رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا نحب يوحنا المعمدان
كان آكل الجراد متطرفاً معتدلاً يحمل رسالة لعصرنا لقد افتتنت أولاً عام 1977 لدى مشاهدتي “رجل المجيء” يوحنا المعمدان في مسلسل يسوع الناصري الذي كان يعرض على قناة NBC. في الحلقة التي قفز فيها مايكل يورك على الصخور و صاح مرتدياً معطفاً من جلد الجمل، كان في نظري صورة لرجل الله. نما إعجابي بعد نمو فهمي له. و الآن أستطيع أن أرى سبب حبي له: فضائله تناسب عصرنا تماماً. أولاً كان أصيلاً تماماً. إن الطريقة التي يصف بها يسوع يوحنا مثالية لنا نحن الذين نقدر الأصالة و التفرّد:”مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ فِي اللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالتَّنَعُّمِ هُمْ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. بل ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبياً؟ نعم، أقول لكم، و أفضل من نبي”. ثم يقول شيئاً مدهشاً:”الحق أقول لكم، لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان”. عندما يقول الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس هذا عنك فإنك ذو شأن عظيم. يحب يسوع يوحنا للأسباب ذاتها التي تجعلنا نحبه: لأنه ليس مزيفاً، لا يتنكر، بل بسيط و نزيه. و هذا هو الهدف النهائي للحياة الروحية: أن تكون على النقيض من “النرجسيين الروحيين” الذين يحذرنا البابا فرنسيس منهم دائماً – أن “تكونوا كما أنتم” على حد تعبير البابا يوحنا بولس الثاني. ثانياً كان متواضعاً. التواضع الزائف مثير للاشمئزاز. التواضع الهادئ ساحر. إن تواضع يوحنا المعمدان مثير. لا يفاخر بتواضعه لكنه ليس زهرة ذابلة أيضاً. إن تواضعه علامة تدل على المسيح بقوة حتى تنسى أن ما كنت تنظر إليه هو جدار من الأضواء الرائعة. قال يوحنا:” أنا أعمدكم بالماء ، وفي وسطكم قائم ذاك الذي لستم تعرفونه ، الذي يأتي بعدي وهو أقوى مني ، وهو قبلي كان ، ذاك الذي لست مستحقاً أن أحل سيور حذائه، فيعمدكم بالروح القدس و النار”. يبدو أن يسوع كان يتعلم أيضاً من تواضع يوحنا. يظهر لنا إنجيل اليوم المسيح منتظراً خروج يوحنا المعمدان ليأتي هو. ثالثاً: كان يوحنا متطرفاً معتدلاً. كان يوحنا يتمتع بصفتين متناقضتين: لم يكن متسامحاً مع نفسه، لكنه كان سخياً مع الآخرين. في القرن الواحد والعشرين نميل لنكون متسامحين جداً مع أنفسنا و قساة مع الآخرين. نعذر لأنفسنا سلوك شركتنا الذي ندين الآخرين بسببه، نتغاضى عن عيوب حزبنا السياسي و نشير بشدة إلى عيوب الحزب الآخر. إننا نسرع في الإدانة و نتأخر في الاعتذار. بالنظر إلى يوحنا المعمدان فقد عاش حياة قداسة متطرفة، لكن لما سأله الجمع عما ينبغي القيام به، أتت نصيحته كصورة مطابقة لحرية التصرف الحضاري. إنه يرتدي معطفاً من جلد الجمل لكنه يوصي بلبس العباءات، يأكل الجراد و يقول “شارك طعامك”. عاش في تقشف شديد لكنه قال لجباة الضرائب “توقفوا عن جمع ما يفوق المطلوب”. لقد كان صوتاً صارخاً في البرية لكنه قال للجنود “لا تمارسوا الابتزاز”. إنه كراهبة تغمرك بكلمات المواساة و التشجيع، ثم تذهب إلى المنزل و تترك العشاء لتصلي ساعة من أجلك. رابعاً مات يوحنا شهيداً للزواج. لكنه لم يكن متساهلاً مع الجميع. لم يتردد في قول الحقيقة أمام السلطة. قدم لنا بيتر ولفغانغ السبب الأفضل لنحب يوحنا المعمدان. “يواجه المسيحيون الاضطهاد في القرن الواحد و العشرين في الغرب لا لإعلاننا ألوهية المسيح أو لمعارضتنا للدكتاتورية الشيوعية أو لأي سبب من أسباب الاضطهاد في أجزاء أخرى من العالم. إننا نواجه الاضطهاد لأننا نجرؤ على القول لمعاصرينا أنهم منخرطون في ممارسات جنسية “غير قانونية”. و تماماً مثل يوحنا المعمدان، فنحن لا نواجه ستالين أو محمد، بل هيروديا”. أنا أحب ذلك. أحب يوحنا المعمدان للسبب ذاته الذي يجعلني أكره جيمس بوند. فالفائز في الفتوحات الجنسية هو الخاسر الذي لا يستطيع قهر نفسه. و الرجل الأقوى ليس من يقف وقفة حق ليهزم الأشرار، بل من يدافع عن ما هو صحيح حتى أمام الأخيار و حتى لو علم أنه سيخسر”. في مواجهة الهجمات على الزواج يقترح ولفغانغ أن نبدأ بالخشوع أمام استشهاد يوحنا المعمدان. فلنفعل هذا. لكن دعونا ننتظر حتى بعد انتهاء موسم عيد الميلاد كما بدأ زمن المجيء … مع معمودية الرب، عيد للاحتفال بيوحنا المعمدان. |
|