رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تقول الآية: "من أخذ الذى لك فلا تطالبه" (لو30:6). وصية ذات عمق نفسانى هائل، لأن الإنسان عموماً لا يحتمل أن يبتزه أحد، لأن روح الملكية الدنياوية متأصلة فى الإنسان، إلى درجة أن الإنسان يعتبر ما له من أموال ومقتنيات كأنها جزء من جسده، لا يحتمل ولا يطيق أن يبتزه أحد، سواء كانت أموالاً أو أرضاً أو أية أملاك أخرى. لأن روح العالم يسيطر على الذين يعيشون من أجل أنفسهم، فالذى يتعدى عليه ويأخذ ما له يكون كمن يسلبه نفسه. ففى الحال يعترض ويقاوم ويشتكى بعنف إلى المسئولين، ويقيم المحامين ويقدم الشهود مطالباً بحقه. وهذا حق مدنى قانونى، ولكن الإنسان يكون قد سلك سلوك أهل العالم، الذى يقوم على العراك والمصادمة والمطالبة بالحقوق، مهما كان فيها من عداء واستعداء وتكوين البغضة التى لا تهدأ عند المتعدى. فإزاء استرداده لحقه بواسطة القضاء يكتسب عداوةً وتعدياً ينتهى بالإيذاء والموت إن كان كان الخصم ذا حيثية. هذا الطريق مكتسب للذين أخذوا العالم وحقوقه الوهمية مأخذ أهل العالم. ولكن المعروف والمؤكد والمأخوذ علينا، أن مسيحنا مات على الصليب بعد عذاب وتعذيب وضرب، إلى أن مات على الصليب دون أن يدافع عن نفسه ولا بكلمة واحدة. لم يحتج ولم يفتح فمه أمام الذى يحاكمه. لم يطلب حقه، ولا استعفى أمام ضاربيه والذين بصقوا عليه، والذين ضربوه بالسياط 39 جلدة على ظهرة العارى، والذين حملوه الصليب فوقع تحته، ودقوا المسامير فى يديه ورجليه فلم يتذمر ولا هدد بل احتمل حتى الموت. بعد ذلك أعطى وصيته: "من أراد أن يتبعنى ويصير مسيحياً، فليحمل صليبه وما يأتى عليه حتى الموت. هذا أنا أقيمه فى اليوم الأخير ليملك معى ملك السماء". فمعنى هذا، أن المسيحى ليس من هذا العالم كسيده يسوع المسيح، لأنه له إرثاً فى السموات كشريك مجد وحياة أبدية فى الملك السعيد. فالمسيحى عليه أن يختار بين حقوقه فى هذا العالم كإنسان مدنى حر له أن يدافع عن حقه ويطالب بحقوقه، أو يختار طريق المسيح الذى خلصه من خطاياه وفداه من موت حتمى، وأخذ على نفسه أنه سيحفظه ويرعاه ويقوده إلى الخلاص والحياة الأبدية، "من يسمع كلامى ويؤمن بالذى أرسلنى فله حياة أبدية ولا يأتى إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة" ويقول بولس الرسول، الذى كان فريسياً ابن فريسى، وعلماً من أعلام اليهود، بعد أن تنصر وصار مسيحياً ، يقول "ما كان لى ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل إنى أحسب كل شىء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى الذى من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكى أربح المسيح وأوجد فيه". وبولس الرسول يخاطب اليهود الذين آمنوا بالمسيح ودخلوا تحت اضطهاد مريع: أنتم الذين "قبلتم سلب أموالكم بفرح". نعم، فالمسيحى الحقيقى يكون قد خسر العالم ليكسب المسيح ويوجد فيه ويحسب له. وهو هنا سيعير بمسيحه وباسمه، ولكنه هناك فى اليوم الأخير سيلبس إكليل الخلاص والبر الأبدى ويصير شريك المسيح فى مجده وميراثه. |
|