم الصلاة بغير انقطاع.” هؤلاء (المصلين) من المحتمل أنهم كانوا من جماعة المصلين, تلك الحركة التي نشأت في سوريا وبحثوا عن الوسيلة للصلاة الثابتة في رفض العمل حيث كانوا في توزيع الأعمال كانوا يقولون: إن الرهبان (الكاملون) هم مَنْ كرسّوا أنفسهم بالكلّية للصلاة, في حين, أن (المعتدلون) يعتنوا بهم مادياً , في الحقيقة ليس هو الحل الأفضل!. تساعدنا إجابة شيخ غير معلوم اسمه لدينا عن السؤال :”ما هي الصلاة الدائمة؟” في التقدم خطوة أخري. حيث أجاب قائلاً: إن الصلاة التي تصعد إلي الله هي تلك التي من عمق القلب وتطلب ما يجب أن تطلبه. حقاً إننا لا نصلي فقط حينما نقف علي اقدامنا للصلاة, ولكن الصلاة الحقيقية أن تصلي دائما في داخلك “(رقم 20). حينما تأتي الصلاة من ذات المصلي أي من داخله kaq’eauto لا يمكن أن تتركها لعناية الآخرين كما فكر في ذلك, وللأسف ربما بسذاجة, الأب لوتشيو. بمعني من يُحسب, كما تروي الابوفتجما غير المسماة 23, مواظباً علي تذكار الله في أي مكان وفي أي حال. ولكن كيف لنا أن نتذكره بشكل دائم. نحن الذين أهملنا التدريب الذهني مرتكزين إلي الكمبيوتر وتلك الوسائل الحديثة, لم نعد نفهم كيف لهؤلاء القدامى قدرة علي الحفظ والتذكر. فهؤلاء الرهبان يعرفون كل المزامير والأناجيل, وأجزاء كبيرة من الكتاب المقدس وكان تدريبهم الطبيعي أثناء عملهم اليومي هو تكرار هذه الأجزاء بسهولة ككر الحبل. كانوا يستطيعون أن يقولوها من ذاكرتهم. أقوال الشيوخ الأولي. توضح لنا بشكل تام هذه الطريقة, في رسالة الخلاص: ” بينما يجلس أبونا القديس أنطونيوس في الصحراء, شعر بحزن وحلت به ظلمة الفكر. قال لله : يا سيدي أريد أن أخلص, ولكن أفكاري تعوقني. ماذا أستطيع أن أفعل في حزني هذا؟ في الحال رأي أنطونيوس أخر مثله, جلس ليعمل, ثم قطع عمله ونهض واقفاً وصلي, ومن جديد جلس ليضفر حبلاً, ثم قام ثانياً وصلي. كان ملاك الرب, أرسله الله ليشجع أنطونيوس ويعطيه قوه. وقال له الملاك: اعمل هكذا وستخلص, وسمع هذه الكلمات وكان له فرح وتشجيع عظيمان: صنع هذا وخلص.” ولكن ما هي صيغة صلاة الملاك الذي ظهر لأنطونيوس؟ لا نعرف. علي صعيد أخر, ودائما في الفصل الخاص بالصلاة الدائمة في أقوال الشيوخ الأولى, نقرأ في الأقوال الخاصة بمكاريوس المصري (رقم 11): “سُئل الأب مكاريوس: كيف يجب أن نصلي؟. أجابهم الشيخ: لسنا في حاجة لنقول كلمات عابثة, ولكن بسط اليد وقول “يا رب ,كما تريد وكما تعلم, ارحمني”. وحينما تفاجأك تجربة يكفي أن تقول :يا رب ساعدني. فأنت تعرف ما هو حسن لنا، إصنع رحمة معنا”. اتضحت لنا المواظبة العملية على الصلاة في الحقبة الكبرى لآباء الصحراء, كتلك التي في زمن القديس مقاريوس, من خلال عدد من القصص وخاصة تلك التي قصدها إيفاغريوس وهي “الانتي ريسيس” أو الهروب من مجابهة التجربة. ما قلناه سابقاً عن الأقوال التي تحدثت عن الأب لوتشيو الذي كان يردد الآية الأولي من المزمور الخمسين. أنهم حقا كانوا مصارعين روحيين استطاعوا أن يرددوا مئات الصلوات يومياً. كما في تلك القصة العجيبة الرائعة عن بولس الذي من الفرمة والتي حكاها بلاديوس في تاريخه “التاريخ اللوزكي”. “يوجد في مصر جبل يقود صحراء الأسقيط الكبرى يسمي فرمه. علي هذا الجبل يسكن حوالي 500 إنسان تكرسوا للنسك. بين هؤلاء شخص أسمه بولس هكذا كانوا يدعونه, أخذ لنفسه هذا النظام في الحياة. لا يعطي يده في أي عمل أو نشاط,لم يقبل أبداً طعاماً ليأكل من أحد من الخارج. عمله ونسكه قائمان علي الصلاة الدائمة. كان يردد ثلاثمائة صلاة ثابتة: كان يجمع في حضنه حصوات كثيرة ويرمي خارجاً واحدة عند كل صلاة يرددها. في محادثة قال: يا أبانا مكاريوس؛ أنا في كرب, فطلب منه أن يوضح له السبب؛ فقال: في بلدة تسكن عذراء من ثلاثين عاماً تحيا في النسك, قالوا عنها: أنها لا تقترب أبداً من الطعام إلا يومي السبت والاحد, وتقضي كل الأسبوع في صوم ولا تأكل إلا كل خمسة أيام وتصلي سبعمائة صلاة. وحينما سمعتُ هذا يئست في نفسي. فلماذا لا أقدر أن أتخطي الثلاثمائة صلاة. أجاب القديس مكاريوس: بعد ستون سنة, أصلي كل يوم مئة صلاة. أكمل عملي الضروري وأتحصل علي طعامي, أكتفي باللازم من أحاديث الأخوة. ولم يتعب ضميري قط إلا إذا شعرتُ بنقص في الجهاد. إذا كنت تصلي ثلاثمائة صلاة, وتشعر بتأنيب ضميرك, ويتضح لك إنك كنت لا تصلي من قلب نقي أو أنك قادر علي أن تكون في قامة من الصلاة أعلي من هذا ولم تعملها“ . في الحديث العاشر ليوحنا كاسيان, الراهب اللاتيني المتأسس في مدرسة رهبنة نتيريا وأيفاغريوس, يأتينا اقتراح تعليمي مميز عن الصلاة. موضوع من فم الأب أسحق, تلميذ أنطونيوس الكبير, ليكون لك تذكار الله الدائم, توجب تكرار الآية الثانية من المزمور 69/70 والتي هي” اللهم التفت إلي معونتي, يا رب أسرع وأعني” , صراخ الراهب الذي عرف أنه خاطئ ويحتاج إلي الرحمة الإلهية. في نفس أطار التوبة نجد في تضرع أبوللو, هذا الراهب الذي مكث أربعين عاماً في الخطيئة, وبرجاء قضي أربعين سنة أخري مصلياً لله بدون انقطاع حتى يسامحه. قائلاً باستمرار: “قد أخطئتُ لأنني إنسان, ولكن أنت هو الله الذي تغفر” ( المجموعة الأبجدية,أبوللو رقم 2) أيضا من المهم جدا إرشاد الأنبا أموناس (الأبجدية رقم 4) والذي أعطاه لراهب كان يُجرب بثلاثة أفكار, الذهاب تيهاً في الصحراء, أم الهروب للخارج حيث لا يعرفك أحد, أم كحبيس دون أن تري أحد. أجاب أموناس:”لا شي من هذا يفيدك. أبقي بالأحرى في قلايتك. كُل قليلاً كل يوم. ضع في قلبك دائماً كلمة العشار يمكنك أن تخلص .وكلمة العشار هي تلك الموجودة في لوقا 18: 13 “اللهم أرحمني أنا الخاطئ” . تقريباً قد وصلنا إلي صيغة من صلاة يسوع والتي هي عزيزة علي التقليد النسكي. لنرحل بعيداً, ننتقل من مصر إلي فلسطين, بشكل أكثر تحديداً في غزة. حيث سكن المتوحد صفرنيوس (450- ؟), مصري كما نفهم من أسمه, لغته الأم هي القبطية. الرسائل المتبادلة بينه وبين تلميذه يوحنا الذي من غزة وما تحويه من إجابات مُعطاة علي إرشادات روحية, بناء على طلبه, إنها شهادة أساسية تجمع كل ثمار تقليد أباء الصحراء. أكثر من مرة تظهر الوصية الموجودة في تيموثاوس الأولي 5: 19, وهذه تحمل لنا كثير من الصلوات التي في إسم يسوع والذي فيه نستطيع أن نخلص. تعلم الرسالة (304)؛ أن نقول في التجربة ” أيها الرب يسوع المسيح, خلصني.”(الرسالة 255)” يا يسوع المخلص أحميني. تعالي ساعدني في ضعفي”(الرسالة 659). كان ينصح صفرونيوس أن يقول بإستمرار “يا يسوع ساعدني” الرسالة (268). نعرف أن الصيغة “يا ربي يسوع المسيح أرحمني” كانت معروفة جيداً ومستعملة بغزة, ومع هذا توجب علينا أن نقدر بحذر إجابة صفرونيوس على سؤال يوحنا، تلك الإجابة, المملؤة من الاتزان الروحي (الرسالة 175): “{سؤال} هل حسناً أن أتمم صلاة :يا ربي يسوع المسيح ارحمني, أم بالحري أهذُ متذكراً ما هو من الأسفار الإلهية ومردداً المزامير؟