13 - 10 - 2017, 05:07 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
يسوع حزينًا
يسوع حزينًا
يسوع الذي كان فرحًا لجميع الشعب، كما أعلن ملاك الرب للرعاة:
".. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ:"
(لوقا 2: 10)
الذي عاش زمنًا على أرضنا وجال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، ويشيع الفرح في كل مكان ذهب إليه، هل ممكن أن يستبدّ به الحزن؟!
نعم، فقد عاش إنسانًا كاملاً، واختلجت في قلبه كل المشاعر الإنسانية. كان حزن يسوع أعمق وأمرّ من كل حزن، لأنه حزن نابع من قلب يحب هو أكبر وأعظم من كل قلب. أحبّ خاصته وخاصته لم تقبله؛ رفضوه وقاوموه وطردوه . جاء إلى وطنه الذي عاش فيه سنينًا يعلّم في المجمع الذي كان يتردّد عليه كثيرًا في صباه. بهتوا واستنكروا وتعثروا وقالوا في لهجة ساخرة:
"أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ،" ؟!
لم يستمعوا إلى كلامه ولم يقبلوا أعماله. رفضوه ولفظوه وتنكروا له.
حزن يسوع وقال في لوعة:
"لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ"
(متى 13: 55; 57)
حتى إخوته لم يكونوا يؤمنون به. هل هناك حزن أكثر ألمًا وقسوة من أن يرفضك أهلك والذين تحبهم حبًّا خاصًا خالصًا؟!
*
نظر يسوع إلى أورشليم مفخرة كل من عاش فيها وانتمى إليها. جال بنظره في بيوتها المتراصة العامرة بسكانها. تأمل قباب قصورها وهيكلها وهي تعلو شامخة نحو السماء. واعتصر الحزن قلبه وغمرت روحه لوعة ورثاها:
"يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا،.."
كم جال في طرقاتها ينادي ويعلن عن اقتراب ملكوت السماوات ويظهر للناس السبيل إلى الحياة الأبدية، لكن صوته ضاع في ضجيج المدينة الكبيرة ولم يجد استجابة لصراخه. تفجر حزنه وخرج صوته ملتاعًا وهو يقول:
"..كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!"
(متى 23: 37)
وَلَمْ تُرِيدُوا!
كلمات تقطر مرارة وألمًا... يريد أن يجمعهم ويحميهم تحت جناحيه. وهم لا يريدون. يرى الخطر الذي يهددهم ويريد أن يحفظهم بعيدًا عنه ويحتضنهم بذراعيه كما تضع الدجاجة فراخها تحت جناحيها وتبعد عنهم كل سوء. الدجاجة تبذل نفسها لتحفظ فراخها آمنين سالمين. عندما يشتعل الحريق تسرع وتجمع فراخها تحت جناحيها وتحترق هي وتبقى الفراخ حية تحت جسدها المحترق!
هكذا يريد وهم يرفضون!
ما أقسى الرفض عليه وهو يعرض الحب والحماية لهم!
حزن يسوع على أورشليم الحبيبة ومن يعيشون فيها ورثاها. وفي موقف آخر عندما كان صاعدًا إلى أورشليم نزل راكبًا جحشًا من منحدر جبل الزيتون والتلاميذ يفرشون ثيابهم تحت أقدام الجحش ويهللون قائلين:
"مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي"
(لوقا 19: 38)
أرسل يسوع بصره ونظر إلى المدينة، واختلجت مشاعره، وحزن قلبه، وسالت دموعه وبكى عليها. بكى يسوع حزنًا على المدينة التي أحبها من كل قلبه، وعرف مصيرها المروع والهلاك القادم عليها. حزن لأنها ترفضه وترفض خلاصه وترفض حمايته لها.
*
كان رؤساء الكهنة والكتبة يخططون للتخلص من هذا الذي استطاع في فترة قصيرة أن يجمع كل هذه الجماهير حوله. رأوا سلطانهم على الشعب يتحوّل عنهم، ويلتفون حوله مأخوذين بأقواله وأعماله. روت كلماته عطشهم وسلبت عقولهم، فقد كان يعلّمهم كمن له سلطان. جذبهم حبه لهم وهو يتحنن عليهم ويشفي مرضاهم. كان العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون! رأى رؤساء الكهنة والكتبة فيه خطرًا يهدد مكانتهم، فأرادوا أن يزيلوه من طريقهم. كان موجودًا ظاهرًا في كل مكان ومن السهل الفتك به، لكنهم كانوا يخافون من الشعب الملتفّ دائمًا حوله، ومن أن يختفي ويخرج من وسطهم بعيدًا عن متناول أيديهم كما حدث حين همّوا أن يرجموه وهو في الهيكل. بحثوا عن أحد من أتباعه ليسلّمه لهم. وجدوا ضالتهم في يهوذا الإسخريوطي، الذي كان التلاميذ يأتمنونه على الصندوق والذي كان له مكانة خاصة بينهم. نراه حين دهنت مريم قدمي يسوع بالطيب يعترض قائلاً:
"لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ "
(يوحنا 12: 5)
ويعلق يوحنا قائلاً إنه لم يكن يبالي بالفقراء، بل لأنه كان سارقًا وكان الصندوق عنده. يذكر متى أنه بعد ذلك مباشرة ذهب يهوذا إلى رؤساء الكهنة وطلب منهم مالاً مقابل أن يسلمه لهم. خيانة تلميذ كان مقرّبًا منه مدة طويلة. بعد ذلك وقبل عيد الفصح بقليل على العشاء بعد أن غسل يسوع أرجل تلاميذه، لفت نظر من حوله إلى المكتوب قديمًا:
" اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ."
ثم اضطرب بالروح وامتلأ قلبه بالحزن وهو يقول:
"..الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:
إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!."
(يوحنا 13: 18; 21)
كان يسوع متألمًا لخيانة أحد تلاميذه له. لم يغضب أو يثور أو يؤنب يهوذا ويطرده. حزن. حزن يسوع. واجه الخيانة بالحزن. واجه الشر بالحزن. الحزن النبيل!
دخل يسوع وتلاميذه جثسيماني، وابتدأ يحزن ويكتئب وفقال لهم:
" .. «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي»."
(متى 26: 38)
ثم تقدم قليلاً وخرّ على الأرض وكان يصلي، وقد صار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. ثلاث مرات عاد إلى تلاميذه ووجدهم نيامًا من الحزن. أما هو فلم ينم. صلّى وكانت صلاته تقطر حزنًا وألمًا وهو يخاطب الآب:
"قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»."
(لوقا 22: 42)
ثم دخل يهوذا وحوله جمع مسلّح بسيوف وعصي وتقدّم إلى يسوع وقبّله!
".. أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ؟ "
(لوقا 22: 42; 48)
قبلة كلها خيانة وسمّ، فكيف لا يحزن؟!
على قدر حب يسوع العميق لنا يكون حزنه علينا حين نرفضه وننكره. ويعتريه الأسى الشديد حين يرى أولئك الذين لا يستفيدون من خلاصه الذي سفك في سبيله دمه على الصليب ليحقق عدالة الله، ويفتح الطريق إلى الحياة الأبدية ليكونوا معه في ملكوته، لأنه هكذا أحبّ الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. وهم لا يبالون.
* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين
يسوع يحبك ...
|