المشكلة الحقيقية التي نواجهها – اليوم – من جهة إخفاق الخدمة لا من حيث الشكل ، إنما من حيث المضمون ؛ أي من حيث قوة التوبة وشركة الثالوث القدوس في إطار الصلاة وشركة الكنيسة الحية ، في أصالة محبة الله من القلب وحياة التقوى والبذل والعطاء بمحبة عميقة ، ومحبة القريب والأعداء ، فالمشكلة والسؤال المطروح هي :
+ كيف ينشط الخدام ويمارسوا نشاط الخدمة المقدسة ، إن لم يكن في قلوبهم محبة عميقة لله ، متأصلين في كلمة الحق ، ويحيوا في جو الصلاة متعمقين في حياة الشركة مع الله ، ومتعمقين في التعليم السليم الذي للآباء القديسين !!!+ و من أين تأتي المواهب الحقيقية وإعلان اسم مخلصنا ، إن لم يكن هناك حياة شركة مع الثالوث القدوس ، في إطار حياة الصلاة !!!+ وأي خدمة تُصنَع بلا أصالة حياة التوبة وشركة الثالوث القدوس في إطار شركة الكنيسة الحية ، كإخوة أحباء ، فأن ثمرها سيصير معطوب ينقصه قوة الله !!!
يا أحبائي ، مشكلة اليوم في الخدام ، أنه يكتفي ببعض المعلومات أو حتى يتوسع فيها جداً ، ويُصبح صاحب علم ومعرفة ، ويظن بذلك أنه أصبح خادم حقيقي وعلاَّمة في أمور الله ، ويقدر أن يهدي الكل في طريق الله الحي ويُسلمهم التعليم الصحيح ، لأنه يخدم بما استلمه وملأ به عقله من معرفة صحيحة ووثق في نفسه أنه يعرف الحق وقادر أن يُهدي خطوات المتعثرين مدافعاً عن الإيمان !!!
+ ولكن يا أحبائي ليس لنا إلا أن نصلي من أجل عمل الله فينا وفي قلوبنا ، وننتظر أن نمتلئ من الله دون أن نتسرع بحمل نير الخدمة ، لأن خدام كثيرين بحكم العادة يخدمون ، وكثيرين يوضع عليهم ثقل الخدمة قبل الوقت ، فيقعوا تحت نير ثقلها ولايأتوا بثمر إلهي حسب عمل الروح القدس ، فنصير مثل من لبس ثوب أكبر منه وأوسع فتعثر به في خطواته ، وسقط على وجهه وكان سقوطه عظيماً !!!
ولكن كل ما يأتي به الخدام الذين لم يختبروا قوة تغيير القلب وعشرة الله في المسيح يسوع : هو كبرياء القلب وعثرة الآخرين ، لأنهم ظنوا أنهم صاروا مُبَرَّرين لهم صورة التقوى ويرضوا الله ، وهذا هو ضلال عدو الخير الذي يسقطهم في حبائله فيخسروا أنفسهم ويفقدوا زمان افتقادهم ، ويُرفضوا من الله لأنهم لم يعرفوه في سر التقوى وحياة التوبة بقلب متضع يحبه ويحب كل آخر !!!فكثيرين يخدمون ويعلنوا أنفسهم لا الله عن دون دراية أو وعي منهم ، لأن ليس لهم رؤية داخلية سليمة باستنارة الروح القدس ، وليس لهم شركة عميقة على مستوى الحق في نور الله ، ويعطوا تعليماً غير منضبط بالتقوى ، مثل شخص أصابه حول في عينيه فيسلك في الطريق المخالف دون أن يدري ، وكل من يتبعه يتوه ويتعثر ويبتعد بعيداً عن الله !!!
+ أعلموا يا أحبائي : الله لا يُسرّ بكثرة الخدمات التي لاروح فيها حتى أن كثرت وانبهر بها العالم كله ، وربحت في مسابقات ومهرجانات وأخذت الكأس والمدح من الناس وصارت مكرمة من الجميع والكل يقول فيها حسناً ، أو حصلت على جوائز عالمية وشهادات وتقديرات ، وشهادات فخرية عظيمة سواء من الكنيسة أو خارجها ، وصارت في شهرة عظيمة جداً ، بل الله يفرح بقلوب تحبه ونفوس تعلن اسمه وتمجده بأعمال مقدسة شريفة من قلب طاهر وبذل الذات في حياة إخلاء الذات ، بخبرة : " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ ، فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني و اسلم نفسه لأجلي " (غل 2 : 20)
وأحب أن أقول هذا الموقف لأنه هام جداً وضروري لكل من يريد أن يعرف سرّ الخدمة الحقيقية ، وسرّ الحصول على مواهب الروح [ سأل أخ شيخاً متمرساً في حياة التقوى : كيف نتعب نحن في النسك ولا ننال المواهب مثل الأولين ؟" قال له الشيخ " : ( كان في ذلك الزمان الحب الكثير ، فكان كل واحد يجر رفيقه إلى فوق، أما في هذا الزمان فقد قل الحب، وصار كل واحد يجر رفيقه إلى أسفل، ومن أجل ذلك لا ننال المواهب ) ]
وأختتم الموضوع بما يقوله القديس كيرلس الكبير :
[ الإيمان الأرثوذكسي الذي لا يتزعزع والذي يُصاحبه العمل الصالح إنما يملأنا بالصالحات بل بمجد فائق . وأنا أعتقد أن الأعمال الصالحة وحدها بدون التعليم الصحيح والإيمان غير الدنس لا تنفع الإنسان ، لأن " الإيمان بلا أعمال ميت " ( يعقوب 2: 20)
إذاً نقاوة الإيمان ونبل الحياة يجب أن يسطعا معاً وهذا وحده الذي يجعلنا نكمل ناموس موسى الحكيم جداً الذي يقول : " لأنك يجب أن تكون كاملاً أمام الرب إلهك " ( تثنية 18: 12) .
أماالذين يحتقرون الإيمان المستقيم عن جهل ويملئون حياتهم بالفضائل ، يشبهون أناس لهم طلعة مشرقة ولكن عيونهم مصابة بحول ، حتى أن كلمة الله بصوت أرميا التي قالها عن أورشليم أم اليهود تناسبهم " لأن عينيك وقلبك ليست مستقيمة " ( أرميا 22: 17 ترجمة سبعينية ) ]