- الإجابة- نحتاج لكليهما, من هذا ومن تلك, لأنه حقا مكتوب. ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا عنكم تلك(انظر متي 23:23). إذًا قد غُرست هذه الصلاة في بدايات القرن السادس الميلادي , بعد هذا التاريخ بحوالي قرنين من الزمان تأتينا شهادات أخري بطريقة غير عادية من خلال كتابة جدارية من داخل أحدي القلالي في موقع رهباني في كيليا اكتشفت عام 1965م, وطبعت ونشرت. الآن لا يبقي تقريباً شي من هذا الموقع فقد تم استصلاحه زراعياً بالكامل. النسخ القبطية للنصوص ليست دائماً واضحة ولكن توجد نسخة عربية للنص . تتعلق بأقوال لأحد الشيوخ الروحيين قائلاً: لا تصغي للشياطين التي تنتقد الصلاة الموجهة فقط ليسوع, وتتغافل عن الآب والروح القدس. علي هذه الشهادة الأخيرة وغيرها يستطيع الدارسون أن يقولوا : أن صلاة يسوع كانت تمارس بشدة في الأديرة الموجودة في الأماكن الواقعة جنوب الإسكندرية علي مدار زمن طويل في العصور الوسطي. وبشكل خاص في دير القدس مكاريوس. علي ما يظهر؛ لا نستطيع أن نقول نفس الشيء عن الأديرة الأخرى الموجودة في مصر العليا والتي تبنت تقاليد مختلفة . بعد الغزو العربي (حوالي 640 م) تمحورت الحياة الروحية في الكنيسة القبطية بشكل أكبر حول التقليد الليتورجي. وخصوصا الإبصلمودية السنوية والتي حافظت بشكل دائم علي العبادة بإسم يسوع التجديد في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, والتي كانت في سبات خلال قرون الاحتلال العثماني. ظهر من جديد علي المستوي الروحي, متفتحاً في الصحراء الراهب متى المسكين(1919-2006) الذي أعاد تجديد دير القديس مكاريوس, تاركاً لنا عمله النسكي الكبير . كتابه الذي تُرجم إلي الإيطالية تحت عنوان “إختبار الله في الصلاة” يحوي فصلاً عن الصلاة الدائمة والذي كتب فيه ” إنها ممارسة روحية مميزة تلك التي ترهن إليها الصعوبات الداخلية للنفس متلامسة مع مراكز العقل المحددة للحصول علي الهدوء الداخلي اللازم للثبات في اليقظة الروحية للإدراك الراسخ بالحضرة الإلهية, مع مصاحبة للتسلط الكامل علي الأفكار والشهوات. فهذا العمل الروحي الأهم والأثمن إن تُمِمَ بنجاح قادر أن يمنحنا إدراك قمة الحياة الروحية . هذا الأمين لتقاليد رهبان شمال مصر, يقدم صلاة يسوع كنموذج, فيضيف: “الكاتب نفسه يعترف ببركات هذه الصلاة حينما إختبرها شخصياً “ مع هذه الشهادة التي تأتي من أحد أفضل أبناء الكنيسة القبطية نوقف حديثنا اليوم عن وصية الصلاة الدائمة بحسب التقليد الإسكندري. فها نحن سافرنا من رؤية أوريجينوس ووصلنا حتى متى المسكين, لنري بتمعن حياة القديس كصلاة كبري في إتضاع عملي لصلاة القلب, فأثناء عرضنا, ذكرتُ كيف ندرس التقليد (القبطي) في مفهوم قد أعطيته أولاً في كلماتي. حيث يجب النظر أيضاً إلي الكتابات اليونانية وحتى تلك التي في اللاتينية والتي حفظت في ذاكرتها الروحانية المصرية في القرنين الرابع والخامس, ففي تقديري ليس صحيحاً أن نتكلم عن الأدب القبطي بشكل عام دون التمعن في كل التقليد الإسكندري. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إعتنوا وإهتموا بنموكم الروحي من خلال الصلاة المستمرة |
الصلاة المستمرة التي لا تنتهي |
الصلاة المستمرة هي نور النفس |
الصلاة المستمرة |
كن رجل الصلاة المستمرة مستمداً القوة |