رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ذهب يسوع ُّإلى بستان جثسيمانى وكان يصلي بلجاجة، فتراءت له البشريّة في لحظة خاطفة في جميع عصورها، تُجرجر في خزي إجرامها وقُبح معاصيها! وطفقت جميع الخطايا تخرج من خفايا الزوايا وشقوق الضمائر، تفحُّ كالأفاعي لتنفث سُمَّها وتفرغ خبثها في الحمل الوديع قبل أن يقضي عليها لكي يمحوها! لقد هاله المنظر فصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض (لو22: 44)، فقدَّست هذه القطرات الطاهرة والمُطهّرة الأرض وباركت تربتها. أمَّا الَّذي جعل عَرَق يسوع يتصبّب هكذا كقطرات الدم، وجسده كله يبكي عوض الدموع دماً هو: " المحبّة "، فإن أشارت المحبّة إليكم فاتبعوها وإن كانت مسالكها صعبة! فالمحبّة تُغربلكم لتُحرركم من قشوركم، وتطحنكم لتجعلكم أنقياءً كالثلج، وتعجنكم بدموعها لتلينوا ثم تصهركم بنارها المُقدَّسة لتصيروا خبزاً مُقدَّساً يُقرَّب على مائدة الرب. ولأنَّ دموع العين لم تكن كافية، بكى كل عضو من أعضاء المسيح، حزناً على فساد أعضائنا الَّتي دنّستها الخطية، فها عيناه تبكيان عوض أعيننا الَّتي تلوّثت برؤية المناظر القبيحة، وأُذناه تبكي عوض آذاننا الَّتي تلوَّثت بسماع كلام القُبح والنميمة، ويداه ورجلاه وفمه... والعجيب أنّها لا تبكي ماءً بل دماً، لأنَّه كما قال بولس الرسول: " بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ! " (عب22:9). بكى يسوع حزناً على فساد البشريَّة، وقد كان لابد أن يبكي، لأنَّ عينيه لم تتقنَّعا ببُرقع الحياة، أمَّا نحن فكثيراً ما نرفض البكاء لأننا ننظر ولا نُبصر، ونصغي ولا نسمع، ولا نُكرّم ملوكاً بدون ممالك، ولا نراقب عودة الزارع من حقله إلاَّ إذا كان يهمُّنا.. أمَّا يسوع فحواسه نقيَّة دائماً، والإنسان موضوع حُبّه، ولأنَّه أب ينظر إلى تمتمة الطفل كصُراخ الشيخ، في حين أنَّها في نظرنا تمتمة طفل لا قيمة لها! |
|