نساء حول الصليب
«وكانت واقفات عند صليب يسوع، أُمُّهُ، وأُخت أُمهِ، مريم زوجة كلُوبا، ومريم المجدلية» ( يوحنا 19: 25 )
كانت عند الصليب نساء كثيرات تَبعن يسوع من الجليل، لكننا نريد أن نقف قليلاً عند ثلاث منهن: مريم أم يسوع، وأخت أُمِّهِ، ومريم المجدلية. في هؤلاء مِن حول المصلوب مشهد رائع وكامل لقلوب مُحِبَّة صادقة الوفاء والولاء، وفوقهم جميعًا بما لا يُـقَـاس محبة ذاك الذي لا حدود لعطفه على أحبائه، وولائه لله أبيه.
في مريم أم يسوع نجد الأمومة مُجسِّدة. أ ليس دليل الحنان البشري في قلب الأُم؟ إنها وهي بشر لها حدود، قد تحمل أحيانًا قلبًا يحب محبَّة أبعد من كل الحدود. والرب نفسه اتخذ من عاطفتها الرقيقة تشبيهًا حين قال: «كإنسانٍ تُعزيهِ أُمُّهُ هكذا أُعزِّيكم أنا» ( إش 66: 13 ). في تلك اللحظة تحقَّقت مريم من كلمات سمعان البار: «وأنتِ أيضًا يجوزُ في نفسكِ سيفٌ» ( لو 2: 35 ). لقد ذاب قلبها أمام طعنات هذا السيف، وهي ترى ابنها الحلو المُطيع الغالي على قلبها مُعلَّقًا، كواحد من المُجرمين، على صليب تنهال عليه الإهانات. يا لها من طعنات مُوجعة ومُرَّة وقاسية على قلب أُم في مثل ظروفها!
وفي أُخْت أُمِّهِ نرى المحبة الأخوية. لقد التصقت بأختها لتخفِّف عنها بالمشاركة مرارة الألم. لا شك أنه كانت لها مشاعرها من نحو الرب يسوع المسيح. لكننا نرى فيها أيضًا محبة الأخت لأختها (أو محبة الأخ لأخيه). لذلك هي تُمثِّل رباط الإخوَّة الذي يربط المفديين معًا، وفيها تتمثَّل وتتحقَّق الوصية القائلة: «لتثبت المحبة الأخوية» ( عب 13: 1 ).
ومريم المجدلية ظلَّت على إخلاصها ووفائها للرب إلى النهاية، من ذلك اليوم الذي خلَّصها فيه من سبعة شياطين كانت تسكن فيها. لقد قدَّرت عظمة الخلاص من قوة شريرة مثل هذه، فالتصقت بالرب يسوع، وخدمته من أموالها (لو8). وها هي بعاطفة يدفعها الإخلاص والولاء تقف حزينة باكية مع الباكيات. وبعد الدفن في الصباح الباكر جدًا، بَكَت عند القبر الفارغ بكاء الشوق إلى حبيب لم يكن موجودًا، وظنَّته مفقودًا. كم كانت هذه المرأة مُحِبَّـة صادقة المحبة! كم كانت محبتها عميقة ومؤثِّـرة! إنها محبة الخاطئ من نحو مُخَلِّصه، ومحبة الهالك لمَن أعطاه الحياة، إنها محبة المفديين لمَن صنع لهم بنفسهِ الفداء.