نيقوديموس
يوحنا ٣
نيقوديموس: هو رجل من الفريسيين. كان معلم وعضو في المجلس اليهودي، رجل معروف ذا مركز مرموق في عهد المسيح. في ذلك الوقت أدان يسوع الفريسيين للصفات التي أمتاز بها ولتظاهرهم بالإيمان الزائف والنفاق والكذب في الادعاء بطاعة الله. كانوا من اكبر الطوائف الدينية يبدون ملتزمين بطاعة الله وكلامه. لكن يتصرفون حسب قواعد دينية وضعوها هم لأنفسهم وكان الناس معجبين بتقواهم لكن في الحقيقة كانت تقواهم سطحية دون التطبيق الحقيقي لكلام الله. كانوا يؤمنون أن الخلاص يأتي من الطاعة الكاملة للدين وبدون الطاعة لا يمكن مغفرة الخطايا، متجاهلين رحمة الله ونعمته. كانوا شديدي الحقد على يسوع لأنه كان يتحدى أفكارهم ويقلل شأنهم ويكشف حقيقتهم.
أما نيقوديموس فرغم كونه متدين يصلي ويقرأ الكتاب المقدس ويحفظ الشريعة ألا أنه لم يكن راضياً على أفعال جماعته فهو يحس بعدم الراحة وعدم التآلف وسطهم ، كان في داخله بذرة صالحة وعمق في التفكير وبصيرة جعلتهُ يحس بأن هناك حقيقة أعمق مما يعرفه معلمي اليهود وكان لديه الرغبة في التعلم بالمزيد.
معاناة نيقوديموس
الحيرة: كان يرى جماعته يكرهون يسوع وهو يحس باندفاع نحوه ، تجذبه معجزاته وتعاليمه وشخصيته مما قاده إلى الاستفسار والبحث عن الحق والحقيقة .
القلق: كان يحس بأنه يفتقر إلى السلام الحقيقي والراحة العميقة والإحساس بالأمان (قلبه مثقل) ومع ذلك جازف بمركزه وأصر على القدوم بنفسه ليكشف هوية يسوع مع أنه كان بأمكانه أن يرسل أي شخص للاستفسار عن يسوع.
فعلينا المجيء بأنفسنا إلى الرب لننال النعمة ولا ينفع أن يقوم بهذا أي شخص بدلاً منا .
الخوف: حيث جاء ليلاً حرصاً منه كي لا يعرض نفسه إلى التساؤل من قبل المجلس اليهودي كما أراد أن يقضي مع يسوع ساعات هادئة بهدوء الليل بعيداً عن أوقات النهار الصاخبة التي يتكدس الناس حول يسوع.
فجاء مقدماً ذاته متخلياً عن كل التقاليد والكبرياء والنظرة القديمة للحياة وأعطى فرصة للرب أن يعمل فيه ويغيرهُ.
دور يسوع:
يسوع عرف بحاجة نيقوديموس الداخلية والجذرية فهو قوي الملاحظة ويعرف تماماً ما بداخلنا كما أنه يحب أن يساعدنا وينظر الى نيقوديموس بالتحديد نظرة حب وحنان ولديه استعداد لراحته لأنه يهتم براحة المتعبين .
بدأ يسوع بهدوء يشجع نيقوديموس على الانفتاح والتكلم وتفريغ ما في قلبه.
يرينا النص أن نيقوديموس يسأل ويسوع يجيبه بجواب غامض ثم يبين له نيقوديموس بأنه لا يفهم فيتبعه يسوع بشرح وتوضيح حيث أراد يسوع أن يشبعه ويغذيه بمعلومات عن الله لملء روحه وإشباعها واروائها. فعندما ننفتح للرب فأن الرب يوضح لنا أشياء لا نعرفها سابقاً فيسوع ليس مجرد معلم ينصح لكنه مخلص فأجابه بان ما ينقصه ليس عملاً بل أن يولد مرة أخرى ويسوع قادر أن يعطيه هذا الميلاد فهو على الرغم من كونه معلم ألا انه غير مؤهل لدخول ملكوت الله ما لم يولد ثانية. كما أن معجزات يسوع كانت مؤثرة جداً على نيقوديموس مما جعلته يحس بأن رسالته هي رسالة إلهية الأمر الذي جعل يسوع يحدثهُ عن الولادة الجديدة وبأنها لا تأتي من حفظ الشريعة وأن لم يكن نيقوديموس يعرف الولادة الجديدة ماذا تعني حيث قال " كيف يولد الإنسان وهو كبير السن؟ أيقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ثم يولد ".
