رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تعرف علي الاجرءات والأسباب عن محاكمة ربنا يسوع المسيح إن محاكمات المسيح تمثل أقصى إستهانه بالعدالة. حوالي الألفي عام وفي عهد الحاكم الروماني بيلاطس البنطي، التأمت المحكمة اليهودية العليا، السنهدريم، ممثلة بأبرز قادة اليهود، وبالإجماع حكمت على الفادي يسوع المسيح بالموت صلباً. ولكن، من الذي سلم المسيح المخلص ، وكيف تم إلقاء القبض عليه، وكيف كانت مجريات المحاكمة ، وما هي مراحل محاكمة السيد المسيح، وقبل هذا وذاك ماهي الدوافع الحقيقية لمحاكمته؟. قبل القاء القبض على يسوع كان يسوع والتلاميذ في بستان الزيتون وهو المكان الذي كان يتردد يسوع عليه كثيرًا،[يوحنا 2/18] ثم اصطحب معه الحلقة الداخلية من التلاميذ وهم بطرس ويوحنا ويعقوب ابني زبدي ولاحقًا انفرد عنهم للصلاة؛ وتتفق الأناجيل الإزائية أن حالة يسوع حينها كان يشوبها الخوف والرهبة وأنه خلال الصلاة قد طلب من الآب أن يبعد عنه ما سيلاقيه لكنه أدرف: لتكن مشيئتك لا مشيئتي [لوقا 42/22]. ويضيف إنجيل لوقا تفصيلاً آخر بأن ملاكاً من السماء قد ظهر يشدده بينما صارت قطرات عرقه كقطرات الدم [لوقا 44/22]. وبعد صلاته عاد إلى التلاميذ فوجدهم نائمين لأن النعاس أثقل عيونهم [مرقس 40/14]، لكنه قال لهم: أقبلت الساعة، ها إن ابن الانسان يسلّم إلى أيدي الخاطئين، قوموا لنذهب فقد اقترب الذي يسلمني[مرقس 42/14]. وللحال كما تتفق الأناجيل الإزائية تقدم يهوذا الاسخريوطي يرافقه فرقة من الجند الرومان وهم في الغالب يقيمون منفصلين عن اليهود في محميات خاصة خارج المدن، فلم يكونوا على اختلاط بيسوع وربما استقدموا في إطار حفظ الأمن خلال عيد الفصح لا غير، وقد اتفق مسلموه مع الجند ويهوذا، أن الذي يقبله هو يسوع، فبعد أن قبله قال له يسوع: “يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الإنسان” [لوقا 48/22]. لا يذكر إنجيل يوحنا شيئًا عن قبلة يهوذا، لكنه يضع التسليم في إطار لاهوتي، فعندما سأل يسوع الجند من تريدون وأجابوه أنهم يريدون يسوع الناصري، قال لهم “أنا هو”، وهو العبارة التقليدية في الديانة اليهودية للإشارة إلى الله فتراجع الجنود بقوة خارجية وسقطوا على الأرض، لكنهم قبضوا عليه بعد ذلك، وبحسب العقائد المسيحية واتفاق الأناجيل الأربعة، فهو من سمح لهم بالقبض عليه. حاول التلاميذ إبداء المقاومة، وقام بطرس بضرب عبد رئيس الكهنة المدعو ملخس فقطع أذنه، لكن يسوع رفض استخدام القوّة وقال: “ردّ سيفك إلى غمده!، فإن الذين يلجأون إلى السيف بالسيف يهلكون. أم تظنّ أني لا أقدر أن أطلب من أبي فيرسل لي اثني عشر جيشًا من الملائكة؟ ولكن كيف يتم الكتاب حيث يقول إن ما يحدث الآن لا بدّ أن يحدث” [متى 52/26-54]. وقام بإعادة أذن ملخس إلى مكانها، ثم وجه كلامه للجند ومرافقيهم: “أكما على لص خرجتم بالسيوف والعصي لتقبضوا علي؟ كنت كل يوم بينكم أعلم في الهيكل، ولم تقبضوا علي ولكن قد حدث هذا كله لتتم كلمات الأنبياء” [متى 55/26]. أما التلاميذ فقد هربوا بعد ذلك جميعًا [متى 56/26]، وتركوه وحيدًا وينقل إنجيل مرقس أن الجند حالوا اعتقال بعض التلاميذ لكنهم فشلوا [مرقس 51/14]. مراحل محاكمة السيد المسيح طبقاً لما جاء في الكتب فإن المحاكمة دامت أقل من ثماني عشرة ساعة إلا أنها تمت على مرحلتين وأمام سلطتين وخلال ست جلسات مختلفة. مما يعني أن محاكمة سيدنا يسوع المسيح قد تمت في ستة أجزاء؛ ثلاث مراحل في محكمة دينية يهودية، وثلاث مراحل أمام محكمة سياسية رومانية. وقد كانت السلطة الرومانية تسمح لمحاكم اليهود صراحة بإقرار عقوبة الإعدام وتنفيذها في حالات معينة؛ وهي الزنا والتجديف وانتهاك حُرمة الهيكل. ولعلّه لهذا السبب كان الاتهام الأول هو عزمه على هدم الهيكل كوسيلة غير مباشرة لتسليمه إلى الموت الطقسي أو الشرعي، وكان هذا الموت يتم حسب التقليد اليهودي بالرجم بالحجارة. الا أن موت السيد المسيح لم يتم بالرجم بالحجارة لأن السيد المسيح كان قد توارى عنهم عندما أرادوا رجمه (يو 59:8) ولأنه وفقاً لنبؤات العهد القديم كان لا بد أن يتم ذلك صلباً. وكانت في سِفر إشعياء 53: 12؛ مزمور 22: 18؛ مزمور 69: 21؛ زكريا 12: 10. ولأنه لم يكن ممكنًا للموت بالرجم أن يحقق خلاص العالم. أما عقوبة الصلب فكانت تُطبق حسب القانون الروماني على العبيد وغير الرومانيين. وهو عقوبة بشعة شائنة، وتمثل اللعنة والرجاسة القُصوى في نظر اليهود. لهذا تضامن اليهود مع بعض الرومان على تحقيقها بأسرع ما يمكن في يوم الاستعداد للفصح. وفما يلي شرحا مفصلا لمراحل المحاكمة: أولاً: مراحل المحاكمة الدينية بواسطة اليهود، وهي ثلاثة مراحل كالتالي: المرحلة الأولى : أمام حنان [يوحنا 18: 12-14 ، 24]. المرحلة الثانية : أمام قيافا [متى 26: 57-68]. المرحلة الثالثة : أمام المحمكة اليهودية العليا (السنهدرين) [متى 27: 1-2]. ثانياً: مراحل المحاكمة المدنية بواسطة السلطات الرومانية وهي ثلاثة مراحل أيضاً كالتالي: المرحلة الأولى : أمام بيلاطس [يوحنا 18: 28-38]. المرحلة الثانية : أمام هيرودس [لوقا 23: 6-12]. المرحلة الثالثة : أمام بيلاطس مرة أخرى [يوحنا 18: 39 إلى يوحنا 19: 16] وحُكم عليه غير مذنب ولكنه سلمه لليهود ليُصلب خضوعاً لرغبتهم وخوفاً من أن يشتكوه لقيصر إذ أوقعوه بحيلة لا يستطع أن يهرب منها وهو قولهم ليس لنا ملك إلا قيصر. أ) المحاكمة أمام السلطات اليهودية الجلسة الأولى (أمام حنان): بعد أن أوقفت الجماعة المسلحة يسوع، أخذته الى رئيس الكهنة حنّان المعروف بجشعه وخبثه واستغلاله للآخرين، كما كان يتمتع بوزن كبير بين أعضاء المجلس الأعلى لليهود. وهو رئيس كهنة سابق ذو نفوذ. ومع أنه لم يعد رئيساً للكهنة، الا أنه ربما كان له الكثير من السلطة (يو 18: 13-23). سأل حنّان يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه… أجابه يسوع “علناً تكلمت إلى العالم، ودائماً علمت في المجمع والهيكل حيث يجتمع اليهود كلهم، ولم أقل شيئاً في السر، فلماذا تسألني أنا؟ إسأل الذين سمعوا ما تكلمت به إليهم، فهم يعرفون ما قلته”. هنا تدخل أحد الحراس ولطم يسوع قائلاً له أهكذا تجيب رئيس الكهنة. أجابه يسوع: “إن كنت أسأت الكلام فاشهد على الإساءة، أما إذا كنت أحسنت فلماذا تضربني”. أنهى حنّان الجلسة وردّ يسوع مقيداً إلى قيافا الذي يسكن المكان نفسه. الجلسة الثانية (أمام قيافا، رئيس الكهنة الحالي آنذاك) : كما حدث في الجلسة أما حنّان، جرت هذه الجلسة أيضاً ليلاً في سرية وكانت مليئة بالمخالفات وباللاشرعية حتى صارت سخرية وهزءاً للعدالة. ويشير بعض الباحثين الى أن المهمة الرئيسية لقيافا كانت هي جمع الادلة حتى ينعقد المجلس الأعلى لليهود للاستجواب (أنظر متى 26 : 57-68 ؛ مر 14: 53-65؛ لو 22: 54‘ 63-65 يو 18: 24). فقبل أن تبدأ المحاكمة، كان قد تقرر أن يسوع يجب أن يموت، كما كانوا قد أعدوا شهود زور للشهادة ضد يسوع ولم يكن هناك دفاع عن يسوع ولم يكن يسمح به، استحلف قيافا يسوعَ، ثم أدانه على ما قاله كانت مثل هذه التهم الخطيرة تحاكم أمام مجلس السنهدريم وليس في بيت رئيس الكهنة قيافا. الجلسة الثالثة (أمام المجلس الأعلى لليهود، السنهدرين): وهي المحاكمة الدينية الرسمية والادانة بالموت. فعند طلوع النهار اجتمع السبعون عضواً في المجلس الأعلى لا للمحاكمة العادلة وإنما ليسجلوا موافقتهم وتصديقهم على الجلستين السابقتين حتى تكتسبا ثوب الشرعية، ولتبرير رأيهم في إدانة يسوع تقدم اثنان من شهود الزور وقالا هذا وأشارا إلى السيد المسيح: (قال أنه يقدر أن يهدم الهيكل ويبنيه في ثلاثة أيام) وقف رئيس الكهنة وسأل يسوع: أما تجيب بشيء على ما يشهد به هذان عليك؟ ولكن يسوع ظل صامتاً، فعاد رئيس الكهنة يسأله: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا، هل انت المسيح ابن الله؟، أجابه يسوع: “أنت قلت! وأقول لكم أيضاً إنكم منذ الآن سوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القدرة، ثم آتياً على سحب السماء”. فشق رئيس الكهنة ثيابه وصرخ: قد جدّف، لا حاجة بنا بعد إلى شهود، وها أنتم سمعتم تجديفه فما رأيكم؟. اجابوا: يستحق عقوبة الموت. فبصقوا في وجهه وضربوه، ولطمه بعضهم قائلين: تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك؟. (متى 27: 1؛ مر 15: 1؛ لو 22: 66-77). وتشير أحداث هذه المحاكمة أنها كانت قصيرة جداً ومستعجلة ولم تراع فيها حرمة الاجراءات القانونية. وتشير الاناجيل الى أن هذه المحاكمة كانت نسخة ملخصة عن الاستجواب الذي تمَ أمام قيافا. وفيها أسقطت عن يسوع تهمة التحريض عن الفتنة، اذ لم تثبت عليه أنه أراد هدم الهيكل. اذا سيق يسوع أولاً إلى منزل حنّان رئيس الكهنة السابق. فعلى الرغم من أن رئاسة الكهنوت في الشريعة اليهودية لا تزول، إلا أن الرومان قد تخطوا هذه القاعدة وعينوا صهره قيافا بدلاً منه، فما كان من سنهدرين وهو أعلى سلطة تنفيذة وتشريعية في المجتمع اليهودي القديم مكون من سبعين حاخامًا إلا أن اعترف برئاسة كليهما. وبعد جلسة حنّان السريعة سيق يسوع إلى منزل قيافا وهو مقر المجلس أيضًا، وقد حضر الجلسة عدد من رجال السنهدرين؛ وبحسب ما ذكر في الأناجيل فإن الجلسة الثانية في محاكمة يسوع لا يمكن أن تعتبر شرعية في الديانة اليهودية إذ تمت بسرية وتحت جنح الظلام وبحث بها الراغبون بإدانة يسوع وعلى رأسهم قيافا عن شهود زور، وقاموا بلطمه وشتمه وتعييره، ولم يرد يسوع على الاتهامات الموجهة له. أخيراً، سأله رئيس الكهنة: “أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: “أنا هو، وسوف ترون ابن الانسان جالسًا عن يمين القدرة على سحب لسماء” [مرقس 62/14]، ما يشكل اعترافاً صريحاً بكون يسوع هو