كتب بولس لأهل فيلبي يقول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جداً". هل كان الرسول العظيم يجتاز فترة من اليأس جعلته يكره العالم ويتمنى الموت؟ هل كان السبب في كتابته هذه أنه كان في السجن عند كتابة هذه الرسالة؟ أكان مريضاً يائساً من الشفاء؟ أكان يواجه مشكلة خطيرة لا يرى لها حلاً؟ لعل بولس اجتاز في كل هذه الظروف وقت كتابة هذه الرسالة وقبلها وبعدها لكنه قال لأهل أفسس وقسوس الكنيسة في ذلك الوقت "الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلاً إن وثقاً وشدائد تنتظرني ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب لأشهد ببشارة نعمة الله".
يواجه المؤمن عدداً عديداً من التجارب والضيقات التي يمتلئ بها العالم فما هو تأثير هذه المتاعب علينا؟ البعض بلا شك يتزعزع إيمانهم. إن إيمانهم يشبه البذور التي سقطت على أرض محجرة وأنبتت نباتاً ترعرع حتى وصلت جذوره إلى عمق قليل وإذ لم يكن له أصل جف.
أما الأغلبية العظمى من المؤمنين فإنهم إذ يرون ويسمعون عما في العالم من تدهور وانحطاط بسبب الخطية، وعما فيه من آلام وأمراض وأخطار ومتاعب وضيقات يتعرض لها المؤمنون كما يتعرض غير المؤمنون، ولا يكاد المؤمن يصدقها في بعض الأحيان أو يجد لها تفسيراً في كثير من الأحيان، لكنه يدرك ويثق أن كل هذه الأشياء تحدث بحسب إرادة الله وتدبيره ومحبته وأن كل الأشياء حتى القاسية المؤلمة فيها – تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، وأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً وأنه، إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي.
وبعد عندما يتألم المؤمن في هذا العالم فإنه يستطيع أن يرفع بصره إلى فوق ويقول مع بولس "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً".