" وقبل الفصح بستة أيام أتى يسوع الى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات
فصنعوا له عشاءً وكانت مرثا تخدم ولعازر كان أحد المتكئين معه "
( يو12: 1و2) .
بعد إقامة لعازر قام السيد المسيح بزيارة ودية لبيت لعازر قبل الفصح بستة أيام،
وهو في بيت عنيا على مقربة من أورشليم.
جاءت زيارته هذه كإعداد للاحتفال بالفصح، ليعلمنا أن نهتم بإعداد أنفسنا للمناسبات الروحية.
هذا ومن جانب آخر إذ جاءت الساعة لصلبه جاء بنفسه وهو يعلم أنهم سينصبون له الشباك،
وهو قادر أن يفلت منها ويحطمها، لكنه جاء إلى العالم خصيصًا لتقديم نفسه ذبيحة حب عنا.
وهي زيارة صداقة لبيتٍ محبوبٍ لديه جدًا، "بيت لعازر ومريم ومرثا"، لأنه يعلم أنه بعد قليل سيفارقهم حسب الجسد.
إنها زيارة وداعية، يترك بصمات حبه وكلمات تعزية وداعية تسندهم في يوم التجربة الذي كاد أن يحل.
أخيرًا فقد جاء إلى بيت عنيا بعد إقامته للعازر لكي يتابع آثار عمله،
وكأنه جاء لكي يسقي ما قدس زرعه حتى يأتي بالثمر اللائق.
جاء السيد المسيح في السبت اليهودي حيث يُحتفل بالفصح في اليوم السادس من زيارته.
كان الوقت قد أزف لتختار كل أسرة الحمل الذي يُقدم فصحًا في العيد، وكان يلزم حفظه خمسة أيام عن الحظيرة.
وها هو حمل الله الفصح الحقيقي، يأتي بنفسه ليعزل نفسه،
مسلمًا نفسه في أيدي محبيه لمسحه بالطيب والدموع في اليوم التالي من وصوله.
بإرادته كرس حياته مبذولة فصحًا عن العالم كله.
وقد جاء موكب دخوله إلى أورشليم في السبت المسيحي
(أحد الشعانين) في اليوم التالي من زيارته لبيت عنيا.
قدمت الأسرة ذبيحة شكر عملية لذاك الذي أقام رب البيت، فصنعوا عشاء، وقام الثلاثة بأدوار مختلفة.
لعازر بين المتكئين يشهد للمسيح الذي أقامه من الأموات، ومرثا تخدمه، ومريم تعلن حبها له بسكب الطيب على قدميه.
يرى البعض أن هذه الوليمة هي بعينها التي تمت في بيت سمعان الأبرص (مت24 : 6).
لكن يرى البعض أن الوليمتين مختلفتان، فالوليمة هنا تمت في بيت لعازر وأختيه بدليل قيام مرثا بالخدمة.
الوليمة المذكورة في إنجيل متى كانت في اليوم الثالث من أسبوع الفصح،
أما هذه فتمت قبل الفصح بستة أيام. وأن الوليمتين تمتا في بيت عنيا،
مريم سكبت هنا منًا أي حوالي الرطل من الطيب، وفي الوليمة الثانية سكبت بقيته كله (مر14 : 3).
لقد خدمت مرثا المائدة تعبيرًا عن تقديرها العظيم للسيد.
حسبت ذلك كرامة لها أن تخدم السيد، أيا كانت الخدمة.
لقد سبق أن قارن بين خدمتها وجلسة أختها مريم عند قدميه، قائلًا لها:
أنت تهتمين بأمور كثيرة، أما مريم فاختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع عنها، مع هذا لم تترك الخدمة.
"وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه" [2].
وجوده هو برهان على حقيقة قيامته التي وهبه إياها السيد المسيح.
لقد جلس يأكل مؤكدًا أن الرب أقامه فعلًا.
+ إنه يتلهف أن يعيد زيارته لذاك الذي أُقيم من الأموات، ويفرح بعطية الحياة المتجددة،
إنه يأتي إلى الوليمة التي تعدها كنيسته له، بمناسبة ذاك الذي كان ميتًا فوجد بين الجالسين مع المسيح.
+ واضح أن الوليمة كانت في بيت مرثا، إذ أن الذين أحبوا المسيح وهو أحبهم قبلوه عندهم.
قوله: "وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه"، كان في هذا دلالة على صدق قيامته، إذ يعيش ويأكل بعد أيام كثيرة.
+ كلما أقام شخصًا من الأموات أمر السيد بتقديم طعامٍ له ليأكل، لئلا يُظن أن القيامة خيال.
ولهذا السبب وُصف لعازر بعد قيامته أنه كان في وليمة مع ربنا.
القديس جيروم