المسيح وابن الإنسان. فقام قيافا بشق ثيابه وهي حركة رمزية، إذ إنه بحسب الشريعة اليهودية لا يجوز لرئيس الكهنة أن يشق ثيابه، لكنه فعل ذلك كإشارة إلى خطيئته الصغيرة مقابل خطيئة يسوع العظيمة. ومن الجدير ذكره أن التقليد الكنسي قد نقل لنا أن عددًا من أعضاء المجلس مثل نيقوديومس ويوسف الرامي قد رفضا المصادقة على هذا القرار. وكان يوحنا بن زبدي وبطرس خارج بيت قيافا ينتظران أخبار يسوع، وخلال وقوفهما هناك، سُئل بطرس ثلاث مرات هل تعرف يسوع فأنكر، وفي المرة الثالثة: ابتدأ بطرس يلعن ويحلف قائلاً: إني لا أعرف ذلك الرجل! وفي الحال صاح الديك فتذكر بطرس كلمة يسوع إذ قال له: قبل أن يصيح الديك تكون قد أنكرتني ثلاث مرات. فخرج إلى الخارج وبكى بكاءً مرًا [متى 74/26-75]. ونظراً لأن الإمبراطورية الرومانية كانت قد سحبت تنفيذ الإعدام من أيدي اليهود وقصرته على الحاكم الروماني، ولذلك كان يجب تقديم يسوع للحاكم الروماني على اليهودية بيلاطس البنطي المعيّن عليها كما كشفت السجلات التاريخية منذ عام 26. وفي الواقع فإنه كان من الممكن تأجيل محاكمة يسوع ريثما ينهي العيد ويغادر بيطلاس القدس إلى يافا، عاصمة الولاية، بحيث تخف سطوة الرومان على المدينة ويمكن بالتالي التغاضي عن تنفيذ حكم إعدام. غير أن القادة الدينين وكما يقترح عدد من مفسري الكتاب المقدس، كانوا يرمون الإسراع في التنفيذ لانشغال الناس في العيد من ناحية، وخوفًا من تحرك أنصار يسوع في حال طال أمد اعتقاله وسوى ذلك فإن تنفيذ الرومان للحكم، يرفع عنهم مسؤولية قتله أمام الجماهير. ولكون التهمة التي حوكم على أساسها يسوع بالإعدام وفق الشريعة اليهودية هي “التجديف” لا يأخذ بها القانون الروماني، كان عليهم أن يقدموا تهمة سياسية لقتله، لذلك عمدوا خلال لقائهم مع بيلاطس للتأكيد على كون يسوع إنما هو ثائر ومعادي للقيصر، مما يعني أنهم قد بدلوا تهم التجديف وهدم الهيكل بتهم ثلاث أخرى ذات لون سياسي، فهو يحرض على الفتنة، ويمنع أداء الجزية، ويدعي الملك، وكلها بالطبع تهم باطلة. ب) المحاكمة أمام السلطات الرومانية لماذا قُدم لبيلاطس الوالي لمحاكمته؟ هنالك مجموعة من الاسباب التي دعت الى تقديم يسوع الى بيلاطس ومن اهمها: 1- حتى يصدر الحكم بموته بطريقه شرعية حسب دستور البلد كمستعمرة رومانية. 2- خوفاً من أن يتحول الأمر إلى شغب ولم يكن يصلب، إذ هذا من حق الوالي وحده، وإنما لرجمه المشاغبون ولم تتحقق النبوات. 3- ربما خشيت القيادات اليهودية الدينية من ثورة الشعب عليهم، لذلك حسبوا أن محاكمته الرسمية تعطيهم شيئًا من الشرعية، وضبط الشعب إن انقلب عليهم. 4- لكي يصبغوا موته بصبغه العار والفضيحة، فكان الصلب مستخدمًا عند الرومان، وهو أكثر أنواع الموت خزيًا. فقد أرادت القيادات أن تفسد سمعته تمامًا وتطمس كل شهرته. علاوة على أنه في الاستعمار الروماني كان ما يشغل روما الجزية التي تقدم للإمبراطور، والسلطة العسكرية لضمان قوة الإمبراطورية وسلطانها، لهذا لم تُلزم المستعمرات بتغيير اللغة والثقافة والدين وممارسة الشئون الداخلية. فكانوا يتركون المستعمرات تمارس المحاكمات المدنية والجنائية حسب تقاليدها، مع حق الحاكم الروماني في التغيير إن استوجب الأمر. كما