إن مفهوم الولادة كان يعني الولادة البشرية (من بطن ألام) وكانوا يتصورون أن الروح القدس يأتي على أشخاص معينين كالأنبياء أو بعض الصالحين فقط. لم يدركوا أن الروح القدس ممكن أن يسكن أي إنسان يقيم علاقة مع الله، فيسوع وضح له أن الولادة الجديدة معناها تغيير كلي، مرة ثانية، من، من السماء، من الله. وهو اختبار يجتازه الإنسان يدرك بعدها بأنه أصبح جديداً او ولد ثانية وهي لا تأتي بمجهود بشري بل تولد بنعمة الله وقوته.
كان نيقوديموس يعتقد بأنه مستحيل حدوث هذا الأمر لكن لديه الرغبة لتحقيقه.
هل يمكن الإنسان كبير تأصل على طباع معينة ونما عليها أن يتغير بالكامل ؟
فشرح له يسوع ماذا يحدث بالولادة الجديدة . فقال له : عندما نقدم طاعتنا الكاملة لله ونسلم له أرادتنا تعمل نعمة الله فينا وتمتلك كياننا وتغيير قلوبنا ونجعل الله يتربع على عرش قلوبنا وحياتنا.
فالأمر يتوقف إذا على طاعتنا الكاملة لله والإرادة المسلمة له وقبول عمل النعمة فينا.
"ما من أحد يدخل ملكوت الله ألا إذا ولد من الماء والروح "
الماء: يرمز إلى عمل الروح القدس في غسل الإنسان من آثام الماضي وكذلك عمل الروح القدس في استخدام الكلمة في إحداث ولادة جديدة للنفس.
والروح: تغسل الخاطئ من ادناس الماضي كما تغسل المياه الثياب المتسخة وتجعلها بيضاء ناصعة . والروح يحي الخاطئ من الموت ( تلده ثانية ) مثلما تحي مياه المطر الأرض ، فالخاطيء يولد من الروح حينما يؤمن بالرب يسوع وبسر الفداء يولد من الروح القدس الذي يعمل فيه فيحيه من جديد.
"المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح"
فالإنسان ولد جسداً وقوته محدودة بإمكانيات جسده. ولكن عندما تسكن روح الله في الإنسان تكون فيه القوة الحقيقية والحياة الجديدة.
الروح والريح: إننا نسمع الريح وننظر أثارها ونلمسها ونلاحظ ما تفعله بالأشجار التي تقتلعها لكننا لا نعرف من أين تأتي ولا إلى أين تذهب ، كيف تهب وما الذي يدفعها . ولا نستطيع أن نمسكها أو نوجهها لكن نرى أثارها ونلمس أعمالها بوضوح أمام أعيننا . وهي رمز للروح القدس الذي لا يقف أمامه أي قوة وهو ينزع الخاطئ انتزاعاً من مملكة الظلمة ليلده من جديد في الميلاد الثاني .
فحينما يقبل الخاطئ خلاص الرب يلده ابناً لله ذا طبيعة جديدة. فالروح القدس لا يمكن رؤيته بالعيون البشرية لكن ممكن أن نلمس أثاره بوضوح.
عندما أجاب نيقوديموس يسوع "كيف يكون هذا" وبخه يسوع قائلاً "أنت معلم اسرائيل ولا تعلم" لقد فات نيقوديموس أن استخدام الماء كعمل لروحه مذكور في اشعيا كعمل الله في أحياء الإنسان "كما ينزل المطر والثلج ويرويان الارض ويجعلانها تلد هكذا كلمتي التي تخرج من فمي" (أشعيا 55: 10 ). كذلك لوصف تطهير الإنسان من نجاسته في حزقيال "وأرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم وأعطيكم قلباً جديداً وروحاً جديداً في داخلكم" حزقيال 36 : 25
فمعرفتنا المجردة والسطحية بالكتاب المقدس وبالرب ليست خلاص علينا أن نأتي إلى الرب ونقابله كما فعل نيقوديموس"جاء إلى يسوع "ونفحص رسالته بأنفسنا."
"فإذا كنتم لا تصدقون إذا أخبرتكم عن أمور الدنيا فكيف تصدقون إذا أخبرتكم عن أمور السماء"
هناك أمور لأنفهم أسرارها لكننا نلمس أثارها فمثلاً الكهرباء لا تعرف أسراره لكن نرى الفوائد التي نجنيها من الطاقة الكهربائية. كذلك أمور السماء وبالتحديد الروح القدس لا يمكن ابن نراها لكن يجب أن نصدقها لأننا نرى أثرها في تغيير النفس وتطهير الإنسان.
"كما رفع موسى الحية من البرية كذلك يجب أن يرفع أبن الإنسان" هنا شرح عن محبة الله للبشر، عندما أرسل الله حيات نارية على بني اسرائيل لمعاقبتهم على عصيانهم وتمردهم على الرب فلدغت منهم كثيرين وماتوا، فجاء الشعب إلى موسى وأعلنوا ندمهم طالبين أن يصلي إلى الرب ليرفع الحيات. فصلى موسى فأمره الرب بأن يصنع حية نحاسية ويرفعها على سارية وكل ملدوغ ينظر إليها يحيا. ( العدد 21 : 4 ) وهنا أشارة إلى الصليب الغافر للخطايا. فالحيات تمثل الخطايا والحية النحاسية تشير إلى الخلاص من لدغة الخطية بالنظر إلى خشبة الصليب والثقة بأن خطايانا قد غفرت على الصليب "هكذا أحب الله العالم حتى وهب أبنه الأوحد فلا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" فلله يقدم لنا حب حقيقي دفع ثمننا حياة ابنه، أغلى ثمن يمكن أن يدفع بعد ذلك قدم لنا حياة جديدة بروح جديدة اشتراها لنا. فكيف علينا أن نتلقى هذه المحبة ؟
يسوع يوضح أيضا بان الإنسان الذي يضع ثقته بالله تزول عنه المخاوف "لا يهلك" بينما كان نيقوديموس يحس بالخوف بالرغم من امتلاكه المال والممتلكات والمكانة الاجتماعية ألا أن هذا كله لم يمنحه الإحساس بالأمان. فالله وحده المخلص من الخوف. فعندما نضع ثقتنا بالله ونعترف بضعفنا وعجز جهودنا الذاتية عن خلا صنا أمام الله ونسير على ضوء كلمته بالاعتماد عليه ونطلب منه أن يعمل فينا ، فالله قادر أن يخلصنا ويفتح لنا طرق جديدة.
نتائج التغير الذي حدث بعد اهتداء نيقوديموس:
زال عنه الخوف وبدأ يسير على ضوء كلمة الله بالاعتماد على ذاته.
تحلى بالشجاعة فدافع عن يسوع عندما ارادوا قتله وبدأ يتكلم بطلاقة بالعدالة.
أصبح تلميذاً في السر.
عند موت يسوع أحضر اطياباً وحنوطاً لجسد يسوع بشجاعة وعلناً.
خرج عن سريته في أتباع يسوع مخاطراً بسمعته ومركزه الراقي وأجبر على التنازل عن منصبه.
ترك ماله وسلطانه وفضل الحياة مع الرب لاكتشافه أن الملكوت شخصي وممكن كل إنسان أن يبحث عبه وهذا يتطلب ترك الحياة القديمة والولادة الجديدة.
أن الله في محبته للجميع لا يترك من نتصورهم لا يمكن وصولهم إلى الرب. فالله يعمل على تغيرهم (إن هم أرادوا التغيير) لكن الأمر يحتاج إلى وقت لكي يخرج الإنسان من الظلمة التي يعيش فيها والله صبور ومتواصل لمساعدة الإنسان.
ما علينا ألا أن نصلي لأجل هؤلاء ونكون قدوة لهم بالتعامل معهم فقد يلمس الله قلوبهم ويحل الروح القدس فيهم " هذا عند الناس غير مستطاع أما عند الله كل شيء مستطاع" متى 19 :26.