كان للحاكم أن يقضي في الشئون التي تمس سلام الدولة، خاصة أن أثار أحد شغبًا عامًا، أو فتنة ضد الدولة الرومانية، لهذا كانت محاكمة يسوع المسيح أمام رؤساء الكهنة وفي مجمع السنهدرين أمرًا طبيعيًا، أما إن صدر الحكم بالقتل، فكان يلزم تثبيت الحكم بواسطة الحاكم الروماني. لقد خشيت القيادات الدينية أن يرفض الحاكم الروماني قتل يسوع المسيح لسببٍ دينيٍ، لذلك قدمت الشكاية من جانبين: ديني كمجدفٍ، وجنائي كمثير فتنة ضد الدولة الرومانية. وقد تمت محاكمة يسوع أمام السلطات الرومانية من خلال ثلاث جلسات أيضاً وهي: الجلسة الأولى (أمام بيلاطس): بعد جلسة سريعة أمام السنهدريم، أدان رؤساء اليهود يسوع بالموت لأسباب دينية، ولكن، ليس سوى الحكومة الرومانية يمكنها أن تصدق على عقوبة الموت، من أجل هذا، أوثقت يدا يسوع بالحبال، واقتيد مشياً على الأقدام مسافة 1500م إلى قلعة أنطونيا حيث يقيم الحاكم الروماني بيلاطس، بعد أن اتهموه بالخيانة العظمى وبالعصيان خلال الاستجواب، فهم بيلاطس أن يسوع بري، ولا يشكل خطورة على روما، وارتأى: بما أن يسوع جليلي، فإن مسألته تعود إلى السلطة المحلية في الجليل إلى حاكمها هيرودوس أنتيباس. الجلسة الثانية أمام هيرودوس: انطلق يسوع وحارسه نحو قصر الأشمونيين الذي يبعد حوالي قرابة 700م كان هيرودوس قد سمع الكثير عن يسوع وعن عجائبه، وكان يرغب جداً في مشاهدته لكن يسوع كان يحتقره ولا يعترف بسلطته ويصفه بالثعلب، لهذا فقد لزم الصمت أثناء المثول أمامه، في هذه الأثناء قام هيرودس وحراسه بتحقير يسوع والاستهزاء به، وألبسوه ثوباً أرجوانياً وأعادوه إلى بيلاطس. الجلسة الأخيرة أمام بيلاطس: لم يكن بيلاطس يحب رؤساء اليهود، كما لم يكن مهتماً بإطلاق يسوع لعلمه بأنه بريء، سأله بيلاطس: أأنت ملك اليهود؟ أجابه يسوع: أنت قلت، إني ملك… استمر بيلاطس في استجوابه، ولما رأى أنه لا فائدة، وأن فتنة تكاد تنشب، أخذ ماء وغسل يديه أمام الجميع وقال: (أنا بريء من دم هذا البار) فانظروا أنتم في الأمر. ردوا جميعاً: ليصلب، ليصلب. وليكن دمه علينا وعلى أولادنا. ورغم قناعة بيلاطس بالبراءة ورغم إلحاح زوجته بأن يطلق سراحه، ولّما فشلت جميع محاولاته مع أحبار اليهود بالاكتفاء بالجلد، أذعن أخيراً وسلّم يسوع إليهم ليقتل، فقد كان اهتمام بيلاطس بنفسه أقوى عنده من سير العدالة. الإجراءات غير القانونية في المحاكمة الدينية أظهرت المحاكمات الدينية أمام القادة اليهود مدى كراهية قادة اليهود للمسيح لأنهم أهملوا الكثير من قوانين الناموس. فقد شابت هذه المحاكمات العديد من الإجراءات غير القانونية بالنسبة لليهود، ومنها نذكر: 1) لم يكن يسمح بالمحاكمات أثناء فترات الأعياد، أما يسوع فقد تمت محاكمته أثناء عيد الفصح. 2) كان يجب أن يصوت كل فرد من المجلس منفرداً فيما يخص الإدانة أو البراءة أما في حالة يسوع فقد تمت إدانته بالإجماع. 3) في حالة الحكم بالموت كان يجب أن تمر ليلة كاملة قبل تنفيذ الحكم؛ ولكن لم تمر ساعات معدودة قبل صلب المسيح. 4) لم يكن لليهود السلطة لتنفيذ حكم الإعدام إلا أنهم أشرفوا على صلب المسيح. 5) لم تكن المحاكمات تنعقد ليلاً، ولكن محاكمة المسيح تمت قبل الفجر. 6) كان يجب تقديم المشورة أو توفير الدفاع للمتهم، ولكن لم يقدم أي منها للمسيح. 7) لم يكن يجب توجيه أسئلة إدانة للمتهم ولكن يسوع سئل عما إذا كان هو المسيح. كانت المحاكمة أمام بيلاطس هي أول محاكمة أمام السلطات الرومانية (يوحنا 18: 23) بعد جلد المسيح. كانت التهم الموجهة ضده هنا مختلفة تماما عنها أمام المحكمة الدينية. فقد وجه إليه الإتهام بأنه يثير غضب الجماهير ويمنعهم من دفع الجزية ويدعي أنه ملك. لم يجد بيلاطس سبباً ليقتل يسوع فأرسله إلى هيرودس (لوقا 23: 7). سخر هيرودس من يسوع ولكن لأنه أراد أن يتجنب المسئولية القانونية أعاده إلى بيلاطس (لوقا 23: 11-12). كانت هذه آخر محاكمة حيث أراد بيلاطس تهدئة عداء اليهود فقد أمر بتعذيبه. كان التعذيب الروماني عبارة عن الجلد 39 جلدة قاسية. وفي محاولة أخيرة لإطلاق سراح يسوع قدم بيلاطس لليهود الخيار بين صلب باراباس المجرم مقابل إطلاق سراح يسوع، ولكن دون فائدة. فقد طالبت الجماهير بإطلاق سراح باراباس وصلب المسيح. أعطاهم بيلاطس ما طلبوه وسلمهم يسوع ليفعلوا ما يريدون به (لوقا 23: 25). إن محاكمات المسيح تمثل أقصى إستهانه بالعدالة. يسوع أكثر الناس براءة في تاريخ البشرية تمت إدانته وحكم عليه بالموت صلباً. لماذا الصلب وليس الرجم؟! أخذ بيلاطس ماءً وغسل يديه أمام الجمع وقال: أنا بريء من دم هذا البار [متى 27/24]، ثم سلّمه ليصلب. لا يختلف باحثان أن يسوع قد أدين من قبل سلطات الإمبراطورية الرومانية بتهمة الثورة وعقوبتها الإعدام. لكن المجلس الأعلى لليهود قد حكم عليه بالموت بتهمة التجديف، وبحسب الشريعة اليهودية فإن الإعدام يجب أن يتم رجمًا بالحجارة، غير أنه ولكون الحكم صادر عن الحاكم الروماني يتعين تنفيذ الطريقة الرومانية في الإعدام وهي الصلب، وذلك نظرا لأنه لم يكن لليهود في أوضاع فلسطين الدستورية أن يصدروا حكماً بالاعدام. ففي التلمود ورد في باب السنهدرين (1،1: 7،2): “اربعين سنة قبل خراب الهيكل رفعت عن الأمة الاسرائيلية حقوقها في أحكام الموت والحياة”. الخاتمة في محاكمة يسوع لعبت كل من السلطة اليهودية والسلطة الرومانية دورها. مثّل بيلاطس السلطة الرومانية، والرؤساء السلطة اليهودية. بدأ العالم اليهودي محاكمة يسوع، وأتمّها العالم الروماني. هو جاء من أجل العالم اليهودي ومن أجل العالم الوثني (أي الروماني)، فحكما عليه. قتلا الله. قال اليهود: لا نريد أن يملك هذا علينا (لو 19: 14). وطلب الوثنيون من يسوع أن يتحوّل عن تخومهم (مر 5: 17). أجل، جاء يسوع إلى خاصته، وخاصته لم تقبله. كان النور الاتي إلى العالم (يو 1: 9- 10) فلم يعرفه العالم. أما الذين عرفوه فصاروا أبناء الله. هم اليهود الذين آمنوا به، وكان الرسل منهم. وهم الوثنيون الذين جاؤوا إليه بواسطة بولس. ولكن أيضاً بواسطة كل المرسلين الذين يحملون الإنجيل إلى أقاصي الأرض. محاكمة يسوع قادته إلى الموت. ولكن موته صار حياة حتى للذين قتلوه. فهو ما جاء ليهلك العالم، بل ليخلّص العالم. بقي أن نقول أنه مهما كانت أسباب المحاكمة ونتائجها، كان لا بد للسيد المسيح أن يحاكم ويصلب ويموت ويقوم من القبر في اليوم الثالث تحقيقا لنبؤات العهد القديم وتحقيقا لخطة الله لخلاص البشرية قاطبة. وكل عام وانتم بألف خير. |
|